الطريق الصعب
محمد أبو رمان
جو 24 : في دراسته المنشورة عبر المركز العربي في الدوحة؛ يحلل د.عمر الرزاز "المعادلات" السياسية والاقتصادية التي حكمت الدول العربية خلال العقود الماضية، والتي اتسمت جميعها، مع اختلافات في طبيعة الدول والأنظمة والموارد، بـ"العلاقة الريعية" بين الحكومات والشعوب، سواء كانت هذه الدول منتجة للنفط أو فقيرة.. إلخ.
الفكرة المحورية التي يطرحها الرزاز في هذه الدراسة هي أنّ عملية الانتقال إلى أنظمة ديمقراطية حقيقية، مع لحظة الثورات العربية، لا تقتصر على الجانب السياسي وحده، أي صندوق الانتخاب والتعددية السياسية وتداول السلطة، وإن كان ذلك مطلوباً؛ بل لا بد من التحول من الأنظمة الريعية (التي تخلق علاقات بدائية لإدارة الحياة السياسية) إلى الأنظمة الإنتاجية (التي تقوم على مفهوم العقد الاجتماعي والمواطنة وسيادة القانون).
ما يمكن استنتاجه من دراسة الرزاز (التي عرض خلاصتها قبل عدة أشهر في مكتبة الجامعة الأردنية)، هو أنّ المشكلة ليست فقط في تغيير رئيس أو مسؤول كبير والثورة عليه، أو تغيير شكل النظام السياسي، بل هي في تغيير "جوهر" العلاقة السياسية، ما يتطلب تغيير المعادلة الاقتصادية القائمة بين الدولة والمواطنين، من علاقات زبونية ورعوية إلى تعزيز مفهوم الإنتاجية والعمل، وهو التحدي الحقيقي الذي يواجه مرحلة التحول الحالية في العالم العربي اليوم، ويشكل مفتاحاً حقيقياً؛ إمّا للنجاح أو الفشل!
مما يمنح أهمية كبرى لدراسة الرزاز، ويدفع بالنخب السياسية والمثقفين المعنيين بالإصلاح إلى دراستها بتمعن وعمق، هو أنّ الحكومات العربية التي قامت بعد الثورات تواجه تحديات اقتصادية حقيقية وجوهرية. وستحدّد هذه التحديات مدى نجاح الأحزاب السياسية في تقديم وصفات مختلفة عما قدمته الأنظمة العربية السابقة، تساهم في نقل المجتمعات إلى مرحلة جديدة صحيّة، أو أنّها ستغرق في الديناميكيات والميكانيكيات نفسها التي قامت عليها المعادلات السياسية السابقة، مما يؤدي إلى حالة من الإحباط وخيبة الأمل لدى الجماهير من المسار الجديد.
أردنياً، تصب دراسة د.الرزاز فيما نتحدث عنه حول ضرورة اقتران الإصلاحات السياسية مع رؤية اقتصادية موازية لتعزيز دور الاستثمارات والقطاع الخاص، والاتجاه نحو نظام اقتصادي إنتاجي، في المحافظات والمناطق الفقيرة والشعبية، التي ما تزال تعتمد على الدولة في خلق فرص عمل ووظائف، ما يقتضي الاهتمام بالتعليم والخدمات والتشريعات التي تعزز هذا التوجه لدى الشباب هناك، فهذا هو وجه المستقبل الوحيد المشرق.
الحلقة المفقودة هنا تتمثل في رسائل الدولة السياسية التي تذهب بالاتجاه المعاكس تماماً، في سياق مواجهة المعارضة؛ فبدلاً من أن تعد الناس وتحضّرهم لدولة الإنتاج والمواطنة والقانون والاعتماد على الذات، فإنّها تلجأ إلى رسائل سياسية وإعلامية كارثية تقوم على تعزيز الولاءات الأولية وقيم "ما قبل الدولة"، وما يترتب عليها من الاستمرار في نمط العلاقة الزبونية، بدون إدراك خطورة ذلك وحجم تناقضه مع السعي إلى تصحيح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد والموازنة العامة التي تشتعل بحرائق خطرة.
مجمل القول؛ إنّ هذه الدراسة تكشف جوهر الفرق بين المعادلات العربية التي أنتجت الأنماط البائسة والأزمات الراهنة، وبين المعادلة المطلوبة الواضحة، التي تتزاوج فيها الإصلاحات السياسية والاقتصادية. وعلى "مطبخ القرار" أن يحسم أمره باتجاه أحد المسارين: ماذا نريد؟ دولة مواطنة وقانون وعقد اجتماعي جديد، أم الاستمرار في المعادلة الراهنة!
