إنها نكبات
سالم الفلاحات
جو 24 : نعم نكبات ونكبات، وكما قيل ولو كان هما واحدا لاحتملته، ولكنه هم وثان وثالث وسنحتمّلها لنمضي من جديد.
ذكريات مريرة لا تمرّ بنا مرة واحدة في السنة, إنّما هي واقع معاش منذ عشرات السنين اقتربت من القرن الكامل.
لم يفصل بينها إلاّ نكبات جديدة متمثّلة بأشكال جديدة من الوعود التي تنتهي بنكبات أشد مرارة وأكثر عمقا,
لتتأصل أنظمة جاءت بحجة التحرير والإنقاذ، ولم يكن لها شرعية سوى ادّعاء الوطنية والكفاح من أجل استرداد الأرض المغتصبة والكرامة, فضيّعت الأرض كل الأرض المحتلة وزيادة, بمسرحيات هزيلة مكشوفة, وباختصار ضيّعت الأرض بالمعاهدات واغتصبت الكرامة الشعبية وصادرتها لئلاّ يعيب عليها أحد.
سنّت قوانين الطوارئ واحتمل الناس ما لا يطيقون, وقبلوا ما لا يُقبَل، وسكتوا عن المصائب رجاء العودة والتحرير.
دفعت الشعوب دماءها وقدّمت رجالها ونساءها، وعاشت حياة الكفاف أو ما دونها، واحتفظ الناس بمفاتيح بيوتهم ووعود حكامهم وخزنوها في سويداء قلوبهم، وأهلكوا أقدامهم واقفين مصفقين للزعماء (المجاهدين) ينتظرون ساعة الحسم وشمس الغضبة المضرية, وسينتظرون حتى يخرج آخر الركاب ولن يجدوا مسافرهم فهو لم يقلع ولن يقلع عن طريق هؤلاء.
اكتشفت معظم الشعوب بعض الحقيقة المُرّة وإن لم تعرفها كلها، فبدأت تحاول قلع شوكها بذاتها وظنّت أنّها تركت لذاتها وأنّى لها ذلك, فقد تدخّل الخائبون مرة ثانية لمشاركتها حتى في ريع دمائها الخاصة، فزرعوا بين ثوراتها أزلامهم لئلاّ تجني الشعوب ما زرعت, وأوغلوا في صناعة الفتن بدهاء منقطع النظير, وأحصوا على المقاومة أنفاسها, حتى تمكّنوا من سرقة قرارها بخفة يد ماهرة.
وبقرارات عربية حجّموا القضية المركزية للأمة عربية وإسلامية، وأعلنوا زورا وبهتانا أنّها قضية فلسطينية صرفة, وأنّ المسؤول عنها منظمة التحرير الفلسطينية وحدها وأنّها الممثل الشرعي والوحيد, من أجل إيصالها لحالة التوقيع على فقدانها والتسليم باحتلالها حتى غدا التحرير مفاوضات من أجل المفاوضات، والحياة مفاوضات كما قال السيد صائب عريقات وغيره, وهكذا شأنهم مع كل حركة جهادية تشبّ عن الطوق الاستسلامي، يمدّوا أيديهم لها في البداية بالدعم والتأييد، ثم يقطعوا الحبل بها في منتصف الطريق أو أن تنفّذ لهم ما يريدون من سياستهم المقرّة، وهكذا يفعلون فتقع في حيص بيص.
وحتى مجرد الإجابة على سؤال الأجيال لماذا انهزمنا ونكبنا، وكيف ننتصر؟ لا يُسمح ببحثه ومراجعته لانتفاء نية التحرير والخروج من المأزق, وإن سمح بالحديث فللتضليل والمخادعة ليس غير.
وعليه فقد ولدت النكبة نكبات والنكسة نكسات, سلبت فلسطين وما كاد أحد يصدّق أنّها ستغيب سوى أشهر قليلة، واستعمرت معظم الأراضي العربية فهبّت الشعوب وطردت محتليها، ورفعت بعض رجالها على أكتافها وقدّستهم ليبنوا دولهم من جديد بعزة وكرامة، فغدروها وامتصّوا حماستها وخنقوها ونكبوها من جديد بهم وبأوليائهم، واليوم تستيقظ الشعوب العربية من جديد منذ سنة ونصف، بعد أن تكشّفت الحقائق للأجيال التي رأى بعضها الدنيا من حوله، ونهضت مطالبة بحريتها وكرامتها وقوتها وبناء أوطانها، فالاستعباد هو الاستعباد من أجنبي أعجمي إفرنجي كان أو من أقرب المقرّبين نسبا أو جغرافية, وهي تعاني من شدة مقاومة مستعمريها (أو قُل مستحمريها) أكرمكم الله، حيث يسعون جاهدين بالتعاون مع الشرق والغرب من أجل خنقهم لتبقى الساحة خالية لحميدان العربي وعمّه الإفرنجي، ولكن أنّى لهم ذلك.
