الحل الوحيد: القطاع الخاص
محمد أبو رمان
جو 24 : أحد جوانب الخلل الرئيسة في المعادلة الاقتصادية- السياسية الراهنة يتمثّل في غياب دور القطاع الخاص عن المحافظات، واستمرار الاعتماد على الضخ غير المدروس في القطاع العام، لأسباب سياسية، وليست اقتصادية أو إدارية، ما يؤدي إلى إشعال حرائق الموازنة، والاستنزاف الجائر في الاقتصاد الوطني، إذ تكاد تقترب النفقات الجارية والتشغيلية اليوم من إجمالي الإيرادات المحلية في الموازنة!
حل مشكلة المحافظات التنموية والخدماتية والسياسية والاقتصادية يبدأ بإيجاد شروط الحياة والتربة الخصبة للاستثمارات وللقطاع الخاص لينمو في هذه المحافظات ويتولى المهمة الاستراتيجية في توفير فرص عمل وحل مشكلتي البطالة والفقر اللتين أرهقتا شريحة اجتماعية واسعة.
ذلك يقتضي، بالإضافة إلى التشريعات والدراسات التي تمنحنا مؤشرات حول استراتيجيات هذا "التوليد"، أن يتم تدعيم صندوق تنمية المحافظات، وتوجيه جزء كبير من خططه للتعليم (الأكاديمي والمهني) ولتدريب الشباب على المهارات المطلوبة التي تتناسب مع سوق العمل، مع تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بعد أن أثبتت المناطق الصناعية والخاصة في صيغتها الحالية فشلها، بل وجلبت سخطا شعبيا بدلا من أن تكون مفتاحا للحل!
أحسب أنّ تحدي تواجد القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الحقيقية في المحافظات المختلفة بمثابة أولوية أساسية للدولة اليوم للخروج من الأزمة المركبة (السياسية، الاقتصادية والثقافية- المجتمعية)، فالقطاع العام الذي أدّى دورا حيويا وأساسيا في بناء مؤسسات الدولة خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات، لم يعد قادرا على استقبال أعداد كبيرة من الموظفين، بل يعاني هو اليوم من الترهل، ويحتاج إلى عمليات جراحية وخطط مكثفة استراتيجية لترشيقه وتطويره وإصلاحه.
نحن اليوم على مفترق طرق؛ بعد أن انتهت المعادلة السياسية- الاقتصادية التي حكمت الدولة خلال العقود الأربعة الماضية، وتميزت بالطبيعة الرعوية والعلاقة الزبائنية، ولعب فيها القطاع العام دورا تاريخيا في بناء المؤسسات، لكننا اليوم أمام معطيات وشروط جديدة لاستكمال المسيرة. أما ما نشاهده من استدامة العلاقة الرعوية فهي بمثابة قتل لإمكانية إصلاح القطاع العام، وتحسين ظروفه الاقتصادية وأدائه الإداري والفني، وفي المقابل إرهاق للدولة واقتصادها، وتجذير الخلل الكبير الحاصل في الفجوة التنموية والاقتصادية ما بين عمان والمحافظات.
المطالبة بالعودة إلى "دولة القطاع العام" أو فرض هذا النمط بوصفه خيارا لأبناء المحافظات والعشائر فيه تجذيف بعكس حركة التاريخ، وتضليل للمسارات الاستراتيجية الحقيقية التي تمنحهم بالفعل فرصا للمستقبل وأملا في غد مختلف لأبنائهم، يكونون قادرين فيه على المنافسة والإبداع والابتكار، بعد أن توافرت العدالة من خلال نهضة تعليمية وتدريبية لتأهيل الأجيال الجديدة لسوق العمل والإنتاج، بدلا من الاعتماد على مبدأ "الأقل حظّا" والاستثناءات، إذ إنّ ذلك يرحّل الأزمات والمشاكل ويفاقم أبعادها وتداعياتها.
هذا لا يعني أنّ الخيار البديل هو "النيو ليبرالية"، كما يجادل بعض السياسيين والمثقفين في اختزال المعادلة، فهنالك صور مختلفة ومتعددة من الليبرالية، من بينها الليبرالية الاجتماعية، وهي الأقرب لتكوين المجتمع واللحظة التاريخية الراهنة، وهي التي تسمح بالتوازن بين عوامل التطوير والنهوض والنمو والتنمية من جهة والأبعاد الاجتماعية والإنسانية من جهة أخرى، أي أنّها الطريق الثالث الذي يجب أن نرسم معالمه بوضوح ليكون مسارنا التوافقي القادم.
سياسيا، لا يمكن الحديث عن دولة القطاع العام الديمقراطية، هذا خيار غير موجود واقعيا، فالعلاقة الريعية لا تنتج إلا نظما مستبدة، والمواطن القادر على الدفاع عن حقوقه، هو المستقل ماليا، الذي يعرّف مصالحه خارج سياق التبعية للدولة في الوظيفة العامة التي تقيد، بالضرورة، حريات الأفراد في انتقاد الحكومة والنضال من أجل تكريس نظم ديمقراطية تعددية.
m.aburumman@alghad.jo
الغد
حل مشكلة المحافظات التنموية والخدماتية والسياسية والاقتصادية يبدأ بإيجاد شروط الحياة والتربة الخصبة للاستثمارات وللقطاع الخاص لينمو في هذه المحافظات ويتولى المهمة الاستراتيجية في توفير فرص عمل وحل مشكلتي البطالة والفقر اللتين أرهقتا شريحة اجتماعية واسعة.
ذلك يقتضي، بالإضافة إلى التشريعات والدراسات التي تمنحنا مؤشرات حول استراتيجيات هذا "التوليد"، أن يتم تدعيم صندوق تنمية المحافظات، وتوجيه جزء كبير من خططه للتعليم (الأكاديمي والمهني) ولتدريب الشباب على المهارات المطلوبة التي تتناسب مع سوق العمل، مع تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بعد أن أثبتت المناطق الصناعية والخاصة في صيغتها الحالية فشلها، بل وجلبت سخطا شعبيا بدلا من أن تكون مفتاحا للحل!
أحسب أنّ تحدي تواجد القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الحقيقية في المحافظات المختلفة بمثابة أولوية أساسية للدولة اليوم للخروج من الأزمة المركبة (السياسية، الاقتصادية والثقافية- المجتمعية)، فالقطاع العام الذي أدّى دورا حيويا وأساسيا في بناء مؤسسات الدولة خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات، لم يعد قادرا على استقبال أعداد كبيرة من الموظفين، بل يعاني هو اليوم من الترهل، ويحتاج إلى عمليات جراحية وخطط مكثفة استراتيجية لترشيقه وتطويره وإصلاحه.
نحن اليوم على مفترق طرق؛ بعد أن انتهت المعادلة السياسية- الاقتصادية التي حكمت الدولة خلال العقود الأربعة الماضية، وتميزت بالطبيعة الرعوية والعلاقة الزبائنية، ولعب فيها القطاع العام دورا تاريخيا في بناء المؤسسات، لكننا اليوم أمام معطيات وشروط جديدة لاستكمال المسيرة. أما ما نشاهده من استدامة العلاقة الرعوية فهي بمثابة قتل لإمكانية إصلاح القطاع العام، وتحسين ظروفه الاقتصادية وأدائه الإداري والفني، وفي المقابل إرهاق للدولة واقتصادها، وتجذير الخلل الكبير الحاصل في الفجوة التنموية والاقتصادية ما بين عمان والمحافظات.
المطالبة بالعودة إلى "دولة القطاع العام" أو فرض هذا النمط بوصفه خيارا لأبناء المحافظات والعشائر فيه تجذيف بعكس حركة التاريخ، وتضليل للمسارات الاستراتيجية الحقيقية التي تمنحهم بالفعل فرصا للمستقبل وأملا في غد مختلف لأبنائهم، يكونون قادرين فيه على المنافسة والإبداع والابتكار، بعد أن توافرت العدالة من خلال نهضة تعليمية وتدريبية لتأهيل الأجيال الجديدة لسوق العمل والإنتاج، بدلا من الاعتماد على مبدأ "الأقل حظّا" والاستثناءات، إذ إنّ ذلك يرحّل الأزمات والمشاكل ويفاقم أبعادها وتداعياتها.
هذا لا يعني أنّ الخيار البديل هو "النيو ليبرالية"، كما يجادل بعض السياسيين والمثقفين في اختزال المعادلة، فهنالك صور مختلفة ومتعددة من الليبرالية، من بينها الليبرالية الاجتماعية، وهي الأقرب لتكوين المجتمع واللحظة التاريخية الراهنة، وهي التي تسمح بالتوازن بين عوامل التطوير والنهوض والنمو والتنمية من جهة والأبعاد الاجتماعية والإنسانية من جهة أخرى، أي أنّها الطريق الثالث الذي يجب أن نرسم معالمه بوضوح ليكون مسارنا التوافقي القادم.
سياسيا، لا يمكن الحديث عن دولة القطاع العام الديمقراطية، هذا خيار غير موجود واقعيا، فالعلاقة الريعية لا تنتج إلا نظما مستبدة، والمواطن القادر على الدفاع عن حقوقه، هو المستقل ماليا، الذي يعرّف مصالحه خارج سياق التبعية للدولة في الوظيفة العامة التي تقيد، بالضرورة، حريات الأفراد في انتقاد الحكومة والنضال من أجل تكريس نظم ديمقراطية تعددية.
m.aburumman@alghad.jo
الغد