2025-12-10 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

بعد خطة ترامب، إلى أين يُسيَّر الشرق الأوسط؟

أزهر الطوالبة
جو 24 :
 
 
تبدو المنطقة اليوم وكأنّها على عتبةِ تحوّلٍ استراتيجيّ عميق، يتجاوز حدودَ الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي إلى رسم ملامحٍ جديدة لموازين القوى في الشرق الأوسط بأسره. فموافقة حركة حماس على خطة ترامب، والدّخول في المرحلة الأولى منها — مرحلة المفاوضات الجارية في شرم الشيخ— ليست مُجرد خطوة تفاوضيّةٍ عابرة، بل إشارة إلى بداية إعادة ترتيب المُعادلة السياسيّة والإقليميّة وفق رؤيةٍ أميركية تتقاطع فيها المصالح الأمنيّة والاقتصاديّة مع الطموحات الجيوسياسية لدولٍ إقليميّة نافذة.

في الجوهر، لم تكُن خطة ترامب —رغم ما أُحيط بها من شعارات "السلام الاقتصادي" و"الواقعية السياسية" — سوى إعادة إنتاجٍ لاتفاقاتٍ سابقة في صيغة أكثر حدّة، تسعى إلى دمج إسرائيل نهائيًّا في المنظومة الإقليميّة، مقابل تفكيك البنية التقليدية للقضيّة الفلسطينية وتحويلها إلى ملفٍ إداري–اقتصادي. اليوم، حين تدخل حماس إلى هذه المُفاوضات، فإنّها تفعل ذلك محمّلة بإرثٍ ثقيل من الحُروب، وبحاجةٍ ماسّة إلى كسر العزلة الإنسانيّة والاقتصادية عن غزة. لكن، الثمن السياسيّ لهذه المُشاركة لا يزال غامضًا ومفتوحًا على احتمالاتٍ خطيرة.

في المُقابل، تُدرك واشنطن أنّ السيطرة على الشرق الأوسط لم تعُد ممكنة بالقوّة العسكريّة وحدها، بل من خلال هندسة علاقاته الداخليّة، وإعادة تعريف أدوار الفاعلين فيه. فمصر، التي تستضيف المفاوضات في شرم الشيخ، تُحاول أن تُكرّس نفسها كضامنٍ للتسوية، مستعيدةً موقعها المركزيّ في المعادلة الإقليميّة، بينما تسعى دول الخليج إلى موازنةٍ دقيقة بين تطبيعها المُتدرّج مع إسرائيل وبين مخاوفها من صعود محور المقاومة، خاصةً في ظلّ انكفاء الدور الإيراني النسبي بعد الضربات الاقتصادية والعسكرية الأخيرة.

أمّا إسرائيل، فهي المُستفيد الأكبر من المشهد. فالمُفاوضات تُتيح لها فرض شروطها من موقع القوّة، وتُعيد لها شرعيةً سياسيّة افتقدتها طوال العام المنصرم بعد مجازر غزة. وهي تُدرك أنّ أي اتفاقٍ مؤقتٍ أو دائمٍ مع حماس، سيُشرعن وجودها، ويُحوّل المقاومة من فاعل عسكري إلى شريكٍ تفاوضي يمكن احتواؤه.

على الجانب الآخر، تُراقب إيران وسوريا ولبنان تطوّر المفاوضات بحذرٍ شديد. إذ يعني نجاحها في فرض صيغةٍ نهائية للسلام أن ميزان الردع سينقلب رأسًا على عقب، وستُفتح المنطقة على مرحلة جديدة من "السلام الساخن” — سلامٍ تُدار فيه الصراعات بالاقتصاد والهيمنة الأمنية لا بالسلاح، في ظلّ استمرار الاحتلال بصورته "المشرعنة”.

ولعلّ الأخطر من ذلك، أنّ المشروع الأميركي الجديد لا يستهدف فلسطين وحدها، بل يسعى لإعادة هندسة الشرق الأوسط ككل، عبر إعادة تعريف الحدود السياسية للنفوذ، وضبط حركة القوى الكبرى فيه بما يخدم مصالح الطاقة والأمن البحري. من البحر الأحمر إلى الخليج، ومن شرق المتوسط إلى جبال زاغروس، يجري الآن رسم خريطةٍ أمنية–اقتصادية جديدة تُهيّئ المنطقة للدخول في مرحلة "ما بعد المقاومة” كمنظومة فاعلة.

لكن، رغم هذا المشهد المعقّد، لا يمكن القول إنّ الطريق بات معبّدًا تمامًا أمام واشنطن أو إسرائيل. فالمجتمعات العربية لا تزال تحتفظ بحساسيةٍ عالية تجاه التطبيع، والرأي العام في المنطقة لم يُستشر في أيٍّ من هذه الترتيبات. كما أنّ حماس نفسها، وإن دخلت المفاوضات مضطرة، تُدرك أنّ هامش المناورة لديها ضيّق، وأنّ أيّ تنازلٍ يمسّ جوهر القضية سيُفقدها شرعيتها في عيون شعوبها ومناصريها.

إذن، إلى أين يُسيَّر الشرق الأوسط؟ إلى مرحلةٍ جديدة من "السلام الموجّه"، تُدار فيها الصراعات بالتحكم السياسي والاقتصادي لا بالرصاص، تُبرَّر فيها الهزائم بالواقعية، ويُعاد فيها تعريف النصر كـ"اتفاقٍ يُوقّع لا كحقٍّ يُنتزع". لكنّ، التاريخ علّم هذه المنطقة أنّ كل تسويةٍ لا تستند إلى عدالةٍ حقيقية، لا تلبث أن تنفجر من جديد، لتذكّر العالم أنّ الشرق الأوسط، مهما بدا خاضعًا، لا يُمكن أن يُقاد إلى وجهةٍ لا تعبّر عن إرادة شعوبه.

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير