إرادة ملكيّة تصيبنا بلعنة التفاؤل
في خطوة إيجابية ومطلوبة، صدرت الإرادة الملكية بمناقشة حادثة إطلاق النار داخل مجلس النواب على جدول أعمال الدورة الاستثنائية.
التوجيهات الملكية لمعالجة هذه المسألة على الفور جاءت في وقتها، ولكن المطلوب هو توفر الإرادة لمعالجة المسائل الأخرى الأكثر أهميّة وجوهريّة، كتحقيق الإصلاح الشامل واجتثاث الفساد.
ولا ننسى أن إرادات أخرى كانت السبب في إقرار قانون الانتخاب الحالي، الذي أفرز نوابا لا يتقنون سوى التراشق بالأحذية وإطلاق العيارات النارية، دون تحقيق المشاركة السياسية المطلوبة والدفع قدما بالتجربة الديمقراطية في الأردن.
كان من الطبيعي أن يفرز قانون الصوت المجزوء مثل هؤلاء النواب الذين يحترفون الفوضى ويفتقرون إلى البرامج والقدرة على الرقابة والتشريع، أضف إلى ذلك التجاوزات العديدة التي كان يشهدها البرلمان، من فوضى منظّمة تستهدف فرض رأي محدّد وخنق الرأي المعارض، إلى قيام نواب بالتصويت عوضا عن زملائهم، والعديد من التجاوزات الأخرى التي تورّط فيها رئيس مجلس النواب سعد هايل السرور.
في ظلّ هذا الواقع المتردّي للمؤسّسة التشريعيّة، صدرت الإرادة الملكيّة بمعالجة ما حدث مؤخرا تحت القبّة، ما يدفعنا إلى التفاؤل بصدور إرادة تعالج جوهر الأزمة وتدفع باتجاه تعديل قانون الانتخاب، فلولا هذا القانون لما وصلت المؤسّسة التشريعيّة إلى ما وصلت إليه.
ولأنّنا مصابون بلعنة التفاؤل، سنتخيّل أن هذه الخطوة الإيجابيّة اليتيمة -التي تجسّدت بإرادة مطلوبة- ستقود إلى صدور المزيد من الإرادات لتجاوز الأزمة السياسية الاقتصادية المركّبة، والخروج من حالة الاحتقان إلى آفاق دولة مدنيّة ديمقراطيّة، يكون فيها مجلس النواب معبّرا حقيقيّا عن آمال وتطلّعات الشعب.
كما سنتخيّل أن إرادة ملكيّة ستصدر لحسم قضيّة "أمن الدولة" ووقف محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكريّة، بل وإلغاء هذه المحاكم المطعون في دستوريّتها وشرعيّتها، وطبعا سنتخيّل أن يسبق هذا صدور إرادة بالإفراج عن كافّة المعتقلين السياسيّين.
لعنة التفاؤل ستقودنا أيضاً إلى تخيّل المزيد من الخطوات الإيجابيّة، كصدور إرادة برفع القيود العرفيّة عن وسائل الإعلام، وإطلاق الحريّات الصحفيّة، والتوقّف عن محاولات فرض صحافة الرأي الواحد عبر حجب المواقع الالكترونيّة المستقلّة، وطبعا إلغاء قانون المطبوعات العرفي المكمّم للأفواه.
ونأمل أيضا أن تصدر إرادة ملكيّة للتحقيق في التجاوزات التي اقترفتها الأجهزة الأمنيّة ومحاسبة المتورطين بها، حيث توفى مواطنون جرّاء التعذيب، كما أن أطفالا تعرضوا للتعذيب على يد جهاز الدرك دون أن يُحاسب أيّ من المتورطين في تلك الحوادث.
نعم، تلك الخطوة الإيجابيّة اليتيمة دفعتنا لزرع بذور التفاؤل وبناء الآمال الكبيرة، فمازالت الفرصة متاحة أمام الدولة للخروج من واقعنا المؤسف إلى غد أجمل، غد لا يكون فيه إطلاق النار هو لغة الحوار بين الناس، ويسود فيه القانون على الجميع ودون استثناء، بحيث لا يجرؤ أحد على مدّ يده للمال العام.. غد يكون فيه الشعب هو حقّا مصدر السلطات وليس مجرّد منجم للضرائب التي تجنيها السلطة لسدّ العجز الناجم عن سياساتها الاقتصادية المتخبّطة، وعن تفشّي الفساد.. فهل سنشهد خطوات تبرّر إصابتنا بلعنة التفاؤل ؟!