ماذا يملك بايدن غير انتظار الرد الإيراني ؟
مهدي مبارك عبدالله
جو 24 :
خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد عقد يوم الخميس الماضي عقب توقيعهما اتفاق أمني سمي بـ ( اعلان القدس ) صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن بإن الولايات المتحدة لن تنتظر إلى الأبد ردًا من إيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015.
وفي مقابلة اخرى مع القناة 12 الإسرائيلية وفي معرض اجابته على سؤال صحفي حول المدة التي كانت واشنطن مستعدة فيها لبذل جهود دبلوماسية بخصوص المحادثات النووية مع إيران قال بادين عرضنا على القيادة الإيرانية ما يمكننا أن نقبله من أجل العودة للاتفاق وننتظر ردها متى يأتي ذلك لست متأكدًا لكننا لن ننتظر إلى الأبد لتوقيع اتفاق نووي جديد.
الرئيس الأمريكي جو بايدن شدد في تصريحاته وبما يظهر انه استكمالا لمسار سياسة الضغوط القصوى التي اقرها الرئيس السابق ترامب بأن اميركا سوف تستخدم جميع عناصر قوتها الوطنية لمنع إيران من حيازة السلاح النووي من أجل أمن إسرائيل وأنها ستظل ملتزمة بمواجهة وكلاء واذرع ايران في المنطقة كحزب الله وغيره وان الحرس الثوري الإيراني سيبقي مدرجا على القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية الأجنبية حتى ولو أدى ذلك إلى وقف وإنهاء الاتفاق بالكامل واستخدام القوة ضد إيران كملاذ أخير.
يذكر ان المفاوضين كانوا على وشك التوصل إلى اتفاق جديد في آذار الماضي لكن كافة الجهود والفرص لأحياء الاتفاق تراجعت وفشلت وانهارت المحادثات غير المباشرة التي جرت بين اميركا وإيران في الدوحة بسبب رفض واشنطن مطلب طهران برفع الحرس الثوري الإيراني من القائمة الامريكية للإرهاب بدعوى أن هذا المطلب خارج نطاق إحياء الاتفاق النووي.
طهران كانت دائما تنفي أنها تسعى لامتلاك أسلحة نووية وتقول إن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية فقط وفي إطار القوانين والضوابط الدولية وأنها لا زالت تبحث عن الطرق الصحيحة التي تؤدي الى اتفاق واجراء مباحثات لتسوية جميع القضايا العالقة بين الطرفين وقد وصفت تلويح بايدن بزيادة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي واستخدام القوة العسكرية ضدها بأنه جزء من مصطلحات الحرب النفسية واوهام الغطرسة التي ستدفع واشنطن ثمنها عما قريب.
في عام 2015 أبرمت إيران اتفاق بشأن برنامجها النووي مع ست دول ( الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين ) وهو ما أتاح لها رفع العقوبات التي كانت مفروضة عليها مقابل تقييد أنشطتها وضمان طبيعتها السلمية إلا أن بنود ذلك الاتفاق باتت في حكم اللاغية منذ قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب بلاده أحاديا منه في عام 2018 واعادة فرض عقوبات جديدة و قاسية على إيران ما دفعها بعد نحو عام للتراجع تدريجيا عن غالبية التزاماتها النووية الأساسية وابرزها رفع مستويات تخصيب اليورانيوم.
