jo24_banner
jo24_banner

هل ربح أوباما حربا لم يشنها؟!

هل ربح أوباما حربا لم يشنها؟!
جو 24 :

د. حسن البراري- جامعة ييل- الولايات المتحدة - هناك صنفان من المهتمين رأوا في الصفقة الاميركية الروسية المتعلقة بتسليم النظام السوري مخزونه من السلاح الكيماوي انتصارا لنظام الاسد وروسيا هما: انصار الاسد الذين اعتبروا مجرد نجاة النظام السوري من ضربة اميركية كان يمكن لها ان تطيح بالاسد هي انتصار تكتيكي لحلف النظام السوري والمتحمسين للخلاص من الاسد، اذ اعتبروا ان اميركا خذلتهم بتراجعها عن الضربة. وبتقديري ان التهديد بضربة عسكرية وما نتج عنها من امتثال النظام السوري لتسليم اسلحته تجعل من مسألة تحديد المنتصر في المواجهة الاولى امرا عبثيا لأن القضية اعمق بكثير من تسليم نظام لاسلحته او توجيه ضربة عسكرية لا ترتبط بهدف استراتيجي، فالقضية ترتبط اكثر بسياق اقليمي يتصارع فيه الفرقاء لتحديد هويته وقواعد اللعبة فيه للفترة القادمة..


علينا اولا تحديد البيئة الاستراتيجية في المنطقة وشكل انتشار القوى حتى يمكن لنا ان نسبر غور مستقبل هذا الاقليم، فبعد انتصار الغرب على الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة لم تعد روسيا لاعبا يمكن له الدفاع عن اي حليف، فقد انهكت استراتيجية "الاحتواء" containment التي وضعها جورج كينان في عام ١٩٤٦ الاتحاد السوفياتي الذي لفظ انفاسه الاخيرة مع تشكل نظام عالمي جديد تراجعت فيه تأثير القوة الروسية اثر الانتقال من ثنائية القطبية الى احادية القطبية. وهذا الامر على وجه التحديد دفع الاستراتيجي الاميركي المعروف ريتشارد هاس الى القول ان ثمة "لحظة اميركية" The American Moment بدأت تتبلور في الشرق الاوسط، وهذا ايضا دفع المؤرخ الاميركي المشهور والمختص بالحرب البادرة جون لويس غاديس الى القول ان نهاية الحرب الباردة ازاحت التهديد الشيوعي لكنها ايضا تتطلب ان يحكم اميركا رئيس لا يخشاه العالم. وبالفعل ظهرت الكثير من الدراسات اهمها ما تناوله جوزيف ناي عن القوة الناعمة الي تتمتع بها والتي تدفع باميركا لواجهة القيادة وهو امر تناوله بالتفصل في كتابه المهم (Bound to Lead)، وعاش الشرق الاوسط لعقد ونصف تحت هيمنة اميركية دون منازع تمكنت فيها اميركا من ضبط دينامية السلم والحرب.

فقدان الردع واستعادته

لم يكن هناك معارضة ذات معزى لقيادة اميركا للعالم وبخاصة وان قوة أميركا استعملت بشكل بناء وتحديدا في فترة بيل كلينتون، لكن "اللحظة الاميركية" تبدت بتخلي اميركا عن استراتيجة الاحتواء واستبدالها باستراتيجة التدخل الاحادي والضربات الاستباقية حسبما ورد في استراتيجة الامن القومي لعام ٢٠٠٢. فمنذ ذلك الوقت وتحديدا بعد احتلال العراق اصبحت اميركا- حسب تعبير ارون ديفيد ميلر- قوة لا يحترمها او يخشاها احد في الشرق الاوسط وكان هذا متغير في غاية الاهمية ساهم في تراجع التأثير الاميركي في الاقليم وبدأت مكانة اميركا تتآكل شيئا فشيئا وبخاصة مع صعود قوى اقليمة فرضت انتشارا مختلفا للقوة وهو امر اضعف من امكانية امريكا حسم الامور كما تريد او من دون كلفة تذكر.