لله در هذه الشعوب كم تحتمل!
نكبات، نكبة استعمار ونكبة وعود, ونكبة بحكام ليسوا كحكام الدنيا، فإمّا أن يحكمونا وإمّا أن يقتلونا، ونكبة دماء وتضحيات, ونكبة تشريد, ونكبة ظلم وقهر وحرمان وتشريد, ونكبة عيشة ضنكى, ونكبة ضياع هوية، ونكبة قيود دولية مباشرة أو عن طريق صناديق النقد الدولية, ونكبة أسعار تغلي وضرائب على الفقراء وضرائب على الضرائب حتى بلغت القلوب الحناجر وخرجت العيون من المحاجر، وبلغت الزفرات عنان السماء والصرخات الآفاق.
مهلا، فالشعوب عرفت طريق تحرير أنفسها وتحرير أرضها ومقدساتها، وكفرت بكل الوعود الكاذبة، وقرأت ما قاله أجدادها: ما حكّ جلدك مثل ظفرك
فتولّ أنت جميع أمرك
تحررت تونس وما كان أحد يظنّها ستتحرر, وليبيا المثخنة بجراحات عميقة في طريقها إن شاء الله، وشعب مصر يكافح ليجني ثمار صبره ومصابرته رغم المؤامرات الكونية عليه، وسينتصر في النهاية قريبا، وسيملك أمره وسيغيّر المعادلة كلها بإذن الله, وكذا المغرب واليمن وسوريا والأردن أيضا، وبقية بلادنا اليوم أو غدا، ولا رادّ لأمر الله, ومن غالَب سنن الكون غلبته وهي غلاّبة.
ستغسل الشعوب عارها وتستعيد كرامتها وسيادتها من مغتصبيها، وستحرر أرضها أيضا، وهذا هو الطريق الذي لا طريق سواه، أمّا منعرجات الحكام فمتاهة أوصلت الناس إلى متاهة تتلوها متاهة لا متناهية، ولن يسلكها إلاّ المغفلون المخدوعون، ندعوا لهم بالشفاء والوعي.
نعم إنّها نكبات وفتن ولكنها حصدت المنافقين لنستبين ضحى الغد، وليس بعد الشدة إلاّ الفرج, ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا.
السبيل
ذكريات مريرة لا تمرّ بنا مرة واحدة في السنة, إنّما هي واقع معاش منذ عشرات السنين اقتربت من القرن الكامل.
لم يفصل بينها إلاّ نكبات جديدة متمثّلة بأشكال جديدة من الوعود التي تنتهي بنكبات أشد مرارة وأكثر عمقا,
لتتأصل أنظمة جاءت بحجة التحرير والإنقاذ، ولم يكن لها شرعية سوى ادّعاء الوطنية والكفاح من أجل استرداد الأرض المغتصبة والكرامة, فضيّعت الأرض كل الأرض المحتلة وزيادة, بمسرحيات هزيلة مكشوفة, وباختصار ضيّعت الأرض بالمعاهدات واغتصبت الكرامة الشعبية وصادرتها لئلاّ يعيب عليها أحد.
سنّت قوانين الطوارئ واحتمل الناس ما لا يطيقون, وقبلوا ما لا يُقبَل، وسكتوا عن المصائب رجاء العودة والتحرير.
دفعت الشعوب دماءها وقدّمت رجالها ونساءها، وعاشت حياة الكفاف أو ما دونها، واحتفظ الناس بمفاتيح بيوتهم ووعود حكامهم وخزنوها في سويداء قلوبهم، وأهلكوا أقدامهم واقفين مصفقين للزعماء (المجاهدين) ينتظرون ساعة الحسم وشمس الغضبة المضرية, وسينتظرون حتى يخرج آخر الركاب ولن يجدوا مسافرهم فهو لم يقلع ولن يقلع عن طريق هؤلاء.
اكتشفت معظم الشعوب بعض الحقيقة المُرّة وإن لم تعرفها كلها، فبدأت تحاول قلع شوكها بذاتها وظنّت أنّها تركت لذاتها وأنّى لها ذلك, فقد تدخّل الخائبون مرة ثانية لمشاركتها حتى في ريع دمائها الخاصة، فزرعوا بين ثوراتها أزلامهم لئلاّ تجني الشعوب ما زرعت, وأوغلوا في صناعة الفتن بدهاء منقطع النظير, وأحصوا على المقاومة أنفاسها, حتى تمكّنوا من سرقة قرارها بخفة يد ماهرة.
