وعاظ السلاطين
فريق ركن متقاعد موسى العدوان
جو 24 :
في كتابه الذي يحمل العنوان أعلا ه، يقول الدكتور علي الوردي ما يلي وأقتس :
" إذا جاء أحد الناس يريد أن يعظ السلطان، وعظا صادقا لا نفاق فيه ولا تزلف، وقع بين أمر ين. إما أن يُغضي السلطان عن موعظته ويجامله، أو يحقد عليه ويؤذيه. وقليل من السلاطين من يتأثر بموعظة، تخالف مزاجه أو هواه.
وكثيرا ما يكون الحاكم ظالما وهو لا يدري أنه ظالم، إنه يجد لنفسه عذرا في جميع ما يفعل. فإذا جاءه واعظ يقول له : إن الظلم يُغضب الله، أومأ السلطان برأسه إيماءة القبول، وقال له : أحسنت . . بارك الله فيك.
إن السلطان لا يدري بأنه هو المقصود بهذه الموعظة. فهو يعتقد أنه عادل ولا شك في عدله. وربما أعطى الواعظ هبة كبيرة مكافأة له، على تلك الموعظة المُسيلة للدموع.
إن قولك للظالم أن يكون عادلا، كقولك للمجنون أن يكون عاقلا. فالمجنون يعتقد أنه هو العاقل الوحيد بين جميع الناس. فإذا قلت له : يجب على الإنسان أن يكون عاقلا، قال لك : أحسنت . . إن العقل زينة الرجل. وهو يعني بذلك نفسه طبعا ". انتهى الاقتباس.
* * *
التعليق :
هذا الكلام يعبر حقيقة عن ممارسات زعماء العالم العربي ماضيا وحاضرا، من حيث عدلهم الذي يناقض عدل الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. ولتأكيد ذلك دعونا ننظر إلى زعيمين عربيين فقط في هذه العجالة، أحدهما زعيم عسكري والآخر زعيم مدني أكاديمي، وهما عبد الفتاح البرهان في جمهورية السودان الشقيقة، وقيسي سعيد في جهورية تونس الشقيقة.
فكلاهما يمارسان الظلم على شعبيهما، باعتباره عدلا على طريقتهما الخاصة، والذي يقابله شعباهما بالتظاهر والاحتجاج، في الشوارع والساحات العامة لبلديهما.
فزعيما هاتين الدولتين ومن سار على دربهما من زعماء الدول العربية، يعتقدون أن ممارساتهم للحكم، تمثل العدالة بأقصى معانيها، حتى لو سقطت الضحايا وسالت الدماء، وتضررت مصالح المواطنين. فهم يؤمنون بأن المواطنين المحتجين، هم من يسعون لتقويض النظام العام وتخريب البلاد.
والخلاصة، أن زعماء العالم العربي محتكرو الحكم، لهم شؤون مختلفة عما لدى زعماء الحكم في الدول الديمقراطية، لأنهم يطبقون العدل والديمقراطية، ويسعون لإسعاد شعوبهم بطريقتهم الخاصة، يعجز الآخرون عن اتباعها . . !