"مَن يُعيد للشعب الأردنيّ سُلطاته وصلاحيّاته."
أزهر الطوالبة
جو 24 :
"مَن يُعيد للشعب الأردنيّ سُلطاته وصلاحيّاته."
تُبنى وتؤسَّس الدَّولة، أيّ دولة، على سُلطاتٍ ثلاث ؛ التشريعيّة، والتنفيذيّة، والقضائيّة. وكُلّ دارسٍ، ليسَ في الجامعاتِ فحَسب، بل في المدارِس الابتدائيّة، يتمّ تدريسه هذه السُلطات. فيفهَّم ماهيتُها، ويُعلَّم كُلّ مكوّناتها، كما يُعلَّم بأنَّ هناكَ ثمَّة العديد مِن المبادئ التي تحكُم هذه السُلطات، وأهمّها مبدأ "الفَصل بينَ السُلطات" . فهو المبدأ الذي يُنصّ عليهِ في دساتير الدُّول الجامدة وغير الجامِدة، بأنّهُ المبدأ المقوِّم، بل الموجِد للدَّولة، وأنّهُ رحم كلّ القوانين النّافذة فيها. فبموجِبهِ لا تعتدي سلطةٌ على أُخرى بالتدخُّل بأيّ عمَلٍ مِن أعمالها . إذ أنَّ لكلِّ سُلطةٍ مِن هذه السُلطات حقّ القيام بالأعمال الخاصة فيها، والذي قَد يصِل إلى ما أُسمّيهِ بحقّ السيادة على أعمالها"، ومُمارستها بالطريقة التي تراها مُناسبة لتحقيقِ ما وجِدَت مِن أجلِه، مع الأخذ بعين الاعتِبار، بأنَّ هذه الاستقلاليّة محكومة بقواعدٍ تشريعيّةٍ تُفرِض الرّقابة على أعمالِ هذه السُلطات، وقد تكون هذه الرّقابة مِن سُلطةٍ على أُخرى. فعلى سبيلِ المثال، السُلطةُ التشريعيّة المُمثلة بمجلسِ الأُمة، تُمارس صلاحيّات رقابيّة على أعمال السُلطة التنفيذيّة، وهذه الرقابة مُقرَّرة كحقٍّ قانونيّ لها، بل واجبٌ عليها تفرِضهُ نصوص المواد القانونيّة التي يتضمّنها الدّستور، وهو أسمى القواعِد التشريعيّة التي لا يَجوز مُخالفتها.
لكن، وبكُلِّ أسى وحُرقة، هذا ما لا نلمِسهُ في بلادنا. فلا نجِدُ لا دورًا رقابيًّا للسُلطةِ التشريعيّة على أعمالِ السُلطة التنفيذيّة، ولا دورًا تشريعيًّا حقيقيًّا مُتأتّيٍّا مِن أعضاء سُلطةٍ يعونَ ما هو مطلوبٌ مِنهم. بل نَرى العكسَ مِن ذلك، فالسُلطة التنفيذيّة، مِن وراء سور/أو أسوار هي مَن تقوم بالرقابةِ على أعمال السُلطة التشريعيّة، وتفرِض عليها ما يَجب أن يُفرَض عليها أو تفرِضهُ على نفسِها هيَ، وهذا الأصل القانونيّ الذي لا استثناءَ عليه.
لذا، ولأنَّني لست هنا في معرضِ شرحٍ شاملٍ لنهجِ مَن يُسيِّرونَ/يديرونَ شؤون السُلطة التنفيذيّة، ولا التعريض بهِم، سأقِف فقط عند كلام رئيسِ الوزارء، د.بشر الخصاونة، الذي تكلَّم بهِ، يوم أمس، تحتَ قُبّة البرلمان ؛ وذلكَ لأنَّ في هذا الحديث نسف صريح لكلِّ القواعِد القانونيّة، وتأكيدٌ (وبكلِّ إرادة) على أنَّ هناكَ تقزيمٌ لكلّ القواعد القانونيّة -المكتوبة وغير المكتوبة- في هذه البِلاد، وأنّ السُلطة التنفيذيّة لا يوجَد بينَ الأُردنيينَ مِن يكون أهلا لقيادتها...وإن لَم يكُن كذلك ؛ فلماذا كان ما شاهدناهُ وسَمعناهُ أَمس..؟!
ثمةَ العديد مِن الصلاحيّات التي تُعطى لأيّ سُلطةٍ مِن السُلطات المذكورة آنفًا، وهذه الصلاحيّات، تُمارَس، مِن حيث الأصِل، بالطريقة التي تراها السُلطة المُعطاة إيّاها قادِرة على تحقيقِ المُبتغى الذي وجدَت من أجله، إلّا أنَّ هُناكَ استثناء على هذا الأصِل، يتمثَّل بمجموعةٍ مِن القُيود التي تُفرَض على صلاحيّات هذه السُلطة..وأهمّ هذه القُيود، أنَّ هذه الصلاحيّات مُعطاة لسُلطةٍ مُعيّنية بنصوصٍ قانونيّة، أي صلاحيّات قُرِّرت لجهاتٍ على سبيل الحَصر، فلا يجوز التنازُل عنها إلّا للجهاتِ المذكورة (حصرًا) في نُصوص القانون، وإن مُورِست هذه الصلاحيّات مِن قبل جهةٍ غير مُقرَّر بنصّ القانون، كانَت هذه المُمارسة معيبة بعيبِ "انعدامِ السُلطة".