أما الجمع بين مسار سياسي مرتبط بعلاقة رعوية وزبونية وبمفاهيم بدائية، مع تحرير الأسعار وإزالة التشوهات من الموازنة، فهذا ما لا يمكن تحقيقه، وهو ما يجعل الدولة في حالة اعتماد شبه كامل على المساعدات الخارجية، وهو –بالضرورة- سيناريو خطر جداً، وغير مضمون النتائج!
m.aburumman@alghad.jo
الغد
الفكرة المحورية التي يطرحها الرزاز في هذه الدراسة هي أنّ عملية الانتقال إلى أنظمة ديمقراطية حقيقية، مع لحظة الثورات العربية، لا تقتصر على الجانب السياسي وحده، أي صندوق الانتخاب والتعددية السياسية وتداول السلطة، وإن كان ذلك مطلوباً؛ بل لا بد من التحول من الأنظمة الريعية (التي تخلق علاقات بدائية لإدارة الحياة السياسية) إلى الأنظمة الإنتاجية (التي تقوم على مفهوم العقد الاجتماعي والمواطنة وسيادة القانون).
ما يمكن استنتاجه من دراسة الرزاز (التي عرض خلاصتها قبل عدة أشهر في مكتبة الجامعة الأردنية)، هو أنّ المشكلة ليست فقط في تغيير رئيس أو مسؤول كبير والثورة عليه، أو تغيير شكل النظام السياسي، بل هي في تغيير "جوهر" العلاقة السياسية، ما يتطلب تغيير المعادلة الاقتصادية القائمة بين الدولة والمواطنين، من علاقات زبونية ورعوية إلى تعزيز مفهوم الإنتاجية والعمل، وهو التحدي الحقيقي الذي يواجه مرحلة التحول الحالية في العالم العربي اليوم، ويشكل مفتاحاً حقيقياً؛ إمّا للنجاح أو الفشل!
مما يمنح أهمية كبرى لدراسة الرزاز، ويدفع بالنخب السياسية والمثقفين المعنيين بالإصلاح إلى دراستها بتمعن وعمق، هو أنّ الحكومات العربية التي قامت بعد الثورات تواجه تحديات اقتصادية حقيقية وجوهرية. وستحدّد هذه التحديات مدى نجاح الأحزاب السياسية في تقديم وصفات مختلفة عما قدمته الأنظمة العربية السابقة، تساهم في نقل المجتمعات إلى مرحلة جديدة صحيّة، أو أنّها ستغرق في الديناميكيات والميكانيكيات نفسها التي قامت عليها المعادلات السياسية السابقة، مما يؤدي إلى حالة من الإحباط وخيبة الأمل لدى الجماهير من المسار الجديد.
أردنياً، تصب دراسة د.الرزاز فيما نتحدث عنه حول ضرورة اقتران الإصلاحات السياسية مع رؤية اقتصادية موازية لتعزيز دور الاستثمارات والقطاع الخاص، والاتجاه نحو نظام اقتصادي إنتاجي، في المحافظات والمناطق الفقيرة والشعبية، التي ما تزال تعتمد على الدولة في خلق فرص عمل ووظائف، ما يقتضي الاهتمام بالتعليم والخدمات والتشريعات التي تعزز هذا التوجه لدى الشباب هناك، فهذا هو وجه المستقبل الوحيد المشرق.
الحلقة المفقودة هنا تتمثل في رسائل الدولة السياسية التي تذهب بالاتجاه المعاكس تماماً، في سياق مواجهة المعارضة؛ فبدلاً من أن تعد الناس وتحضّرهم لدولة الإنتاج والمواطنة والقانون والاعتماد على الذات، فإنّها تلجأ إلى رسائل سياسية وإعلامية كارثية تقوم على تعزيز الولاءات الأولية وقيم "ما قبل الدولة"، وما يترتب عليها من الاستمرار في نمط العلاقة الزبونية، بدون إدراك خطورة ذلك وحجم تناقضه مع السعي إلى تصحيح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد والموازنة العامة التي تشتعل بحرائق خطرة.
مجمل القول؛ إنّ هذه الدراسة تكشف جوهر الفرق بين المعادلات العربية التي أنتجت الأنماط البائسة والأزمات الراهنة، وبين المعادلة المطلوبة الواضحة، التي تتزاوج فيها الإصلاحات السياسية والاقتصادية. وعلى "مطبخ القرار" أن يحسم أمره باتجاه أحد المسارين: ماذا نريد؟ دولة مواطنة وقانون وعقد اجتماعي جديد، أم الاستمرار في المعادلة الراهنة!
أما الجمع بين مسار سياسي مرتبط بعلاقة رعوية وزبونية وبمفاهيم بدائية، مع تحرير الأسعار وإزالة التشوهات من الموازنة، فهذا ما لا يمكن تحقيقه، وهو ما يجعل الدولة في حالة اعتماد شبه كامل على المساعدات الخارجية، وهو –بالضرورة- سيناريو خطر جداً، وغير مضمون النتائج!
m.aburumman@alghad.jo
الغد