اغتيال القيادات لن يرهب حركة الجهاد الاسلامي
مهدي مبارك عبدالله
جو 24 :
يوم الجمعة الماضي وبصورة مفاجئة أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد عملية عسكرية عنيفة ضد مواقع وعناصر حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة بحجة القضاء على ما اسماه تهديدات وشيكة لشن هجمات على إسرائيل من قبل عناصر تابعة لحركة الجهاد وذلك بعد أيام من تبادل التهديدات المباشرة بينهما عقب اعتقال السلطات الإسرائيلية للقيادي في الحركة الشيخ بسام السعدي في مخيم جنين شمالي الضفة الغربية والاعتقالات في الضفة لم تكن يوماً سبباً للحروب لكن إسرائيل كانت تتحضر بالخفاء للعدوان
مع انطلاق شرارة المواجهات العسكرية بين الطرفين استيقظ في غزة الرعب والموت المؤجل ضمن عملية عسكرية محدودة أطلق عليها اسم ( الفجر الصادق ) استهدفت توجيه ضربة قاسية لحركة الجهاد الإسلامي حيث بدأ الطيران الإسرائيلي الحربي والمسير بقصف عدة مقار ومنازل لقياديين في سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي ما أسفر عن مقتل القادة البارزين في الحركة تيسير الجعبري مسؤول منطقة شمال القطاع وعبد الله قدوم قائد منظومة الصواريخ المضادة للدروع في شمال القطاع و خالد منصور قائد الفرقة الجنوبية بالإضافة الى عدد كبير من المواطنين الابرياء بينهم اطفال ونساء في جريمة نكراء تضاف إلى جرائم الاحتلال وتعبر عن روح البلطجة والاجرام وتستحق من كل العالم الرفض والإدانة والعقوبة
توقيت العدوان على غزة والتركيز على استهداف بعض قيادات الصف الأول في سرايا القدس غايته كانت تحقيق إنجازات حزبية سريعة وصرف العيون في داخل إسرائيل عن الخلافات السياسية العميقة التي تحيط بحكومة يائير الموقتة وتهددها بالسقوط مع قرب التوجه لانتخابات جديدة في تشرين ثاني 2022 واحتمال فوز نتنياهو وثمة غاية أخرى تتعلق برفع معنويات مستوطني إسرائيل وطمأنتهم إلى أن دولتهم قوية وأن جيشها وأجهزتها الأمنية قادرة بالدفاع عنهم وحمايتهم من الاخطار المحتملة
كما خدم العدوان الذي جاء مطبوع بصبغة سياسية الاجندة الشخصية لرئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي افيف كوخافي الذي سيغادر منصبه في بداية العام المقبل حيث سعى إلى ترميم فشله في معركة سيف القدس في العدوان على غزة العام الماضي
إسرائيل اعتادت على شن حروب غادرة على قطاع غزة تكون شرارتها في كل مرة عملية اغتيال وتصفية جسدية مباغتة لشخصية مؤثرة في المقاومة الفلسطينية دأبت على وصفها بالصيد الثمين حيث لا تتردد في تصفيتها رغم انها تدرك أن ذلك سيدفع بالأوضاع نحو حرب دامية
سياسة الاغتيالات أسلوب عصابات خارجة على القانون والدولة التي تمارسه عصابة ولو لبست ثوب دولة وأساليب الترهيب الممنهجة التي تمارسها قوات الاحتلال لإخلاء الساحة من القياديين الشرفاء لن تجدي نفعا مع إصرار الشعب الفلسطيني التاريخي على المقاومة والتحدي كما انها لن توهن المد الجماهيري الداعم للمقاومة بل ستزيده صلابة وقوة والتفافاً حول القيادات الوطنية الثائرة والشاهد على ذلك ان الاحتلال اغتال قبل ذلك قادة كثيرين في المقاومة الفلسطينية ولم توقف اغتيالاتها مقاومة الفلسطينيين لها ودائما كانت تأتي قيادات شابة أشد عزما على مقاتلتها والانتقام منها وبدرجات أكبر من الذين اغتالتهم
خلال السنوات العشر الماضية كان هنالك ثلاث حروب بدأتها إسرائيل بالاغتيالات ومن اجل ذلك كان اغتيال القائد البارز في كتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة حماس أحمد الجعبري الرجل الثاني بعد قائدها العام محمد الضيف عام 2012 تبعتها جريمة اغتيال القائد البارز في سرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا في شقته السكنية بحي الشجاعية شرقي المدينة عام 2019