ومؤخرا سقطت استرتيجية الردع الاميركية في الملف السوري يوم الحادي والعشرين من آب عندما استخدم السلاح الكيماوي في الغوطة، وما تهديد واشنطن بشن ضربة عسكرية لتأديب النظام السوري الا الدليل العملي على فقدانها لقوة الردع بالاساس، لانه لو كان الردع فعالا لما حدثت الضربة الكيماوية من الاساس.

ومع ان اميركا تمتلك امكانات هائلة لتوظيف القوة العسكرية لاستعادة الردع الا ان ادارة اوباما لم تتصرف وفق منطق نظرية الردع الكلاسيكية Deterrence كما وضعها البرفسور الشهير توماس شيلينغ، فهناك عنصران اساسيان يجب توافرهما حتى تكون استراتيجة الردع فعاله: أولا، ان تفرض الدولة ثمنا باهضا على اي عدو يتجاوز الخطوط الحمراء المعلنة، وثانيا، ان تكون ردة الفعل سريعة ومؤثرة وبشكل لا يتوقعها العدو. وعودة الى الرئيس اوباما نقول انه خالف اساسيات نظرية الردع وقلبها راسا على عقب. فمن جانب قام الرئيس اوباما بتوضيح ان استعمال السلاح الكيماوي في الصراع داخل سوريا يعتبر خطا احمرا يستوجب ردا اميركيا حاسما. لكن بعد انهيار الردع وثبوت استخدام السلاح الكيماوي تردد اوباما واعلن عن ضربة واوصل للسوريين قائمة الاهداف! وفي ذلك مخالفة لنظرية الردع، وهنا قام الرئيس السوري باجراء حسبته وتوقع حجم الخسائر وتوصل الى نتجية ان الضربة ستكون محدودة وان كل ما عليه بعد وضع اميركا قائمة للاهداف هو اما اخفاء هذه الاهداف او نشرها بين المدنيين. وحسابات الاسد الاولية هي ان يتحمل ضربة ليومين ثم تنسحب اميركا من الميدان ليعودبعد ان تعوضه روسيا بسلاح جديدلاستكمال الحرب. وبالتالي لم يكن هناك الكثير ما يخشاه، لهذا شاهدنا نبرة تحدي بدلام من الخوف الذي اعترى اوصال نظام اعتقد للوهلة الاولى ان شهادة وفاته قد كتبت بواشنطن.

لاميركا اهداف متعددة وهي:

اولا، ردع النظام السوري من القيام بهجمات كيماوية في المستقبل
ثانيا، تدمير بعضا من سلاح الجو السوري وبعض الوحدات المقاتلة الارضية والتي تشكل انظمة اطلاق للسلاح الكيماوي
ثالثا، زيادة كمية ونوعية السلاح للثوار
رابعا، اقامة منطقة حظر للطيران السوري وهذا يتطلب استدامه للعمليات العسكرية
خامسا، اقامة مناطق عازلة وآمنه في سوريا وهذا يتطلب ايضا حمايتها على الارض سواء بقوات اميركية او من خلال قوات بالنيابة عن اميركا.

لكن وفي محاولته اوباما كسب تأييد الكونغرس تحدث عن عملية محدودة لتحقيق الهدفين الاول والثاني وكان اوباما قد وعد السناتور جون ماكين بان تبدأ ادارته فورا بتحقيق الهدف الثالث. باختصار ما كان الاسد سيخشى من الضربة المحدودة لولا تدخل الروس وربط الموضوع بمصالحهم العريضة في المنقطة والعالم ودفعوا بالتالي الاسد باتجاه تسليم السلا ح الكيماوي وهو هدف لم يكن الاميركان ان يحلموا في تحقيقه بمجرد التلويح بضربة عسكرية. فالابصار كانت متجهة الى واشنطن انتظارا لتدخل عسكريا طال انتظاره، لكن الرئيس اوباما يثبت انه لا يمتلك ميزة القيادة ويبدو انه بلا خيارات، فلا هو مع بقاء النظام السوري ولا هو مع بديل النظام، لذلك انحصرت مهمته ودون التفات الى عدد القتلى المتزايد والمرتفع انحصرت مهته في احد اهدف السياسة الخارجية الاميركية العامة وهو منع انتشار اسلحة الدمار الشامل

