jo24_banner
jo24_banner

التعديلات الدستوريّة .. "بين العمار والدمار السياسيّ لمستقبل الدولة الأردنيّة"

التعديلات الدستوريّة .. بين العمار والدمار السياسيّ لمستقبل الدولة الأردنيّة
جو 24 :
 


   
 كتب إيليا أيمن الربضي * -  "إن الشعوب تعتمد في نهضتها على فئةٍ مثقفةٍ, كحجرِ أساسٍ يقومُ بِبناءِ الهرمِ الفكريّ والسياسيّ والإقتصاديّ للمجتمع, ويُعوّل على هذه الفئة في بناءِ مجتمعٍ ناجحٍ وَمُتحضِّر يرتقي بالمواطن إلى أفضلِ مُستوى ممكن, ويُطلق على هذه الفِئة عادةً و/أو إصطلاحًا إسم "النُخبَّة", لأنه يتم إنتخاب أفرادها بشكل رسميّ مباشر أو غير مباشر, كي يكونوا ممثلي الشعب والساعين وراء حاجاتهم وطموحاتهم وتطلعاتهم, وذلك بالإعتماد على شخصياتِهم؛ عِلمهم؛ ثقافتهم؛ رؤاهم البناءة وأفكارهم النيّره لتطوير المجتمع الذي يعيشون فيه.-وهذا قدّ حَصَلَ فعلًا في أوروبا إبّان عَصرَ نهضتها-.

     إذن ؛ وبناءً على ما سبق ... فإن جماعة النُخبة هي حبلُ النهضة أو النجاة الذي يَعتصِمُ به الشعب كي يسير على نهجٍ علميٍّ متين نحو نهضةٍ حقّه وطريقٍ خيّره يَسعى بِها الأفرادُ للإعتصام معًا ولا يَتفرقوا فيه شِيئاً في سبيل نهضة الوطن الحقيقيّة" .

     وعليه ؛ وعلى نور ما سبق ذكره .. فإن السؤال المُثار في هذا المقام, هل حَقَقَ فِعلًا مجلس النواب التاسع عشر بالعموم واللجنة القانونيّة على وجه التحديد الحدّ الأدنى من هذه النخبويّة في "التكليف لا التشريف" الرامي للنهوض بالمجتمع الأردني كجسم واحد من خلال إقرار المشروع المُعدل للنصوص الدستوريّة –التي ستحدد المستقبل السياسيّ للدولة الأردنيّة للعشرين عام القادمة على الأقل بالتالي ستحدد حُكمًا المستقبل الإقتصادي والإجتماعي أيضًا بالتناوب مع تحديد خارطة الطريق السياسيّة مع ما سينبثق من لدّنِ هذه التعديلات محل النقاش ...؟, أم إنّ كل ما يحصُل هو مجرد عملية روتينيّة مناطها ومرامُها تمرير هذه التشريعات –كما يقول قائل في الشارع الأردني-...؟

    لا يمكن لنا كقانونيّين أنّ نستصدِّرَ أحكامًا إستباقيّة حتى اللحظة على الرغم من أن ملامح التعديلات قد إنجلت من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدة رئيس اللجنة القانونيّة قبل أيام والذي كشف فيه بواطن الأمور وتوجهات اللجنة القانونيّة إزاء تِلكُمُ التعديلات. لكن يمكن لنا أن نستصدِّر ما يُمليه علينا ضميرُنا و واجبنا الأخلاقيّ والوطنيّ والمهنيّ إزاء جملة التعديلات آنفة الذكر, لتكون هذه المقالة بمثابةِ خارطةِ طريقٍ مُجرّدة من أي بُعدٍ سياسيّ أو تجاذبٍ حزبيّ فيكون مناطها وأساسها المصلحة الوطنيّة العُليا, فيستنير بها من أراد من أصحاب القرار ليكون على طريقٍ مبينٍ متين أساسهُ وعموده الفِقري الفهم السليم لتلك النصوص وأثرها على الوطن والمجتمع والدولة الأردنيّة ككل.