وصولا إلى الاغتيال الأخير لخليفة أبو العطا في قيادة سرايا القدس تيسير الجعبري بواسطة طائرة مسيرة استهدفته داخل شقة سكنية في برج فلسطين بحي الرمال في مدينة غزة بشكل مباغت ومن دون مقدمات بعدما اخترقت إسرائيل التهدئة التي كانت سارية في غزة والتي أدت الى اندلاع شرارة الحرب الأخيرة
لدى إسرائيل تاريخ طويل من عمليات الاغتيال السياسي والاستهداف لعدد من السياسيين والقيادات الفلسطينيين من مختلف الفصائل حيث تؤرخ بداية سياسة الاغتيالات الاسرائيلية التي يتم فيها استهداف شخص معين ومحدد الهوية لعام 1972 حين قررت رئيسة حكومة إسرائيل آنذاك غولدا مائير ملاحقة واغتيال منفذي عملية ميونيخ التي استهدفت رياضيين إسرائيليين كانوا يشاركون في الألعاب الأولمبية بألمانيا
توالت عمليات الاغتيال والتصفية الاسرائيلية حيث طالت أدباء مثل غسان كنفاني وقادة أمنيين مثل أبو علي حسن سلامة وأمناء عامين في حركات المقاومة الفلسطينية مثل فتحي الشقاقي والأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى بقصف مكتبه برام الله
إضافة الى عدة مفكرين وقادة سياسيين وصولا إلى اغتيال القيادي الكبير في حركة فتح خليل الوزير عام 1988 والقادة الثلاث كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار في عملية فردان عام 1973
وفي عام 2002 اغتيل مؤسس الجناح العسكري لحماس صلاح شحادة بقصف جوي لمنزله كما تم اغتيل مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين عام 2004 والقيادي البارز في الحركة عبدالعزيز الرنتيسي والمهندس يحيى عياش ومحمود المبحوح والقيادي في حركة حماس احمد الجعبري والذي أسفر اغتياله عن حرب عام 2012 ثم اغتيل القيادي في حركة فتح ثابت أحمد عبدالله ثابت عام 2000 ومحمود أبو هنود أحد قيادات كتائب عز الدين القسام في الضفة الغربية عام 2001 ومهندس الطيران التونسي محمد الزواري الذي اغتيل بمدينة صفاقس عام 2016 وقبلهم وبعدهم المئات من القادة والنشطاء الفلسطينيين
الكاتب الإسرائيلي رونين برغمان صرح في مقابلة له مع موقع تايم أوف إسرائيل نشرت في 30 يناير 2018 اوضخ بان الإسرائيليون نفذوا خلال 71 عاما أكثر من 2700 عملية اغتيال ( بمعدل 38 عملية سنويا ) داخل وخارج الأراضي الفلسطينية المحتلة
الاغتيالات الإسرائيلية في المحصلة لن تؤدي إلى إنهاء ظاهرة قيادات المقاومة والنشطاء الفلسطينيين بل إلى استبدالهم بآخرين أشد منهم قوة وبأس وغالبا ما تقود إلى نتائج عكسية وإلى تغذية دوامة الدم والعنف وتوسيعها الى مالا نهاية فمنذ عقد ونصف العقد من الحصار والعدوان الاسرائيلي المتجدد على غزة التي لم تتعافَ بعد من العدوان الإسرائيلي في أيار2021 حيث آلاف الناس معلقة أرواحهم بالعودة إلى منازلهم المدمرة التي لم يعد بناؤها بانتظار دعم الدول المانحة وتخفيف الشروط والقيود الإسرائيلية حيث لم يعودوا قادرين على استيعاب هذه القسوة والكلفة العالية جداً في مجابهة العدوان الإسرائيلي المستمر
ادعاء إسرائيل أن الحرب جاءت لكبح حركة الجهاد الإسلامي التي لم تطلق رصاصة واحدة خلال الأيام الماضية والملتزمة باتفاق التهدئة هو ادعاء واه وكاذب خاصة بعدما شنت آلة الدعاية الإسرائيلية حربها من جديد ضد الفلسطينيين وتولت التحريض عليهم والتهليل للحرب والانتصار على الدم الفلسطيني مبررة اغتيال قادة الجهاد الإسلامي بحماية المستوطنين في غلاف المستوطنات المجاورة لقطاع غزة
الكيان الإسرائيلي بسياسته العدوانية ليس بحاجة الى مبرر لعدوانه المستمر على الشعب الفلسطيني بشيطنة حركة الجهاد الإسلامي ووصفها بانها وكيل إيراني يريد تدمير دولة إسرائيل فلدى الاحتلال القدرة الكافية على ارتكاب كل الجرائم وتبرير سلوكه العدواني واستفزازه للفلسطينيين وجرهم إلى العنف والمعارك العسكرية ضمن سياسة عقائدية اسرائيلية تمارسها ضد الفلسطينيين منذ النكبة عام 1948
