2024-07-31 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

نظام الثانوية الجديد، هل سيسهم في التطوير؟

أيمن صندوقة
جو 24 :


تأخرت في الكتابة عن هذا الموضوع ريثما تتأكد التفاصيل حول تطبيقه، ومع متابعة ما تم نشره رسميا حتى اليوم أظن أن هذا النظام صار واضحا بصورة تكفي لتمحيصه من قبل المهتمين لتحديد نقاط القوة والضعف فيه بموضوعية تامة.. وحديثي هنا ابتداء محصور في المسار الأكاديمي.

بداية فإنه يسجل لهذا النظام أنه سيقلل بشكل كبير من إرهاق الطلبة بمقررات ثقيلة لا تخدمهم ولا تضيف لهم شيئا ذا قيمة بالنظر إلى الحقول والمجالات التي هم متوجهون لها في مساراتهم العلمية والعملية، وقد كانت هذه الجزئية مزعجة بحق في نظام الثانوية الحالي، الأمر الذي كثيرا ما أثر سلبا على نفسيات أبنائنا بل وسبب الإرهاق والضغوط على مجتمعنا كله مع علم الجميع بعدم جدواه..

في الوقت ذاته فإن أمام أصحاب القرار تحديا كبيرا حول إمكانية أن تنعكس هذه التخصصية المبكرة إيجابا على التعليم الجامعي ومخرجاته - وهذا هو المفترض- ذلك لأن المساقات الجامعية التخصصية كان قد جرى تقليصها على مدى عقود، وأصبحت مقررات السنة الجامعية الأولى تكاد تكون مقتصرة على إعادة لمقررات المرحلة الثانوية، وذلك تحت ضغط ضعف مخرجات التعليم المدرسي واضطرار مؤسسات التعليم العالي لذلك، ولكنني أفترض اليوم أن الطالب الذي درس التفاضل والتكامل مثلا منذ الصف العاشر والأول الثانوي والثاني الثانوي ضمن الحقل الهندسي مثلا لن يكون بحاجة لمقرر في التفاضل والتكامل تركز معظم فصوله على ذات ما درسه الطالب لثلاث سنوات سابقة كما هو الحال الآن! ولعله أيضا قد آن لفصول كتب الفيزياء التي اختفت من مادة الفيزياء 101 و 102 منذ عشرين عاما تحت ضغط ضرورة إعادة تدريس مواد الفيزياء المدرسية وضعف الطلبة فيها، لعله قد آن لهذه الفصول المحذوفة أن تدرس من جديد في السنة الأولى أو أن يحل مكانها كل جديد في علوم الفيزياء وتطبيقاتها ، وقل مثل ذلك في معظم المواد والتخصصات، فهل سيتغير هذا الواقع المؤلم من التراجع والضعف بفعل التخصص المبكر؟ وهل سيكون أمام طلابنا في دراستهم الجامعية فرصة أكبر للتعمق في تخصصاتهم وكل جديد فيها بدلا من الضحالة المعرفية والمهارية التي نعاني منها في مخرجات تعليمنا برمّته؟ الحقيقة أن تبكير التخصصية وفق النظام الجديد شيء جيد، لكنها إذا لم تؤد إلى مثل هذا الأثر الإيجابي في التعليم الجامعي وتحديث مقرراته فإنها تغدو تنفيسا للاحتقان تجاه "التوجيهي" ليس إلا، وليست تطويرا للتعليم.

النقطة الثانية والأهم في هذا النظام هي سلبية كبرى -حسب رأيي- ويجب معالجتها فورا قبل بدء العام الدراسي المقبل 2023/ 2024 :

ما قصة "النجاح المدرسي" وما حقيقته ؟!
يدرك كل من اطلع بعناية على هذا النظام وتصور عملية تطبيقه أنه لا الطلبة ولا المعلمون ولا المدارس ولا الأهالي ستكون لديهم توجهات جادة بخصوص دراسة الطلبة في الصف الحادي عشر لغير مواد الثقافة المشتركة الأربعة التي سيتقدم الطلبة فيها لامتحان وزاري.. إن ثقافة مجتمعنا لن تتغير بسهولة - ولا بصعوبة- حيال العلم والتعليم بمثل هذه الطريقة، وأتوقع أن يصطدم التطبيق بهذه الحقيقة المرّة..

ما الذي سيقنع طالبا سيتقدم هذا العام لامتحان وزاري في مواد أربعة فقط دون الأخرى بأن يدرس الفيزياء أو الكيمياء أو الرياضيات ؟! الجواب مع الأسف وفي ضوء ثقافتنا : لا شيء يمكنه إقناعه، وإذا افترضنا جدلا أن ابننا قد اقتنع نظريا بجدوى ذلك، فلا شيء يمكنه تغيير سلوكه الدراسي ليبدي متابعة أو اهتماما بهذه المواد ! بل إنني أجزم أن كثيرا من المعلمين وكثيرا من إدارات المدارس وأهالي الطلبة لن يكونوا مقتنعين بالتعامل مع هذه المواد بجدية وبالتالي لن يكونوا معنيين بمحاولة إقناع أبنائنا بذلك ! فمجرد القول أن مقررات هذه المواد هامة للعام القادم لن يكون ذا أثر، كما سيتطوع عباقرة نعرفهم جيدا للترويج أن عشر حصص "تأسيس من الصفر" كفيلة بتجاوز الموضوع في العام القادم، وسيتم تقبل ذلك الطرح الكاذب الخرافي مجتمعيا أكثر من تقبل كل الكلام العقلاني التربوي المنطقي السليم، وبالخلاصة فلن يهتم أحد لهذه المواد خلال الصف الحادي عشر، مما سيجعلنا أمام فجوة كبيرة في تعليم أبنائنا وستؤثر على المخرجات بشكل كبير يعيدنا للمربع الأول ولا نكون قد طورنا نظام التعليم ولا يحزنون!

كما يعرف الجميع كيف سيحصل "النجاح المدرسي" المطلوب في هذه المواد، ولا داع للتطويل في الشرح.. أريد فقط أن يسأل القارئ الكريم نفسه عن عدد المدارس الخاصة أو الحكومية التي يعرفها ويتوقع أنها ستسمح لنفسها أن تقف عائقا أمام الفتح العظيم بأن يتقدم ابننا فلان ابن فلان لامتحان الوزارة ويجتازه بنجاح!!

لن أخوض في تشريح وعينا وثقافتنا تجاه الموضوع فالكل يدركها ولا تحتاج لتوضيح، ولها أسبابها ، وهي تحكم سلوك مجتمعنا شئنا أم أبينا ، لكن المهم أن على صاحب القرار أن يعي أن هذا مقتل حقيقي للنظام الجديد للثانوية، وقد حاولنا التنبيه له مبكرا دون فائدة ، وينبغي تدارك هذه المسألة ، وهذا ليس مستحيلا..

الحلول كثيرة لو توجهت الإرادة ، أفضلها برأيي أن يتم تعديل طفيف على النظام بحيث يتقدم الطلبة لامتحان وزاري في هذه المواد (أو بعضها حسب الحقل) في الحادي عشر ويخصص لهذا الامتحان جزء من نتيجة الطالب النهائية في الثانوية..
أطلت .. وللحديث بقية في المسارين الأكاديمي والمهني...

 
 
تابعو الأردن 24 على google news