تحول غير مفهوم!
محمد أبو رمان
جو 24 : يشعر اللاجئون السوريون، وتحديداً التيار الناشط المؤيد للثورة، بأنّ هنالك تحولاً كبيراً في الموقف الرسمي تجاههم، سواء على صعيد تقييد أنشطتهم الإغاثية أو الإعلامية، أو تعرّض عدد منهم خلال الأسابيع الماضية إلى المضايقات والاعتقالات ومنع الدخول، فيما يبدو التضارب واضحاً بين روايتي اللاجئين والحكومة الأردنية بشأن ترحيل أو إعادة عشرات اللاجئين-الناشطين هنا إلى سورية.
منذ البداية، فتح الأردن يديه للأشقاء وعمل على استيعابهم، وقدّم لهم العون. وتطوّع المواطنون والجمعيات المدنية بجزء كبير من كلفة هذه الضيافة، وسمح بأنشطة مشتركة أردنية-سورية لدعم الثورة سياسياً وإعلامياً، فما الذي حدث حتى بدأ التضييق والتحجيم لهذا النشاط؟
وفق رواية المسؤولين الرسميين، فهنالك مخاوف من أنّ العدد الكبير للاجئين –وهو بالمناسبة يصل اليوم إلى ما يزيد على 110 آلاف، فيما ما يزال المسجلون لدى الأمم المتحدة قرابة 14 ألفا- يحمل مخاطر وجود اختراقات أمنية، وربما يؤدي إلى متاعب داخلية هنا، تريد الدولة منعها أو الحيلولة دونها، عبر ضبط النشاط، وقصر الحضور الكبير على "الجانب الإنساني" الخالص.
خلف الرواية الرسمية تكمن رهانات أخرى لدى الدولة، تتمثّل في تشكّل قناعة بعدم جديّة التدخل الدولي والأميركي، وفي نجاح النظام بتجاوز خطر الانهيار، مع الوصول إلى سيناريو البقاء، حتى وإن كان ضمن أوضاع أمنية وسياسية غير مستقرة، مما دفع بالمسؤولين إلى العمل على إبقاء الموقف الرسمي دون الوصول إلى خط الصدام أو الصراع مع النظام السوري.
من حق الدولة أن تحمي حدودها وأن تضبط النشاطات الداخلية للمعارضة السورية، بما لا يؤثر على الأمن الوطني، وبوضع جملة من القواعد والحدود الرسمية على ذلك، لكن على ألاّ يمس ذلك حقوق الأشقاء الإنسانية، ولا نشاطهم السلمي والإعلامي، وعلى أن تبقى صورة الأردن الناصعة الجميلة لدى الشعب السوري، بوصفه أرض الأمان لهم، والحاضنة الإنسانية التي يلجأون إليها من الجحيم الذي يخلقه نظامهم الدموي المجرم؛ وهي علامة سياسية تميّز الأردن، وتمنحه قيمة عليا في مقابل الأنظمة العربية الأخرى.
من زاوية أخرى؛ حسم الرهان الرسمي على بقاء النظام السوري مسألة سابقة لأوانها كثيراً! والتفكير الغربي، والأميركي تحديداً، يتطور يوماً بيوم. ففيما كان التدخل العسكري مستبعداً خلال الأشهر الماضية، فإنّ الأسابيع الأخيرة شهدت صعوداً للتيار الذي يؤيده في الأوساط الرسمية الأميركية، والفرضية التي تقول إنّ أوباما لن يغامر قبل انتخابات الرئاسة بأي تدخل عسكري، بدأت تزاحمها فرضية مناقضة تماماً لتوظيف هذا الحدث في معادلة الانتخابات هناك.
الأمر الأكثر أهمية هو أنّ الأمور على الأرض تبدو غير مستقرة إطلاقاً، ومن الواضح أنّ النظام يفقد السيطرة على كثير من المناطق، ومنها مناطق حدودية متاخمة لتركيا. وفي الوقت الذي تتلاشى فيه فرص الحل السياسي، فإنّ الحل الأمني الرسمي أثبت فشله، برغم كل المجازر والمذابح، ما يعني أنّ الفوضى الأمنية والسياسية ستكون عنوان المرحلة القادمة، إذا لم يتم التوصل إلى صفقة دولية- إقليمية مع أطراف المعادلة الداخلية، كما حدث في الحالة اليمنية سابقاً، وهو ما يعني، بلغة أخرى، أنّ فرص النظام في البقاء والنجاة بدأت تتراجع بصورة كبيرة.
