"الضمان" يتخلّى عن الصحف بعد أن حصد مليار دينار
كتب-عمر محارمة
الغزل الرسمي للمستثمرين العابرين يقابله تنكّر للمواطنين وللسلطة الرابعة بشكل خاص، ففي ذات الوقت الذي قررت فيه الحكومة اعتبار أي مشروع سياحي بمثابة منطقة تنموية، تحظى بما تحظى به تلك المناطق من إعفاءات ضريبية وتسهيلات استثمارية، كان رئيس الوزراء د. عبدالله النسور يؤكد أن الحكومة لن تتدخل في أزمة الصحف الاقتصادية.
وبهذا الانحياز الغريب، ترسم الحكومة المشهد الأردني كما يلي : مستثمر محلي أو أجنبي سيقيم مشروعا سياحيا في أي موقع من مواقعنا السياحية قد يوفر وفقه عشرات فرص العمل، أغلبها وفق الواقع الحالي سيكون من نصيب العمالة الوافدة، وسيحظى بتخفيض على ضريبة المبيعات وضريبة الدخل تصل إلى 50%، وسيستفيد من إعفاءات جمركية كبيرة على أية مدخلات لتنفيذ مشروعه، فيما ستبقى الصحف الورقية تعيش أزمتها الاقتصادية التي تهدد مصدر عيش آلاف الموظفين الأردنيين من عمال وإداريين وصحافيين، فيما ترفض لعب دور أكبر من دور من يراقب حريق منزل جيرانه دون أن يحرك ساكنا.
الصحف الورقية أولى وأحق بتلك الامتيازات التي تقدم لمستثمرين يعبرون الأردن ولا يقيمون فيها، إلا ما بقيت تلك الامتيازات والإعفاءات وفترات السماح التي تمنح لهم، والأمثلة في سوق الاستثمارات كبيرة.
الدولة لا تدار بعقلية السوق، يبقى فيه من يملك المال وينهار من لا يملكه، والصحافة الأردنية بقيت لعشرات السنين إحدى أهم القوى الناعمة التي تدافع عن مصالح الوطن ومواقفه وتدعم توجهاته، وهي مرشحة للاستمرار في لعب ذلك الدور لعشرات أخرى من السنين إذا ما منحت "جرعة الحياة"، و أعطيت الحرية التي تستحق وطورت من أساليبها وأدواتها.
من يعتقد أن الصحافة الالكترونية -على أهمية وجودها- قادرة على القيام بذات الدور الذي قامت به الصحف الورقية واهم و لا يرى أبعد من أنفه.
ومنطق الحكم لا يسمح بأن تتحول الحكومة إلى مجرد إدارة لمؤسسات الدولة، فهي تتحمل مسؤولية ملحة تجاه كل القطاعات العامة والخاصة، لأن تعثر أحداهما يعني تعثر الآخر، ومن هنا يقع على عاتق الحكومة مراقبة القطاعات وتسهيل وتعبيد كل ما يواجهها من مصاعب.
ثم إن المطلوب اليوم وبما أن الحكومة لا ترى نفسها طرفا في أزمة الصحف، أن تقبل معاملتها من قبل الصحف كأي طرف آخر، وأن تدفع ثمن الإعلان بذات السعر الذي يدفعه الآخرون، وأن تستعد لمواجهة جموع العاملين في الصحف وهم يطالبونها بحقهم كمواطنين في توفير فرص العمل وضمان العيش الكريم.
ومن جهة أخرى، فإن الوحدة الاستثمارية في مؤسسة الضمان الاجتماعي، والتي تمتلك نصيبا كبيرا من أسهم الصحف الورقية، غامرت وخاطرت بعشرات بل مئات الملايين في بعض المشاريع التي لم تكن فرص نجاحها أفضل كثيرا من فرص عودة الصحف الأردنية إلى عصر النجاح والأرباح.
ووفق أرقام أرشيفية فقد أدرت الصحف اليومية ما يقرب من المليار دينار في خزينة الوحدة الاستثمارية للضمان الاجتماعي كأرباح عن حصصها في سنوات "الغلال"، أفلا تستحق هذه الصحف موقفا معها في سنوات "القحط".
الموقف من هذا الاستحقاق لا يعدو كونه تهربا من القطاعات المهمة التي تشكل مأوى ومصدر أرزاق للعديد من الأسر، وهو تهرب لا يتوجب السكوت عنه أو مجاملة أحد عليه.
والمسؤولية في تلك المواجهة تقع على كاهل الصحف نفسها، التي عليها أولا الامتناع عن نشر الإعلانات إلا وفق التسعيرة التي تقررها هي والتي تأخذ بالحسبان سياسات السوق، ثم إيجاد هوية جديدة ومسارا مختلفا لا تعتمد فيه على احتكار الخبر وسرعة الوصول للقارئ، لأن منافسة الصحافة الالكترونية في هذا المجال مستحيلة، وعليها أن تنطلق إلى فضاء التحليل والرأي واستغلال المواهب الفردية والجوانب الإنسانية، والانتقال بشكل مدروس نحو الفضاء الالكتروني.