بعد حدوث تقارب في وجهات النظر بدأت إيران والقوى المنضوية في الاتفاق مباحثات أخرى لإحيائه في نيسان عام 2021 في فيينا بمشاركة غير مباشرة من اميركا وعلى الرغم من تحقيق تقدم كبير في المفاوضات آنذاك الا ان المباحثات في آذار الماضي علقت في عدة نقاط تباين بين طهران وواشنطن لم يتم التغلب عليها حتى الان وقد أجرى الجانبان في أواخر حزيران مباحثات غير مباشرة في الدوحة بتسهيل من الاتحاد الأوروبي انتهت بدون تحقيق اي نتائج عقب زيارة بايدن الأخيرة لإسرائيل وتوقيعه إعلان القدس الموجه بالدرجة الأولى إيران اصبح تصميم طهران اكثر في الدفاع عن مصالحها ومواجهة أي مؤامرات تستهدف امنها وتزعزع استقرارها بالإضافة الى سعيها بقوة لحفظ مصالحها في أي مباحثات لإحياء الاتفاق النووي وعدم تغاضيها عن حقوقها الثابتة بضرورة رفع العقوبات وتحقيق كامل الفوائد الاقتصادية بموجب الاتفاق وضمان عدم تكرار الانسحاب الأميركي ومواصلة جهودها من اجل الغاء العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها عليها بعد انسحابها الأحادي من الاتفاق في العام 2018 وضرورة مراعاة خطوط ايران الحمراء ومطالبها الاساسية.
الامريكيون والإسرائيليون لا زالوا مختلفون حول كيفية وقف برنامج إيران النووي حيث تعتقد واشنطن بأن هناك فرصة لإعطاء الدبلوماسية مجالا للقيام بدورها بينما تضغط تل ابيب من أجل تشديد العقوبات على إيران فورا والتلويح بخيار عسكري موثوق به من شأنه أن يجبر الإيرانيين بالعودة إلى طاولة المفاوضات ورغم هذه الخلافات اتفق الأمريكيون مع الإسرائيليون في إعلان القدس على ضرورة تعزيز قوة الردع الإسرائيلية وزيادة قدرتها في الدفاع عن نفسها ضد إيران وكذلك تشكيل حلف امني وعسكري مع دول المنطقة لمواجهة ما سمي بالخطر الإيراني.
من الواضح جدا أن الرئيس بايدن أراد بتصريحاته ذات السقف العالي استعراض عضلاته أمام قادة الاحتلال لطمأنتهم حول ان اميركا لن ترضى باتفاق يضر بالكيان الاسرائيلي مع العلم ان اي اتفاق مع إيران مهما كان نوعه سيضر بالكيان الإسرائيلي الذي تشكل ايران ونهجها والمحور المقاوم حولها خطرا وجوديا عليه.
ومن خلال تحليل قول بايدن ( عرضنا على القيادة الإيرانية ما يمكننا أن نقبله من أجل العودة للاتفاق وننتظر ردها متى يأتي ذلك لست متأكداً لكننا لن ننتظر إلى الأبد ) نجد ان هذا يعني بكل صراحة بأن اميركا كانت تنتظر ايران منذ أكثر من سنة وبالتالي ستضطر الى انتظارها أكثر وأما انها لن تنتظر إلى الابد فهذا غير منطقي لأن بايدن نفسه لا يعلم إن كان سيبقى بعد سنتين في سدة الحكم ام لا.
زبدة الحديث إذا كان بايدن فعلا لا يريد الانتظار فماذا يمكنه ان يفعل فهو لا يستطيع اعلان حرب لن ينتصر فيها وستدمر مصالح أمريكا في المنطقة تماما وتكلفها الترليونات من الدولارات في الوقت الذي هو عاجز عن وقف التضخم في بلاده ومواجهة أزمة الطاقة وعدة أزمات داخلية وأخرى خارجية مع عملاقين آخرين هما الروسي والصيني ولذلك أفضل له ان ينتظر بل وان ينتظر من سيأتي بعده لأنه لا يوجد أي خيارات أخرى لدى الامريكان لا فوق الطاولة ولا تحتها.
ليتذكر بايدن سلفه ترامب الذي شهدت أمم الأرض على رعونته وعنجهيته لم يجرؤ على اعلان حرب ضد إيران حتى عندما قصفت بشكل مباشر معسكرا أمريكيا وسوته بالأرض في العراق ردا على اغتيال قاسم سليماني لأنهم أخبروه وقتها بأنه لا يمكنه ان يقوم بهكذا حرب مع العلم ان وضع ترامب في تلك الايام كان أفضل بكثير من وضع بايدن في هذه الأيام.