المطلوب سياسة أردنية متوازنة تحافظ على الجانب الإنساني في استضافة اللاجئين، وتدفع نحو تسجيل الأعداد كافة، وتكون أكثر وضوحاً، بعيدة عن التناقض الواضح ما بين تحالفات الأردن الإقليمية والدولية من جهة، والرسائل المعاكسة في الاتجاه الآخر من جهة ثانية!
m.aburumman@alghad.jo
الغد
منذ البداية، فتح الأردن يديه للأشقاء وعمل على استيعابهم، وقدّم لهم العون. وتطوّع المواطنون والجمعيات المدنية بجزء كبير من كلفة هذه الضيافة، وسمح بأنشطة مشتركة أردنية-سورية لدعم الثورة سياسياً وإعلامياً، فما الذي حدث حتى بدأ التضييق والتحجيم لهذا النشاط؟
وفق رواية المسؤولين الرسميين، فهنالك مخاوف من أنّ العدد الكبير للاجئين –وهو بالمناسبة يصل اليوم إلى ما يزيد على 110 آلاف، فيما ما يزال المسجلون لدى الأمم المتحدة قرابة 14 ألفا- يحمل مخاطر وجود اختراقات أمنية، وربما يؤدي إلى متاعب داخلية هنا، تريد الدولة منعها أو الحيلولة دونها، عبر ضبط النشاط، وقصر الحضور الكبير على "الجانب الإنساني" الخالص.
خلف الرواية الرسمية تكمن رهانات أخرى لدى الدولة، تتمثّل في تشكّل قناعة بعدم جديّة التدخل الدولي والأميركي، وفي نجاح النظام بتجاوز خطر الانهيار، مع الوصول إلى سيناريو البقاء، حتى وإن كان ضمن أوضاع أمنية وسياسية غير مستقرة، مما دفع بالمسؤولين إلى العمل على إبقاء الموقف الرسمي دون الوصول إلى خط الصدام أو الصراع مع النظام السوري.
من حق الدولة أن تحمي حدودها وأن تضبط النشاطات الداخلية للمعارضة السورية، بما لا يؤثر على الأمن الوطني، وبوضع جملة من القواعد والحدود الرسمية على ذلك، لكن على ألاّ يمس ذلك حقوق الأشقاء الإنسانية، ولا نشاطهم السلمي والإعلامي، وعلى أن تبقى صورة الأردن الناصعة الجميلة لدى الشعب السوري، بوصفه أرض الأمان لهم، والحاضنة الإنسانية التي يلجأون إليها من الجحيم الذي يخلقه نظامهم الدموي المجرم؛ وهي علامة سياسية تميّز الأردن، وتمنحه قيمة عليا في مقابل الأنظمة العربية الأخرى.
من زاوية أخرى؛ حسم الرهان الرسمي على بقاء النظام السوري مسألة سابقة لأوانها كثيراً! والتفكير الغربي، والأميركي تحديداً، يتطور يوماً بيوم. ففيما كان التدخل العسكري مستبعداً خلال الأشهر الماضية، فإنّ الأسابيع الأخيرة شهدت صعوداً للتيار الذي يؤيده في الأوساط الرسمية الأميركية، والفرضية التي تقول إنّ أوباما لن يغامر قبل انتخابات الرئاسة بأي تدخل عسكري، بدأت تزاحمها فرضية مناقضة تماماً لتوظيف هذا الحدث في معادلة الانتخابات هناك.
الأمر الأكثر أهمية هو أنّ الأمور على الأرض تبدو غير مستقرة إطلاقاً، ومن الواضح أنّ النظام يفقد السيطرة على كثير من المناطق، ومنها مناطق حدودية متاخمة لتركيا. وفي الوقت الذي تتلاشى فيه فرص الحل السياسي، فإنّ الحل الأمني الرسمي أثبت فشله، برغم كل المجازر والمذابح، ما يعني أنّ الفوضى الأمنية والسياسية ستكون عنوان المرحلة القادمة، إذا لم يتم التوصل إلى صفقة دولية- إقليمية مع أطراف المعادلة الداخلية، كما حدث في الحالة اليمنية سابقاً، وهو ما يعني، بلغة أخرى، أنّ فرص النظام في البقاء والنجاة بدأت تتراجع بصورة كبيرة.
المطلوب سياسة أردنية متوازنة تحافظ على الجانب الإنساني في استضافة اللاجئين، وتدفع نحو تسجيل الأعداد كافة، وتكون أكثر وضوحاً، بعيدة عن التناقض الواضح ما بين تحالفات الأردن الإقليمية والدولية من جهة، والرسائل المعاكسة في الاتجاه الآخر من جهة ثانية!
m.aburumman@alghad.jo
الغد