     لأجل ذلك, سنشرع في هذه المقالة إلى عرض "ستة نقاط" نرى فيها من الخطورة ما قدّ تُشكِل في مضامينها خطرًا يُحيق بالدستور الأردنيّ, المجلس النيابيّ وأعضاؤة؛ والمستقبل السياسيّ للدولة الأردنيّة ككل للعشرين عام القادمة ...: وهي على البيان التالي:- 

-أولًا: عنوان الفصل (2): بحسب النص المُعدِّل "حقوق الأردنيين والأردنيات و واجباتهم".
تخالف هذه اللفظة جُلَّ دساتير عائلة الدساتير الملكيّة كما هو الحال في الدستور البلجيكي, النرويجيّ, الهولندي, ... وغيرها ولكيّ نكون صريحين ولا أتهم بالذكوريّة أو مناهضة حقوق المرأة فإن النص المعمول به سابقًا كان يغطي الأردنييّن من الجنسين (الذكور والإناث), سواء على الصعيد الحقوقي أو الصعيد اللغوي والنحوي وحتى في حال الترجمة المباشرة إلى اللغة الإنجليزيّة -فيما هو متعلق بالإتفاقيّات الدوليّة-. 

ولكن لكي توضع الأمور في نصابها الصريح, فإن إيراد لفظة "الأردنيات" في أبو التشريعات وبِعنوانٍ عريض يُشكلُ في مضامينه خطرًا غير مباشرًا على الدولة الأردنيّة نظرًا لحساسيّة وضعها في إقليمها المنهار من جانب وتصفيّة القضيّة الفلسطينيّة من جانب آخر على حساب الهوية الوطنية الأردنيّة, فجميعنإ يعلم بأن الكثير من السيدات الأردنيات من تزوج منهنّ من الأشقاء الفلسطينيّن مُذّ عشرات السنين، وإني ومن هذا المنبر أقولها بأني أخشى في قادم الأيام بأن يكون هذا العنوان العريض في مرجع القوانين الأردنيّة وأساسها "الدستور", مدخلًا لما لا يحمد عقباه.

هذا من جانب ومن جانب آخر وبعد الرجوع لثلّه من الدساتير التي تنطوي تحت أسرة الدساتير الملكيّة كما هو الحال في الدستور البلجيكي, النرويجيّ, الهولندي, ... وغيرها, فنجدها أوردت في هذا المقام ما هو مخالف لما ورد في النص المعدل, فعلى سبيل المثال جاء في الباب الثاني من الدستور البلجيكي العنوان التالي: "(البلجيكيون وحقوقهم)", كما وجاء في عنوان الفصل الأول من الدستور الهولندي: "(الحقوق الأساسيّة)", حتى أنه في مطلع الديباجة من الدستور الأمريكي جاء النص بالقول بـــــِ "(نحن شعب الولايات المتحدة الأمريكيّة)", فهل سعت اللجنة الكريمة وأعضاؤها الكرام إلى تمكين المرأة سياسيًا أكثر من الحكومة البلجيكيّة التي ترأس مجلس وزراؤها اليوم سيدة تدعى: (صوفي ويليمس), أم أنها تريد أن تنتقل إلى تمكين السيدات سياسيًا أكثر من الولايات المتحدة الأمريكيّة التي تمثل فيها "(السيدة كاميلا هاريس)" الشخص الثاني في الدولة بمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكيّة 'ولا أستبعد أن تصبح الرئيس خلال الشهور القادمة-....؟

أخيرًا بقيّ أن أقول في هذا المقام, بأن الأردني ذكرًا كان أو أنثى هم بكينونتهم شعبٌ واحد يحملُ همًا وطنيًا وقوميًا واحدًا وإن المواطنة لا تحمل في مضامينها أي صورة من صور التمييز القائم على أساس الجندر أو الجنس, وإن تمكين المرأة سياسيًا لا يكون من خلال العناوين العريضة والشعارات الرنانة بل بالتطبيق الفعليّ على أرض الواقع.

لأجل ذلك فإني أوصي بتعديل عنوان الفصل الثاني المقترح إلى: "(حقوق الشعب الأردني و واجباتهم)", بدلًا من حقوق الأردنيين والأردنيات و واجباتهم.

-ثانيًا: المادة (52) ؛ (64) ؛ (76) ... والمتعلقة بالفصل بين النيابة والوزارة.
أوصت اللجنة الكريمة بتعديل ثلاثة مواد دستورية لغايات المنع من الجمع بين عضويتيّ مجلس الأمة والوزارة وأن يصبح النائب وزيرًا ... والذي لا يمكن لي وضعه أنا كإيـــــلــــيــا الربضي إلا في قالب من قالبين؛
أولهما: هو مخالفة اللجنة الكريمة للإرادة الملكيّة وتوجيهات  الملك عبدالله الثاني الواردة في الرسالة الملكيّة والهدف الرئيس من تشكيل اللجنة وهو الوصول إلى الحكومات البرلمانيّة .... فإن كان كذلك فهذه مصيبه!!

