هل تقلب تعديلات الضمان فلسفة هذه المؤسسة والغاية التي أنشئت من اجلها؟
فيصل أسامة النجداوي
جو 24 :
من الخطأ النظر إلى التعديلات المقترَحة من قبل مؤسسة الضمان الاجتماعي على قانون الضمان بمعزل عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تؤدي إليها على مستوى الأفراد والدولة. فهذه التعديلات التي تأتي لأول مرة بمثل هذا الزخم هي الأقسى على مدار عمر مؤسسة الضمان، وهي التي ستقلب فلسفة الضمان والغاية التي أُنشِىء من أجلها رأساً على عقب، فالتأثير السلبي على الحماية الاجتماعية بات واضحاً من هذه التعديلات، والفئات التي ستتأثر لا يمكن حصرها ببضع مئات من الآلاف من المؤمّن عليهم الحاليين، ولكنها ستشمل كل الأجيال القادمة التي ستدخل سوق العمل وتنضم إلى مظلة الضمان التي لن تكون قادره على توفير ظلاً وارفاً لها مع الأسف في ضوء اختراقات واضحة للمظلة ستحدثها التعديلات المقترَحة..!
أمام حالة من الخطورة كهذه، يصبح من الضرورة أن تتنبّه كل مراجع الدولة العليا والعميقة إلى الأمر وتتعامل معه بمنتهى الجدية والحرص، فالموضوع لم يعد يخص مؤسسة الضمان وحدها، بل يطال أمننا المجتمعي في الصميم، ومن واجب أقطاب الدولة وكل الجهات العليا فيها أن تتحرك فوراً لإيقاف هذه التعديلات قبل أن تأخذ مسارها نحو البرلمان، والإيقاف يكون من خلال العمل الفوري على ردّ مشروع التعديلات إلى مؤسسة الضمان تمهيداً لإعادة دراسته من جديد بكل أناة وتريّث.
قد يكون من الصعب اكتشاف خطورة التعديلات المقترَحة، وأن ما تعرضه مؤسسة الضمان ممثلة بمديرها العام من هذه التعديلات هو ذلك الوجه الذي يشي بشيء من إيجابيتها، لكن المتعمّق فيها يدرك عمق الجرح الذي ستتركها معظمها في نفوس وأجساد وحياة العُمّال المؤمّن عليهم والمنتفعين، ولعل ما يُتحفنا به الخبير والقانوني الأستاذ موسى الصبيحي من تحليل دقيق وعميق لكل تعديل من التعديلات المقترَحة ما يدل دلالة قاطعة على مدى الأثر السلبي للكثير منها على مختلف الأطراف بما فيها مؤسسة الضمان ذاتها..!
في هذا المقال لا ندعو إلى رفض التعديلات فقط ولا إلى مجرد ردّها إلى حضن المؤسسة ، وإنما أيضاً إلى تكليف إدارة جديدة لمؤسسة الضمان تقوم بالمراجعة الشاملة لكافة أمور المؤسسة وقضاياها وسياساتها خلال الأربع سنوات الماضية وتقييم أوضاعها المالية والتأمينية ونفقاتها وإيراداتها من التأمينات والاستثمارات، إضافة إلى مراجعة قانون الضمان الحالي مراجعة متأنية وشمولية للوقوف على أي ثغرات في القانون ودراستها والعودة إلى نتائج الدراسات الإكتوارية ومقارنة مؤشراتها وتوصياتها، إضافة إلى مراجعة الرواتب التقاعدية لأكثر من (291) ألف متقاعد، والعمل على تحسين الرواتب المتدنية منها وفقاً لأحكام القانون وبالسرعة الممكنة.
إن مؤسسة الضمان الاجتماعي وصندوق استثمار أموالها باتا اليوم على المحك، ويبدو واضحاً أن الثقة بهما قد اهتزّت وأن إدارتيهما اللتين مرّ على تقلدهما لمنصبيهما أربع سنوات قد أعطتا كل ما لديهما إنْ سلباً أو إيجاباً في نظر البعض، وأنه آنَ الأوان للتغيير وتعيين إدارة جديدة لكل من المؤسسة والصندوق من أجل ضخ دماء جديدة وتحمليها أهم ملفّين من ملفّاتنا الوطنية، لكي نُريح كل الأعين التي تتطلع إلى هذه المؤسسة باهتمام وأمل في مستقبل جميل زاهر لكل الأجيال.
لقد غدا من غير المقبول أن يتجاهل رئيس الحكومة ردّات الفعل الشعبية والنخبوية الرافضة لتعديلات الضمان، فالتعديلات التي هزّت المجتمع، وأجّجت الكثير من التخوفات والشكوك لدى شرائح عريضة من الناس، تُنذر بعواقب غير محمودة على الجميع، الأمر الذي يضع على كاهل رئيس الحكومة مسؤولية مضاعفة تقتضي منها أولاً وقبل كل شيء وقف هذه التعديلات وردّ مشروعها إلى مؤسسة الضمان وتكليف إدارة جديدة كفؤة للمؤسسة، وأخرى لصندوق الاستثمار والبدء بعملية المراجعة والتقييم المتأنّي من نقطة الصفر.
على مراجع الدولة العليا أن تتنبّه وتخرج عن صمتها قبل فوات الأوان.