وهذا ما يمكِن أن نفهمهُ مِن تنازِل السُلطة التنفيذيّة عن جُلّ أو بعض صلاحيّاتها ؛ لتُعطى لجهةٍ لا وجودَ لها في أيّ إطارٍ دستوريّ، ولا يُمكِن أن يكون لها -في يومٍ من الأيّام- أيّ وجودٍ دستوريّ ؛ وذلكَ لأنَّنا دائمًا ما نتغنّى، بأنَّنا دولةَ قانونٍ ومؤسَّسات. وكشعبٍ أُردنيّ، شيَّد دولتهُ بسواعِده، وبناها بدماءِ وعَرق أبنائه، ليسَ هذا هو ما آلمنا في هذا التّنازُل، وإنّما ما آلمنا، أنَّهُ قد ولِدَ تحت قُبّة البرلمان، ومن ثمّ المُبررات التي ذُكرَت للتّنازلِ عن هذه الصلاحيّات، وبعدَ ذلكَ التّرحيب بهِ، أي بالتّنازُل، مِن قبل أعضاء مجلِس النّواب الذيَن يُقال عنهُم بأنَّهُم يُمثلونَ الشَّعِب.
فماذا يعني أن يُقول رئيس الوزراء بأنَّ الإعفاءات نُقلِت للدّيوان ؛ لأنَّ الديوان أقدَر على إدارتها، وأنَّ هناكَ قواعد بيانات لم تتوافَر في أيّ جهةٍ أُخرى..!! أوليسَ هذا إقرار بضُعفِ أداء حُكومته، خاصةً، أنَّ هذه الإعفاءات التي يتحدَّث عنها "يحصُل عليها من لا يستحقّها". كيفَ سنثِق بحكومةٍ تعِدنا بأنَّ القادِم أجمَل، وهي في حقيقة الأمر، غير قادِرة على القِيام بواجباتها، وإيصال الخدمات لمُستحقّيها.
لقَد كَثُرت الأدلّة التي تُثبِت نجاح المساعي التي هدفَت إلى موتِ السُلطة التنفيذيّة، وأنَّها مُنذ نصف قرنٍ -تقريبًا- أُريدَ لها البقاء الجسديّ على حسابِ بقاء الرّوح والجسَد معًا، بل إنَّ أصحاب تلكَ المساعي لم يكتف بذلك. فها هُم بينَ الشّهر والآخر يصرّونَ على ضربِ السُطلة الميّتة ؛ فيُفتِّتونَ عظامها، وذلكَ مِن خلال مَن يقودونها.
إنَّ هذا نتاجَ جهودٍ مُتواصِلة لسرِقة الدّولة الأُردنيّة مِن أبنائها، وجعلها دولة مرتَعيّة لتحقيق الأطماع الفرديّة فيها مِن جهة، وساحة لتطبيق كُلّ الأجندات الدوليّة (السياسيّة، الاقتصاديّة، الاجتماعيّة) ..ها هُم يلصِقونَ بتنازلهِم عن سلطاتهم الدستوريّة لصالحِ جهاتٍ تقوم على مذهَب "الفَرد" لا مذهَب الدّولة، حججًا واهِنة، ك" فرض الرقابة على الجِهاز التّنفيذيّ" مُجمّلينَ ذلكَ بنتائجٍ مفادها "إغلاقِ بعض التصدُّعات التي تنتَهي إلى أن يستَفيد مِن
الكُلف (وهُنا، أريدُ كلفة إدارة الدّولة، وليسَ كما في حديث الرّئيس) أُناس غير مُستحقينَ لها".
أمَّا حضراتِ النُّواب، فإنّني أقول لهُم: لا نُريدُ منكُم شيئًا ؛ فما مِن شيءٍ قدّمتموه كانَ في صالحِ الوطَن والمُواطِن، بل كُلّ ما قدَّمتوه كانَ مُتعلِّقًا بتحسينِ أحوال وظُروف وُلاة نعمَتكم .لذا، واصِلوا وهمَكم، ولا تقِفوا عندَ ما يُنزع عنكُم "نُمركُم" الحمراء..تأجروا بآلام الشعبِ الأردنيّ، فلا تثريبَ عليكُم اليوم ؛ لأنّهُ شعبٌ يستحِق . حيث، مِن خلال مُشاركتهِ ب"لعبة" الصناديق، ساعدَ مَن بذلوا كُلّ ما بوسعِهم مِن أموالٍ وجُهود لإيصالكُم إلى قُبة البرلمان ؛ لألّا يشقونَ ويعذبون مِن غيركُم.
تمتّعوا بالإعفاءات، والكوبونات التي تُعطى لكُم، واشكروا أولياء نعمتكُم على البدلات التي يُعطونكُم إيّاها..لكن، تذكّروا، بأنَّنا لم نعُد نأمل منكُم شيئا. فنحنُ أدركنا بأنَّ لنا وطن مقهور، شارِد، وليسَ أمامنا إلّا أن نستميت بالدِّفاع عنهُ، وأن نُحارب كُلّ مَن تاجرَ بهِ..وسأتي اليَوم التي تُعاد فيه السُلطة التشريعيّة كسابقِ عهدها، وسيأتي يوم، ستعودُ فيه كُلّ السُلطات لأصحابها، ولن يتقلّدها مَن لا يُدرِك أهميّة التّنازُل عن صلاحيّاتِ هذه السُلطات.