وثانيهما: أمّا إن كان رئيس اللجنة المحترم وفريقه الفذّ –الذي نُجِلّ-, لا يدركون بأن أساس الملكيات الدستوريّة والنظم البرلمانيّة والحكومات البرلمانيّة التي يريد  الملك الوصول إليها ونحن على أعتاب المئوية الثانية لا تقوم إلا على أساس أن يكون رئيس الوزراء المكلف وفريقه الوزاري من داخل مجلس النواب أو مزيجًا من الحزب الفائز من الأعضاء ممن هم تحت القبة و خارجها فالمصيبةُ أعظم وأعظم والله .......

وبالتالي فإن وصول النائب للوزارة هي بمثابة عرف دستوري أصيل في مدرسة النظام البرلماني الذي ينتمي لطائفته النظام الأردني, فكيف تأتي اللجنة الكريمة وتضرب بهذه القواعد الأصيلة والراسخة عرض الحائط وتقول بأن النائب الحائز على الشرعية الشعبية لا يجوز له أن يكون وزيرًا والعكس بالعكس الوزير حينما يتم تعيينه يجب ألا يكون نائبًا ..

 حقيقةً لا يمكن لي وضع هذا النص المُعدِّل إلا في إطار ما يسمى "بالهرطقة السياسيّة و العبث السياسيّ", فأنا لا أفهم مدى الإصرار على ألا يصل إلى الحكومات إلا أشخاص فاقدين لثقة الشعب "(مصدر السلطات)", وبالتالي من سيأتي وزيرًا سيكون ولاؤه بكل بساطة لمن إختارة (رئيس الوزراء), وليس ولاءً محكومًا بمساءلة الشعب وهو أيضًا ما يخالف الفقرة الأولى من رسالة  الملك عبدالله الثاني التي عهد فيها برئاسة اللجنة الملكيّة سمير الرفاعي حينما قال الملك وهنا أقتبس قوله: "(بأن يكون الأردن ومصلحته الغاية والبوصلة الوحيدة)".

حيث إنّ جُلَّ الدساتير ذات نظام الحكم البرلماني والدول الملكيّة يجوز فيها الجمع بين النيابة والوزارة, بل إنَّ الجمع بين النيابة والوزارة هو أصل ومتطلب سابق, بمعنى لا يمكن للوزير الوصول للوزارة إلا إذا كان محكومًا ومسنودًا بقاعدة شعبيّة من الشعب والجماهير من خلال الصناديق التي أوصلته إلى مجلس البرلمان. 

بالتالي فإن هذه الهرطقة السياسيّة التي خُرِجَ بها غير موجودة قطعًا في أي دستور من ضمن عائلة الدساتير ذات الأنظمة البرلمانيّة– الملكيّة التي عمود المقام الأساسي فيها  بأن يكون من يمارس الحكم هو المنتخب ومُمَثِل لسلطة الشعب.
خلاصة القول فيما يتعلق بهذه النقطة:

1)الفصل بين النيابة والوزارة هو تناقض تعيس مع هذا النمط من الدساتير.
2)مخالفة صريحة لتوجيهات سيد البلاد في رسالته التي عهد بها ل سمير الرفاعي لتشكيل اللجنة.
3)مخالفة صريحة وجسيمة للورقة النقاشيّة الثالثة التي أوردت اللجنة الكريمة في ديباجتها بأنها –أي الورقة النقاشيّة الثالثة- واحدة من مراجعها الرئيسة والتي جاءت بالقول وهنا أقتبس من ذات الورقة النقاشيّة: "(سنصل تدريجيًا إلى الجمع بين النيابة والوزارة وإلى تشكيل حكومات برلمانيّة من النواب الحزبيّين والكتل الحزبيّة البرامجيّة)", فكيف تدّعي اللجنة الموقّرة بأن الورقة النقاشيّة الثالثة أساس إنطلاق وتأتي ذات اللجنة وتهدم كلامها بمعول مقترحاتها ...؟


