jo24_banner
jo24_banner

الانكشاف الاستراتيجي الكبير

الانكشاف الاستراتيجي الكبير
جو 24 :

د. حسن البراري- جامعة ييل

تطرح الأزمة السورية والضربة الاميركية المحتملة مسألة في غاية الاهمية تتعلق بالانكشاف الاستراتيجي الكبير لمنطقة المشرق العربي. فمنذ نشأة الدولة الوطنية في المشرق العربي في اعقاب انهيار الدولة العثمانية والمنطقة يتم تشكيلها واعادة تشكيلها بفعل العامل الكولونيالي اما اتفاقا او اختلافا. وفي وقت مازالت فيه عوامل تخلف المنطقة في جلها- وليس كلها- داخلية الا ان منطقة المشرق العربي بقيت تحت هيمنة العامل الخارجي، وما زالت الانظمة الحاكمة تجد صعوبة بالغة في الانفكاك من هذه الدائرة المفرغة حتى عندما بدأت القوى الدولية بإدارة تراجعها من المنطقة لانها- أي الانظمة- اثرت التبعية اعتقادا منها ان التبعية هي وصفة بقاء لها. وللإسف فإن التغير المعياري في منظومة العلاقات الدولية والانتقال من الجيواستراتيجي الى الجيو اقتصادي والذي ساهم في تراجع تأثير القوى الخارجية في المنطقة لم يفض الى انبعاث عربي وانما الى بروز اقطاب اقليمية- يغيب عنها العرب طبعا- يبدو انها مؤهلة وإن على مستويات اقل على ملئ الفراغ..

وعودة على بدء، نقول كأن التاريخ يعيد نفسه وإن بلاعبين مختلفين، ففي الخمسينات كان الصراع هو صراعا على سوريا واليوم يستمر ذات الصراع على سوريا بعد ان فشل نظام البعث في خلق اطار سياسي تشاركي يعالج الفسيفساء السورية وتركيبة المجتمع التعددية، فالمجتمع السوري ليس مجتمعا احادي التكوين وكان الافضل لو تفهم حكامه ان ادوات الحكم السابقة لم تعد تنفع بعد ان دخل العالم في مرحلة "الصحوة العالمية" على حد تعبير بريجنسكي. وبالتالي، من الطبيعي ان يثور الشعب السوري طلبا للحرية مع ان ثورته تم توظيفها في سياق صراع اقليمي ادام من عمر الصراع بدلا من انهائه!.

استهتار النظام السوري بالرئيس اوباما وقراءة دمشق حلفاءها بأن اوباما لن يخوض حربا في سوريا والدعم الهائل الذي تلقاه بشار الاسد دفع به ليوغل في التقتيل. وفي سياق معركته البائسة للبقاء قام الاسد باستخدام السلاح الكيماوي وهو الامر الذي دفع الولايات المتحدة لاعادة الاعتبار لخطوطها الحمراء التي لم يفهمها الاسد، وبالتالي نحن امام ضربة عسكرية وإن كانت محدودة النطاق والزمان (اي ليست معركة مفتوحة) الا انها موجعة. فالاسد يتكئ على تحالف محدود الامكانات والتأثير وهو بالرغم من كل الفرص التي منحت له من الاصدقاء وحتى الخصوم فقد اخفق الاسد في حسم معركة سوريا. ولا يبدو ان هذا التحالف سيردع الولايات المتحدة بل وعلى العكس من ذلك نشاهد تراجعا روسيا مشينا وتهديدا فارغا من الايرانيين اعتادت عليه المنطقة. والراهن ان هذا المحور في ورطة فقد بدا لانحناء امام تصميم اميركي لتلقين الاسد ومن يقف خلفه درسا عسكريا. ويبدو ان حصاد الممانعة سيكون سالبا بعد ان اعتقد هذا المحور ان الرئيس اوباما ليس برجل حسم.!


بالمقابل، فإن الموقف البريطاني خلط الاوراق، فالبرلمان البريطاني ولاسباب سياسية داخلية ولتجنب التورط بحرب جديدة ولدرس العراق وخوفا من خديعة على طراز خديعة توني بلير رفض منح ديفيد كاميرون الموافقة على الاشتراك في مغامرة عسكرية جديدة. وهذا بدوره يبعث برسالة واضحة تفيد ان المجتمع الغربي منقسم على قضايا المنطقة ما يضعف الموقف الاميركي في ملفات اخرى منها الملف النووي الايراني، فايران تراقب الانقسام الغربي، ربما يكون في ذلك نوع من التبسيط نظرا لوجود اسرائيل طرف في معادلة الرد الدولي على الملف النووي الايراني. لكن المفارقة ان بريطانيا كانت تدق طبول التدخل في الاشهر الاخيرة وكانت مع فرنسا تدفع البيت الابيض لشن هجوم عسكري مشترك، غير ان رئيس الحكومة انحنى امام برلمان رفض اعضاؤه ان يلعبوا دور الكومبارس النيابي.

بصرف النظر عن حديث الرئيس اوباما بأن الضربة ستكون محدوده لكنها قد تكون توطئة لاقامة منطقة حظر طيران لتمكين اميركا من التغلب على معضلة ازاحة الاسد لكن دون وقوع سوريا بأيدي الراديكاليين، ويكثر الحديث بواشنطن عن جيش جديد يتكون من عناصر من الجيش الحر بالاضافة الى من سينشق عن جيش الاسد بعد الضربة الاميركية. فالضربات الجوية المتلاحقه ستضعف النظام السوري وتجبره على الذهاب الى جنيف ٢ من موقع ضعف، فعلى العكس مما يقوله الاميركان فإن الضربات الجوية المتلاحقة ستفضي الى تغيير في موازين القوى العسكرية على الارض.

وعلى نحو مغاير وبعيدا عن سيناريو سوريا بعد الضربة العسكرية الاميركية فان هزيمة محور الممانعة لا تعني في المحصلة انتصار لمحور الاعتدال المأزوم اقليميا وداخليا. فهناك لاعب آخر متربص يستفيد من كل ما يجري وهو اسرائيل، فإسرائيل ستتعامل مرة أخرى ليس مع محور الممانعة المشرذم والمهزوم بل مع الاعتدال “المنتصر” الذي عليه ان يتجاوب مع الرؤى الاسرائيلية في شكل الحل النهائي للقضية الفلسطينية وعندما سيتستمر الانكشاف الاستراتيجي الكبير بتواطؤ عربي مبين، وفي هذه البيئة سيقدم قادة الاعتدال بقاءهم السياسي على اي اعتبار آخر ويجروا بلادهم لهزائم متتالية.

تابعو الأردن 24 على google news