يبدو لنا في الواقع العملي ان اميركا تكرر خطأها في أوكرانيا بعدما حاولت توسيع حلف شمال الأطلسي رغم التحذيرات والان من خلال سعيها لتشكيل تحالف إقليمي ضد إيران وبما يتناقض مع رغبتها المعلنة في إحياء الاتفاق النووي وايجاد شرق أوسط مستقر وآمن والذي لن يتحقق الا بكف يد اميركا عن فرض القيم الأميركية على دول المنطقة وإيقاف ضخ السلاح إليها واحترام سيادتها ووحدة أراضيها والتخلي عن دعم إسرائيل أكبر مصدر للتوتر ونشر الإرهاب المنظم ووقف شيطنة إيران واستعدائها.
من جانب اخر لا يمكن اغفال تصريحات رئيس الأركان في جيش الاحتلال أفيف كوخافي بأن إعداد خيار عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني أمر واجب أخلاقي وأمر مهم للأمن القومي الإسرائيلي وأن جيشه مستعد لهجوم عسكري بقوة على إيران في حال فشلت المساعي الدبلوماسية حيث يأتي ذلك في سياق التماهي مع مزاعم واتهامات واشنطن بمحاولتها مجددا خلق التوتر وافتعال لأزمات في المنطقة عبر اللجوء إلى سياستها الفاشلة في التخويف من إيران وحلفائها.
لا شك بأن الإدارة الأميركية هي الشريك الرئيسي في استمرار احتلال أرض فلسطين والأقصى الشريف والجرائم اليومية التي يرتكبها كيان الاحتلال والتمييز العنصري والانتهاك الممنهج لحقوق الانسان تجاه ابناء الشعب الفلسطيني وهو ما تراه عين واشنطن وتغفل عنه.
التهم الأميركية الكاذبة المكثفة تجاه البرنامج النووي السلمي الإيراني وقيام واشنطن بغض الطرف عن الخداع الصهيوني المستمر لعقود ككيان غير منضم لمعاهدة حظر الانتشار النووي ويمتلك أكبر ترسانة للسلاح النووي في المنطقة لهو دليل واضح على انتهاج الإدارة الأميركية سياسة التزييف والنفاق والانحياز والكيل بمكيالين في ظل جدار سميك من عدم الثقة بالسياسات الأميركية لدى الجميع.
ليس سرا ولا مفاجئ الاعلان بأن طهران لديها كل السبل الفنية لصنع قنبلة نووية لكنها لم تتخذ بعد قرار صنعها فخلال أيام قليلة تمكنت من تخصيب اليورانيوم من 20 إلى ما يصل لـ60% وهو ما يمكنها بسهولة من إنتاج يورانيوم مخصب لنسبة 90% وبالتالي دخول السباق النووي العالمي في المنطقة.
ختاما إذا أردنا حقا ان نناقش ماذا بإمكان أمريكا ان تفعل مع إيران غير الانتظار فعلينا ان ننظر الى تقارير قادتها العسكريين بدءا من رئيس الاركان ووزير الدفاع وقائد القيادة المركزية حيث اجمعوا بان صواريخ ايران متطورة ودقيقة وطائراتها المسيرة متميزة وقوتها الدفاعية لا يستهان بها ومن الضروري إنجاز الاتفاق النووي باي ثمن كأفضل حل لدى واشنطن.
كما عليها عاجلا تجاوز ميراث ترامب لإمكانية الوصول إلى اتفاق جيد ومستدام وعلى بايدن ان يستمع بدل ان يتعنت في موقفه من اجل اعادة إحياء لاتفاق بشكل جديد يكون مقبول من جميع الاطراف للسيطرة على التوترات والمخاطر المحدقة التي تحيط بالمنطقة .