-ثالثًا: المادة (86/1) إسقاط الحصانة النيابيّة ليصبح النائب محصنًا فقط من التوقيف وغير محصن من المحاكمة.
جميع الدساتير المنتميّة لنفس الطائفة التي ينتمي لها دستورنا الموقّر يُحصن النواب من المحاكمة والتوقيف بحيث تقدم لهم الحصانة الإجرائية والموضوعيّة –مع التحفظ هنا على خصوصيّة الدستور النرويجي كحالة خاصة-, وما هو معلوم بأن النائب أثناء عمله يراقب عمل الحكومة فمن الممكن أن يصطدم هذا النائب مع الحكومة من خلال ممارسته لدوره الرقابي, فالحكومة لها صلاحيات واسعه قد تحكم بها من تشاء, لذلك فإن الشعوب حتى تحمي نوابها يجب أن تكون مسألة حصانتهم مسألة ذات أولويّة لتوفير المظلة القانونيّة لممارسة مهامهم الرقابيّة على الحكومة! فما هو الهدف من هذا التعديل وما هو المرام من هذه التوصيّة ...؟ -أترك الإجابة لك عزيزي القارئ-. 

-رابعًا: المادة (72), (النائب الذي يقدم إستقالته, تقبل حكمًا ومباشرةً دون الحاجة للتصويت عليها).
وهذا الكلام لا يوجد له أي أساس أو مثيل بتاتًا في كافة الدساتير المنتميّة لذات الطائفة التي ينتمي إليها دستورنا, فعند الحديث عن شخص طبيعي يصل إلى مجلس النواب فإن قراره لا يعود ملكًا له, لأن النائب لا يعود ملكًا لنفسه بل هو بات وأمسى مُلكًا للأمة التي أوصلته ليمثلها بموجب حكم الدستور  فكيف سيسمح بقبول إستقالة النائب بمجرد تقديمها ؟!.

وبالتأسيس على (ثانيًا, ثالثًا, رابعًا) يتضح لنا بأننا أمام بنيان قانوني ببعد سياسيّ يعاضدُّ بعضه البعض, للوصول إلى المعنى الحقيقي للرقابة التي على كل نائب أن يمارسها, فالنائب يجب أن يكون محصنًا خلال فترة إنعقاد الدورة لكي لا تتغول عليه التنفيذيّة , والنائب يحق له أن يكون وزيرًا لأنه هو صاحب الشرعيّة المناطة بالشعب مصدر السلطات, والنائب لا يجب أن تقبل إستقالته مباشرةً لأنه لا يملك نفسه بل هو ملك للشعب بمجرد وصوله للقبة .. بالتالي فإن هذه الإستقالة تتطلب حكمًا موافقة الشعب جميعه من خلال كافة ممثليه تحت القبة.

-خامسًا: المادة (53), رفع العدد المطلوب لغايات طرح الثقة بالحكومة من (10) نواب إلى (25%) من أعضاء المجلس!
لن أعلق على هذا المقترح, إلا أني أتمنى من القارئ الربط بين هذا النص المُعدّل الذي يمنح فسحة من الراحة والطمأنينه للتنفيذيّة في مقابل ما سُلب من التشريعيّة حسبما بيّنا أعلاه في (ثانيًا, ثالثًا, رابعًا). 

-سادسًا: المادة (74/2) الحكومة التي تُنسِّب بحل البرلمان قبل أربعة أشهر من عمره تستمر في وجودها.
أساس هذا النص هو نص أصيل في دستور 1952 وتم التعديل فيه قبل عام 2011 وفي تعديلات عام 2011 أُعيد هذا النص, فهذا الموضوع هو العمود المقام وأساس التوازن بين السلطتين بالتالي الإخلال بهذا التوازن سيشكل إنهدام لا بل إنهيار وإنفجار لمبدأ أصيل هو "التوازن بين السلطات", وبقيّ أن نقول في هذا المقام بأن البرلمان هو من يجب أن يسائل الحكومة وليس العكس, وإيجاد مثل هذا النص هو بمثابة منح الرخصة للحكومة لطرد المجلس حال كان يهدد مصالحها الخاصة أو يحول دون تمرير مشروع قانون ما ... 

نتطلع بشغف عمّا سيتمخض عن مجلس النواب بمناقشاته التي ستبدأ بعد ساعات، لإقرار هذه التعديلات -والتي لن ينسى فيها التاريخ أي كلمةّ أو موقف لأي شخص-. 


****  مستشار العلاقات الدولية والباحث القانوني

تابعو الأردن 24 على google news