هل بقيت لدينا نُخب؟
أيمن صندوقة
جو 24 :
لا توجد مؤسسات في بلادنا بالمعنى الحقيقي، وفي ضوء ذلك تُعرف حياة الأمم والشعوب من موتها بالنظر فقط إلى وجود ومستوى حيوية نُخبها الذين يمكن لهم قيادة الجماهير والتأثير في وعيها وإدارة وتنظيم سلوكها ، واليوم أجدني مضطرا للتساؤل المؤلم : هل متنا جميعا وانتهى الأمر ؟
هل هذه النخب في الأردن غافلة عن خطورة ما يتم إخراجه من تعديلات دستورية تلغي حق الشعب ومؤسساته في ممارسة أي سلطة إلا في جزئيات بسيطة وشكلية؟!
هل يُعقل أن يكون وزراء الخارجية والداخلية والدفاع مع كل من قائد الجيش ومدراء الأمن والمخابرات أعضاء في مجلس يرأسه الملك المصان بالدستور من كل تبعة ومسؤولية ؟! وهل فهم "نواب الشعب" معنى أن يخاطبهم الملك في افتتاح دورة مجلسهم العادية بأن المؤسسات السيادية والدينية والتعليمية يجب أن تبقى بعيدا عن "التجاذبات الحزبية" ؟!
ردة فعل كل الجهات والشخصيات ضعيفة وهزيلة أو حتى معدومة أمام تطور خطير جدا كهذا ، ولعل السبب في ذلك أن هذه المؤسسات والقرارات المسماة "سيادية وتعليمية ودينية" كانت منذ عقود تدار عمليا من قبل أذرع الدولة العميقة بعيدا عن كل رقابة أو مساءلة ، بمعنى أن هذه التعديلات الدستورية القادمة مطبقة عمليا من قبل ، وبالتالي يشعر كثيرون أنه لاجديد !
وليس أدل على ذلك من إبرام مختلف الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية الكبرى مؤخرا دون مرورها - ولا حتى شكليا - على مجلس النواب..
الأمر إذا ليس جديدا ، فالمؤسسات ملغاة سلفا ، والشعب ليس مصدرا السلطات من قبل ولا من بعد ..
لكن هذا لا يعفي الأحزاب الجادة والشخصيات الوطنية الصادقة من مسؤوليتها الدينية الوطنية الأخلاقية التاريخية حيال ما يجري ، فعند العقلاء يوجد فرق كبير بين أن يتم شيء ما خلسة خارج إطار الشرعية وبين أن يتم بالقانون والدستور ومن ثم يصبح المشهد جاهزا أمام الدولة العميقة لخطوات لاحقة أشد وأنكى في التغول على "بقايا السكان والمقيمين" وحقوقهم وحرياتهم ..
أتساءل وأنا أجزم أن الصادقين والجادين والواعين كثيرون : ألا يعرف بعض الصادقين بعضا في هذا البلد ؟
أيعجزون عن التواصل واللقاء والتحاور واتخاذ الموقف الجاد الحاسم الذي يقول لا لهذا العبث ؟
لماذا يضع كل منهم العبء عن ظهره ويلقي باللوم على الآخرين بكل سهولة ؟ وكيف ينام ؟
لماذا تضع معظم القوى والشخصيات رؤوسها في الرمال حيال هذا التطور الخطير ؟
ولماذا تختبئ قوى أخرى خلف الاحتجاج "بكل شجاعة" على بعض أعراض المرض متجاهلين الأساس رغم الإلحاح عليهم في مواجهته صراحة ؟!
ماهي المصلحة العامة المترتبة على تطنيش الأهم وتقديم الأقل أهمية ؟ أم أن أعداء الحرية قد نجحوا بكل براعة في جعل كل طرف وطني صادق يدور فقط حول مصالحه الضيقة ؟
ألا يكفينا جبنا وفزعا وتقديما للمصالح الشخصية والضيقة على الهمّ العام ؟
وهل تحسبون أنكم اختبأتم واحتميتم من لعنة التاريخ والأجيال وأنتم تمارسون ذلك الجبن والخور ؟
باختصار فإن على الجهات والشخصيات التي ترى نفسها كبيرة وعريقة ومخضرمة أن تعرف كيف تقول (لا) كبيرة ومؤثرة حيال الخطر الحقيقي وفي مواجهته بصدق ، وإلا فإن من لا يعرف كيف يقول (لا) كبيرة ومؤثرة فلا هو طرف كبير ولا عريق ولا مؤثر ، وعليه أن لا يحلم بالذكر الحسن لاحقا ولا حتى يحلم بالنجاة من لعنة الأجيال والتاريخ الذي سيحفظه كجبان عاجز آثر السلامة عند كل منعطف...