فشل اوباما في اتخاذ قرار الحرب كان محط انتقاد الكثيرين باميركا، فبعيدا عن الرا ي العام المناهض لتورط اميركا في مغامرة شرق اوسطية أخرى وبعيدا عن انه كان سيواجهة هزيمة في الكونغرس يرى بعض الاستراتيجين ان الطريقة التي ادرا بها اوباما المسألة برمتها ستنعكس على ملف ايران النووي. ويخشى البعض ان تستننج ايران ان واشنطن فاقدة للعزم والحسم والرغبة في القتال وبالتالي لن يكون هناك ثمنا لاستمرار ايران بالمشروع النووي غير الثمن الاقتصادي عل شكل عقوبات. ومع ان هذا المنطق قد يقود الى تقوية العناصر المتطرفة والمتشدده داخل الادارة الايرانية الا ان قراءة تل ابيب ستكون مختلفة تماما. فاسرائيل التي انزعجت من الطريقة التي تصرف بها اوباما ومن فقدان واشنطن لقدرة الردع قد تستنتج ان ايران ستستمر بمشروعها ما يعني ان على اسرائيل ان توجه ضربة عسكرية ضد ايران، واذا ما وجهت اسرائيل ضربة عسكرية مؤلمة لايران فإن الاخيرة سترد من خلال وكلائها او بشكل مباشر وهو الامر الذي سيورط اميركا في حرب بالشرق الاوسط لانها فقدت الردع.


رهان بوتين الاستراتيجي

ومع ما ذكر سابقا فإن تهديد اوباما بشن ضربة عسكرية قد غيرت من قواعد اللعبة، وهنا على وجه التحديد دخل بوتين على الخط بعد ان تقهقر في البداية وسحب سفنه الحربية من المتوسط خشية من الاصطدام مع الاميركان في عرض البحر، فما بدى لبوتين من ارتباك بالادارة الاميركية وانقسام بالكونغرس ومعارضة الرأي العام الاميركي دفعه لمحاولة تعميق ازمة اوباما وسحب البساط من تحت قدميه من خلال عرض تسليم الاسلحة الكيماوية وهو امر لم يكن هدفا للسياسة الاميريكة ولم تحلم به واشنطن، وهنا نضحت فكرة الاتفاق مع روسيا ورأى به اوباما بانه حقق الهدف الاول واكثر من ذلك فقط من خلال التهديد بتدمير اهداف تابعة للنظام السوري.

لكن للرئيس الروسي رهان اكبر من سوريأ. فصحيح ان بوتين يرى بالربيع العربي تهديدا لمصالح بلاده على المدى المتوسط الا انه رأى بالازمة التي تلت استعمال السلاح الكيماوي فرصه لاعادة رسم العلاقات الدولية بحيث يمنح بلده – الضعيفة جدا بالنسبة لاميركا- مكانة متساوية مع اميركا لادارة شؤون العالم. لذلك كتب الرئيس بوتين مقالته الشهيرة في الحادي عشر من سبتمبر ونشرها في الصحافة الاميركية مخاطبا الرأي العام الاميركي يعرض على اميركا شراكة في ادراة شؤون العالم من خلال احياء مجلس الامن والابتعاد على الاعمال الاحادية. طبعا يعرف بوتين ان مجلس الامن محكوم بالتوازن بين القوى الخمس وبامكان اي قوة تعطيل اي سياسة من خلال الفيتو.