حركة الجهاد الإسلامي كمشروع وطني للمقاومة في مواجهة المشروع الصهيوني الأميركي لن تضعف ولن تتراجع وسوف تستمر واغتيال قياداتها وكوادرها مهما تعاظم واتسع لن يزيدها الا قوة وعنفوان وصمود من أجل تحرير القدس وكل أرض فلسطين المغتصبة وهذا العدوان الاثم كسابقاته لن يكسر او يضعف إرادة المقاومة وسيبوء بالفشل ويتحطم على صخرة صمود غزة وشعبها البطل بإصرارهم على دحر الاحتلال وكيان الاحتلال سيظل يعيش في دوامة متواصلة من التوجسات والتخوفات والتساؤلات عن زمان ومكان الانتقام القادم وهدفه ونوعيته للثائر من تلك الحماقات بالدم والنار والدمار حتى زوال الاحتلال عن آخر شبر من أرض فلسطين
الشعب الفلسطيني الذي قدم أغلى التضحيات على مدى سنين مقاومته الطويلة وزف عشرات الشهداء القادة لن تخيفه ولن تضعفه هذه المجازر الاسرائيلية البشعة والغادرة بل ستزيده عزمًا في الوقوف الدائم والثابت الى جانب المقاومة لمواصلة طريقها حتى تحقيق الانتصار والتحرير وهو أكثر وعيا ونضوجا وفهما لما يحاك ضده وضد حقوقه وحريته وقضاياه المقدسة ومرة أخرى نؤكد ان سياسة الاغتيالات الجبانة بكل وحشيتها واحرامها لن ترهب حركة الجهاد الإسلامي ولا انصارها ولن تثنيها عن تبني خيار المقاومة في الدفاع عن الشعب والارض والمقدسات بكل قوة كما انها ستكون مدعاة للإسراع في اطلاق انتفاضة وثورة فلسطينية تنفجر قريبا في وجه الاحتلال في كل أرجاء الأراض المحتلة
ليعلم قادة الاحتلال الإرهابيين ان رجال المقاومة لا يخافون الموت بل يبحثون عنه في كل موقعة ومنازلة وان أغلى أمانيهم بعد عمرٍ طويلٍ قضوه في الجهاد والمقاومة نيل شرف الشهادة وانه اذا سقط منهم قائد فقد ترك خلفه سيل من القادة الذين يرددون بقلوب اسود جسورة لا تعرف الخوف ( أما علمتَ بأنّ القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة )
وفي ذات السياق وامعانا في الغطرسة وسطوة القوة والظلم والعدوان نشرت القناة 12 العبرية ايوم السبت الماضي أسماء عدد من القيادات بحركة الجهاد الإسلامي والمرشحين للاغتيال علي يد تل ابيب في مقدمتهم الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخلة المقيم حاليًا في طهران ورئيس الفرع العسكري أكرم العجوري المقيم في دمشق ورئيس الدائرة السياسية محمد الهندي عضو المكتب السياسي ونافذ عزام والقيادي خالد البطش أحمد المدلل الذي نجى من محاولة اغتياله في العدوان الأخير لكن قتل ابنه وكذلك القيادي خضر حبيب عضو المكتب السياسي وعضو بارز بالهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة
حسب ما اعلنته وزارة الصحة في قطاع غزة فقد بلغ عدد الشهداء عدد الشهداء جراء العدوان الى 46 من بينهم 6 أطفال و4 سيدات ومسنة بينما بلغ عدد المصابين إلى 360 بجراح مختلفة وقد خلف العدوان دمار في 650 وحدة سكنية منها 45 وحدة أصبحت غير صالحة للسكن كما ألحق الأضرار بالعديد من المؤسسات الأهلية بينها الإعلامية والحقوقية ومنازل المواطنين التي كان آخرها قصف أحد البنايات غرب مدينة غزة في انتهاك واضح للقوانين الدولية
ختاما بكل آيات الصمود والصبر والثبات نتقدم بخالص العزاء والمواساة إلى حركة الجهاد الإسلامي وسرايا القدس والشعب الفلسطيني بارتقاء كوكبة من الشهداء الأبرار في العدوان الغادر على غزة يتقدمهم القائد تيسير الجعبري قائد المنطقة الشمالية وقائد المنطقة الجنوبية في سرايا القدس خالد سعيد منصور أبو الراغب عضو المجلس العسكري وعبد الله قدوم وزياد أحمد المدلل ورأفت صالح شيخ العيد الموصول لجميع اسر الضحايا والشهداء خاصة الطفلتين الاء قدوم وخنين أبو قايدة والدعاء الخالص للمصابين والجرحى بالشفاء العاجل
mahdimu.barak@gmail.com