شيزوفرينيا رسميّة
ما لبث رئيس الوزراء د. عبد الله النسور أن تباهى بقرار تعديل قانون محكمة أمن الدولة، حتّى قامت الأجهزة الأمنيّة في إربد باعتقال الطالب في جامعة اليرموك محمود العابدي، وتحويله إلى هذه المحكمة العسكريّة، التي باتت مخصّصة لاتّهام كلّ من يعبّر عن رأيه بـ "تقويض النظام" !!
بصراحة، لقد بات السلوك الرسمي يشير إلى تفشّي حالة شيزوفرينيا خطيرة في مطابخ صنع القرار، فالأجهزة الأمنيّة لم تنتظر مرور يوم واحد على تباهي رئيس الوزراء، قبل أن تقدّم لأمن الدولة المزيد من المعتقلين السياسيّين.
النسور تأبّط فخره ليعلن على الملأ أن مجلس الوزراء "اتّخذ قرارا -وبناء على توجيه الملك- بإجراء تعديل على قانون محكمة أمن الدولة، وحصر صلاحيّاتها ضمن أحكام الدستور على جرائم الخيانة والتجسّس والإرهاب، وجرائم المخدّرات وتزييف العملة".
وزاد رئيس الوزراء متباهيا في تصريحه الصحفي: 'رأيت أن أعلن هذا القرار بنفسي لما أرى فيه من أهمية، ولأنّه يمثّل خطوة إصلاحيّة كبيرة وجريئة'.
طيّب يا صاحب الخطوة الجريئة، إذا كنت قد اتّخذت قرارك بناء على توجيهات الملك، فبتوجيهات من يصرّ المركز الأمني على اعتقال النشطاء ومحاكمتهم أمام القضاء العسكري بتهم جاهزة ومعلّبة ؟!
وسائل الإعلام لم تكد تنشر ما أوردته من تصريحات "جريئة" حتّى جاء نبأ اعتقال طالب جامعي، وبالأمس القريب قرّرت "أمن الدولة" احتجاز حريّة المعلّم مؤيد الغوادرة لأنّه شارك في اعتصام سلمي، فأيّة توجيهات تتحدّث عنها يا رئيس الوزراء ؟!
ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، فلقد عجزت يا رئيس الحكومة أنت ووزير داخليّتك حسين هزاع المجالي بالالتزام بوعودكما التي تعهدتم فيها بالعمل على تكفيل نشطاء الحراك الشبابي الإسلامي، الذين مازالوا يحاكمون أمام "أمن الدولة".. فالمركز الأمني يصرّ على رفض تكفيلهم رغم مرور أكثر من عشرين يوما على إضرابهم المفتوح عن الطعام، ورغم أن أوضاعهم الصحيّة بلغت درجة حرجة للغاية، حيث يعاني المعتقلون هشام الحيصة وثابت عساف وطارق خضر بداية قصور كلوي، فيما يعاني المعتقل باسم الروابدة من نزيف بالبنكرياس.
باختصار، الأفضل لك يا رئيس الوزراء أن تكفّ عن إطلاق التصريحات التي لم تعد صالحة للاستهلاك الإعلامي، فأنت تعيش على ما يبدو في عالم مواز، لا يمكن له الالتقاء بما يدور على أرض الواقع.. فلا داعي لأن تطلّ علينا من شرفتك على الدوّار الرّابع بين وقت وآخر لتحدّثنا عن عالمك الخيالي، فالكلّ مشغول بمقارعة الواقع المرّ، الذي فرضته سياسات تلك السلطة التي تتحدّث باسمها، دون أن تملك قرارها.