وبعيدا من مقامرة بوتين الاستراتيجية إن الفرصة متاحة امامه لتغيير الصورة النمطية عنه بانه لاعب سلبي لا هم له الا مناكفة اميركا حتى وهو يعرف بان بلاده ليست ندا في اي مواجهة. لكن الامر منوط بقدرته على تسليم السلاح الكيماوي السوري، وربما ستتعزز نظرة الغرب عنه بانه سلبي ان تولد قناعة بانه يشتري وقتا لصالح حليفه بدمشق، لذلك تقوم اميركا حاليا بتزويد الثوار السوريين باسلحة افضل نوعية لها القدرة على رفع الكلفة على النظام السوري الذي فقد التوزان وما زال يترنح بعد تهديد اوباما بضربة عسكرية.


حسابات اسرائيلية معقدة


لم تكن اسرائيل غائبة او غير معنية بتجاوز الخطوط الحمراء الاميركية او للدقة لانهيار قوة الردع الاميركية لاسباب تتعلق بايران ومشروعها النووي، وبعيدا عن خشية الرأي العام الاسرائيلي من ان تؤدي الضربة الاميركية الى رد على حسابها، فإن النخب الامنية والسياسية كان تريد ان تقوم اميركا بضربة عسكرية محدود تبقي على النظام لكن ضعيفا. والهدف الاسرائيلي هو استعادة الردع الاميركي كخيار افضل من حرب مع ايران.

فخيار الضربة المحدودة هو افضل اسرائيليا لأنه يبقي على النظام ويمنع من ظهور نظام بديل- او فراغ- يتسيده الاخوان المسلمون والتيارت السلفية والجهادية لان من شأن ذلك ان يشكل تحديا امنيا من نوع مختلف لاسرائيل نظرا للعداء الايدولوجي لهذه التيارات لدولة الاحتلال الاسرائيلي. وكانت حسابات النخب الامنية الاسرائيلية تفيد ان ضربة محدوده لن تدفع الاسد على الرد، فكل ما كان سيقوم به الاسد في هذه الحالة هو الانحناء حتى تمر العاصفة (bunker down) فليس من مصلحة الاسد ولا القوى التي تقف خلفه الرد وبالتالي جر اسرائيل الى معركة بشكل مباشر.

فكل الدراسات الاستراتيجية التي صدرت عن مراكز الدراسات وكل التصريحات الاسرائيلية ترى ان اي ضربة عسكرية محدودة ستقلل من قوة النظام وستطيل من امد المعركة الداخلية ما يضعف الجيش السوري وحزب الله معا. كما ان اطالة امد المعركة من دون ان يكون هناك منتصر سصضعف القوى الاسلامية ويستنزق قوتها، فاسرائيل ترى ان ما يجري في سوريا هو معركة استتنزاف لكل خصومها.

في النهاية يمكن القول انه من المبكر الحكم على من انتصر، والقضية لا تقتصر على سوريا فقط وانما يجب النظر اليها ببعديها الاقليمي والاستراتيجي والاهداف المتضاربة لكل الاطراف، غير ان اوباما سيظهر منتصرا ان تم التخلص من الاسلحة الكيماوية واستعادت بلاده الردع مع ايران وجنبت اسرائيل التورط بالمعارك واجبرت ايران على تقديم التنازلات المطلوبة بالملف النووي. اما روسيا فلا يمكن ان نتخيل ان تظهر منتصره على المديين المتوسط والبعيد، فهي دولة لا تمتلك مقومات القوى التي تحترمها انظمة وشعوب المنطقة واكثر ما يمكن ان تحققه هو لعب دور سلبي الى ان يحسم الفرقاء امرهم. ومع كل ذلك وبصرف النظر عمن يحقق هدفا هنا وهدفا هناك، فإن شروط الحل لم تنضج بعد ما دامت الاطراف الراعية للصراع تقاب المسألة كلعبة صفرية.

تابعو الأردن 24 على google news