وبقرارات عربية حجّموا القضية المركزية للأمة عربية وإسلامية، وأعلنوا زورا وبهتانا أنّها قضية فلسطينية صرفة, وأنّ المسؤول عنها منظمة التحرير الفلسطينية وحدها وأنّها الممثل الشرعي والوحيد, من أجل إيصالها لحالة التوقيع على فقدانها والتسليم باحتلالها حتى غدا التحرير مفاوضات من أجل المفاوضات، والحياة مفاوضات كما قال السيد صائب عريقات وغيره, وهكذا شأنهم مع كل حركة جهادية تشبّ عن الطوق الاستسلامي، يمدّوا أيديهم لها في البداية بالدعم والتأييد، ثم يقطعوا الحبل بها في منتصف الطريق أو أن تنفّذ لهم ما يريدون من سياستهم المقرّة، وهكذا يفعلون فتقع في حيص بيص.
وحتى مجرد الإجابة على سؤال الأجيال لماذا انهزمنا ونكبنا، وكيف ننتصر؟ لا يُسمح ببحثه ومراجعته لانتفاء نية التحرير والخروج من المأزق, وإن سمح بالحديث فللتضليل والمخادعة ليس غير.
وعليه فقد ولدت النكبة نكبات والنكسة نكسات, سلبت فلسطين وما كاد أحد يصدّق أنّها ستغيب سوى أشهر قليلة، واستعمرت معظم الأراضي العربية فهبّت الشعوب وطردت محتليها، ورفعت بعض رجالها على أكتافها وقدّستهم ليبنوا دولهم من جديد بعزة وكرامة، فغدروها وامتصّوا حماستها وخنقوها ونكبوها من جديد بهم وبأوليائهم، واليوم تستيقظ الشعوب العربية من جديد منذ سنة ونصف، بعد أن تكشّفت الحقائق للأجيال التي رأى بعضها الدنيا من حوله، ونهضت مطالبة بحريتها وكرامتها وقوتها وبناء أوطانها، فالاستعباد هو الاستعباد من أجنبي أعجمي إفرنجي كان أو من أقرب المقرّبين نسبا أو جغرافية, وهي تعاني من شدة مقاومة مستعمريها (أو قُل مستحمريها) أكرمكم الله، حيث يسعون جاهدين بالتعاون مع الشرق والغرب من أجل خنقهم لتبقى الساحة خالية لحميدان العربي وعمّه الإفرنجي، ولكن أنّى لهم ذلك.
لله در هذه الشعوب كم تحتمل!
نكبات، نكبة استعمار ونكبة وعود, ونكبة بحكام ليسوا كحكام الدنيا، فإمّا أن يحكمونا وإمّا أن يقتلونا، ونكبة دماء وتضحيات, ونكبة تشريد, ونكبة ظلم وقهر وحرمان وتشريد, ونكبة عيشة ضنكى, ونكبة ضياع هوية، ونكبة قيود دولية مباشرة أو عن طريق صناديق النقد الدولية, ونكبة أسعار تغلي وضرائب على الفقراء وضرائب على الضرائب حتى بلغت القلوب الحناجر وخرجت العيون من المحاجر، وبلغت الزفرات عنان السماء والصرخات الآفاق.
مهلا، فالشعوب عرفت طريق تحرير أنفسها وتحرير أرضها ومقدساتها، وكفرت بكل الوعود الكاذبة، وقرأت ما قاله أجدادها: ما حكّ جلدك مثل ظفرك
فتولّ أنت جميع أمرك
تحررت تونس وما كان أحد يظنّها ستتحرر, وليبيا المثخنة بجراحات عميقة في طريقها إن شاء الله، وشعب مصر يكافح ليجني ثمار صبره ومصابرته رغم المؤامرات الكونية عليه، وسينتصر في النهاية قريبا، وسيملك أمره وسيغيّر المعادلة كلها بإذن الله, وكذا المغرب واليمن وسوريا والأردن أيضا، وبقية بلادنا اليوم أو غدا، ولا رادّ لأمر الله, ومن غالَب سنن الكون غلبته وهي غلاّبة.
ستغسل الشعوب عارها وتستعيد كرامتها وسيادتها من مغتصبيها، وستحرر أرضها أيضا، وهذا هو الطريق الذي لا طريق سواه، أمّا منعرجات الحكام فمتاهة أوصلت الناس إلى متاهة تتلوها متاهة لا متناهية، ولن يسلكها إلاّ المغفلون المخدوعون، ندعوا لهم بالشفاء والوعي.
نعم إنّها نكبات وفتن ولكنها حصدت المنافقين لنستبين ضحى الغد، وليس بعد الشدة إلاّ الفرج, ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا.
السبيل