النمو الاقتصادي الذي يؤدي الى خلق فرص عمل
مازن الحمود
جو 24 :
تابعت كما تابع الأردنيين بكل اهتمام الرسالة الملكية التي نفضل جلالة الملك بتوجيهها الى الشعب الأردني بمناسبة عيد ميلاده الستين، والتي تضمنت العديد من الرسائل والالتزامات التي تتمحور حول تحسين أداء القطاع العام واجراء نقلة اقتصادية نوعية. كما تابعت بقدر المستطاع تحليلات وتعليقات المسؤولين والخبراء عبر وسائل الاعلام حول مضامين هذه الرسالة.
ان ما وجدته غائبا في هذه التحليلات هو امر محوري ويشكل تغييرا في الفكر والنهج في تناول المسألة الاقتصادية، الا وهو أن جلالة الملك في رسالته لم يتحدث عن النمو الاقتصادي وحده كهدف كما كان الوضع دائما في لغة الخطابة الاقتصادية الأردنية حيث كان المسؤولين يعتقدون ان النمو وحده كفيل في خلق فرص العمل وتقليل نسب البطالة، ولكن ما طالبت به الرسالة الملكية هو ان النمو المقرون بخلق فرص العمل أي "تحقيق النمو الشامل المستدام، الذي يكفل مضاعفة فرص العمل"، وهذا هو الفرق الكبير والاستراتيجي بينهما.
هنالك قاعدة اقتصادية تدعى "قاعدة اوكون" وهي على اسم صاحبها الذي طور هذه القاعدة واثبت فيها عكسية العلاقة بين زيادة نسب النمو ونسب البطالة. وبمعنى اخر، ان زيادة نسب النمو دليل على إنتاجية الاقتصاد، بما في ذلك زيادة الاستثمار التي تخلق فرص عمل، وبالتالي تقليل نسب البطالة. فخلال السنوات الأخيرة وضع الاقتصاديون هذه القاعدة كركيزة في خططهم الاقتصادية بدل ان يقوموا بالوقوف على أسباب عدم وجود نتائج إيجابية لهذه القاعدة عند تطبيقها خلال الاعوام 2000-2008 عندما كانت نسب النمو والبطالة معا غير مسبوقة بارتفاعهما.
كان هذا الخلل واضح بشكل عملي. حيث اذكر خلال عملي في المملكة المتحدة حين بادرت السفارة بالتحضير لزيارة وفد اقتصادي للاطلاع على فرص الاستثمار في المملكة. وقد تبين خلال المداولات التي جرت للتحضير لهذه الزيارة واستهداف القطاعات لدعوتها للمشاركة بأن الجانب الأردني كان مهتما بشكل رئيسي بالقطاع الإبداعي بينما مال الجانب البريطاني الى التركيز على القطاعات التي تعتمد على الكثافة العمالية لسد جانب من جوانب نسب البطالة الاردنية. هنا اود التأكيد بانه لا يوجد شك بان ان نتائج القطاعات الإبداعية على الوطن كبيرة على جميع الأصعدة وبالأخص معدلات النمو، ولكن تأثيرها على نوعية البطالة الحالية في الاردن محدودة للأسباب المعروفة. والتركيز على نسب النمو بالمعزل عن نسب البطالة كان واضحا في لغة خطابة وبرامج المسؤولين الاقتصاديين الأردنيين خلال الأعوام السابقة، وهو ما تؤكده النتائج الاقتصادية الظاهرة امامنا اليوم.
وعند البحث في مراجع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فإننا نجد فعلا ان هناك دراسات تبحث في مدى دقة هذه القاعدة وتحقق في مدى تطبيقها في دول عديدة. لا بل، هنالك دراسة اكاديمية وعلمية للحالة الأردنية تعاون في اجرائها كلا من جامعتي مؤتة الاردنية وأبردين البريطانية وجاءت في خلاصتها في تحذير "على صانعي السياسة في الأردن تنفيذ سياسات اقتصادية تشجع النمو الاقتصادي والتوظيف في ان واحد، لان تركيز الجهود على النمو الاقتصادي ليس بالضرورة ان يقلل نسب البطالة في الأردن بنفس السرعة".
ان الامتثال لتوجيهات جلالة الملك بوضع خطط اقتصادية تضمن النمو وخلق فرص عمل في نفس الوقت هي بمثابة نقلة نوعية في الفكر الاقتصادي الأردني والسبيل لتحقيق التنمية المستدامة لمملكتنا الزاهرة. أن وضع محاربة البطالة وخلق فرص عمل كأولوية هو ايضا مقياس دقيق ومتعارف عليه تمكن الحكومات من قياس إنجازاتها، او محاسبتها، كما هو معمول به في الدول المتقدمة التي تنظر الى نسب البطالة كمقياس لبقاء الحكومات او عدمه.