66 عاما على إقالة حكومة سليمان النابلسي
د. فيصل الغويين
جو 24 :
في 10 نيسان 1957 أقيلت أول وآخر حكومة ائتلاف وطني برئاسة سليمان النابلسي
•جاء تشكيل الحكومة على أثر الانتخابات النيابية التي جرت بتاريخ 21 تشرين أول 1956، والتي شاركت فيها التيارات السياسية الناشطة آنذاك، وهي :
1-التيار الإسلامي: (جماعة الإخوان المسلمين، حزب التحرير الإسلامي).
2-التيار القومي : ( حزب البعث العربي الاشتراكي، الحزب الوطني الاشتراكي، حركة القوميين العرب).
3-التيار اليساري: ( الحزب الشيوعي الأردني ، الجبهة الوطنية).
4-التيار المحافظ : ( الحزب العربي الدستوري، حزب الأمة، الحزب العربي الفلسطيني)، إضافة لعدد من المستقلين.
•كانت أول انتخابات تجري بعد تعريب قيادة الجيش وطرد كلوب الذي كان يتحكم في المشهد السياسي، ويستخدم الجيش في التصويت للقوائم التي كان يؤيد نجاحها.
•أشرفت حكومة ابراهيم هاشم على الانتخابات، ومما بشّر بنزاهتها، قرار الحكومة إلغاء حق أفراد الجيش بالمشاركة في الانتخابات.
•جاء نتائج الانتخابات لمصلحة أحزاب المعارضة، التي تمكنت من الحصول على حوالي 22 مقعد من أصل 40.
•تمكن الحزب الوطني الاشتراكي بزعامة سليمان النابلسي من الحصول على 12 مقعد.
•كلف النابلسي بتشكيل الحكومة، ليكون أول وآخر زعيم حزب معارض يتم اختياره رئيسا للوزراء، وكانت سابقة فريدة في تاريخ الأردن.
•تشكلت الحكومة على النحو التالي :
-سليمان النابلسي رئيسا للوزراء ووزيرا للخارجية (وطني اشتراكي).
-عبد الحليم النمر وزيرا للداخلية والدفاع (وطني اشتراكي).
-أنور الخطيب وزيرا للأشغال العامة ( وطني اشتراكي).
-شفيق ارشيدات وزيرا للعدلية والتربية والتعليم ( وطني اشتراكي).
-نعيم عبد الهادي وزيرا للاقتصاد الوطني (وطني اشتراكي).
-صالح المعشر وزيرا للصحة والشؤون الاجتماعية (وطني اشتراكي).
-عبد الله الريماوي وزير دولة للشؤون الخارجية (حزب البعث).
-عبد القادر الصالح وزيرا للزراعة (الجبهة الوطنية).
-سمعان داود وزيرا للإنشاء والتعمير (مستقل).
-صالح المجالي وزيرا للمواصلات (مستقل).
-صلاح طوقان وزيرا للمالية (مستقل).
•كان بيان الحكومة أمام مجلس النواب شاملا ومغطيا للسياستين الداخلية والخارجية، عاكسا ولاية الحكومة الكاملة، باعتبارها أول حكومة تستند إلى قاعدة شعبية.
•حصلت الحكومة على ثقة 39 نائبا، وحجب الثقة ممثل حزب التحرير أحمد الداعور.
كان من أبرز إنجازات الحكومة :
1-توقيع اتفاقية التضامن العربي، مع مصر وسوريا والسعودية.
2-انهاء معاهدة التحالف الأردنية – البريطانية.
3-عودة الصحافة الحزبية للعمل العلني، ورفع الرقابة عن الصحف والدوريات الخارجية.
4-عودة الأحزاب وخاصة الشيوعي للنشاط العلني.
5-الإفراج عن المعتقلين السياسيين، ولم يسجل على الحكومة قيامها باعتقالات لأسباب سياسية أو عقائدية.
6-مارست النقايات المهنية والعمالية نشاطها بحرية كاملة، وتمكن الاتحاد العام لطلبة الأردن من عقد مؤتمره العام، وشارك الطلبة في المظاهرات على نطاق واسع.
7-إصدار قانون المقاومة الشعبية، وقانون الحرس الوطني.
8-تنظيم الجهاز الحكومي ومحاربة المحسوبية والفساد، والاستغناء عن عدد كبير من الموظفين في مواقع قيادية، كان بعضهم على علاقة وثيقة بالسفارة البريطانية.
9-جرى بحث إصدار قانون من أين لك هذا؟ لكن قصر عمر الحكومة والمجلس النيابي الخامس حال دون صدوره.
•قرر الملك حسين إقالة الحكومة بتاريخ 10 نيسان، بعد أن ساهمت عدة عوامل في إحداث الخلاف والتباعد بين الحكومة والقصر، كان من أبرزها:
1-رفض الحكومة والبرلمان المطلق لمبدأ ايزنهاور، وهو المشروع الأمريكي لملء الفراغ الذي طرحه الرئيس دوايت أيزنهاور بداية عام 1957، على أثر فشل العدوان الثلاثي على مصر، وتبني الملك حسين للرؤية الأمريكية الجديدة.
2-قرار الحكومة بإقامة علاقات دبلوماسية وقنصلية مع الاتحاد السوفييتي، وهو التوجه الذي أثار غضب الملك حسين، الذي لم يصادق على القرار عندما رفعته الوزارة إليه، ثم أعيد القرار إلى رئيس الوزراء ابراهيم هاشم بعد إعلان الأحكام العرفية، وعليه شرح من الملك "لا نوافق، وينظر فيه فيما بعد".
3-النشاط الشيوعي العلني، وتجاهل الحكومة قانون مكافحة الشيوعية.
4-إقالة الحكومة لعدد كبير من المسؤولين، وشملت القائمة اللواء بهجت طبارة مدير الأمن العام، حيث تم تعيين محمود المعايطة أحد الضباط الأحرار مكانه. كما شملت الترميجات كل من بهجت التلهوني رئيس الديوان الملكي، احسان هاشم وكيل وزارة الخارجية، سعد جمعة وكيل وزارة الداخلية، زهاء الدين الحمود وكيل وزارة الداخلية لشؤون البلديات، صبحي زيد الكيلاني مدير المطبوعات والنشر، عبد الوهاب المجالي مدير الاحصاءات، اسحاق النشاشيبي وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية، والشيخ محمد أمين الشنقيطي قاضي القضاة، عبد المنعم الرفاعي سفير الأردن في لبنان، عبد المجيد مرتضى وكيل وزارة المواصلات، الدكتور يوسف هيكل سفيرالأردن في واشنطن، نبيه بولس وكيل وزارة الأشغال.
5-مناورة هاشم التي قادها نذير رشيد في 8 نيسان 1957، والتي استغلها خصوم الحكومة وخاصة بهجت التلهوني وسمير الرفاعي والشريف ناصر، لتحذير الملك من انقلاب وشيك، ووجود مؤامرة على العرش. وكانت تلك المناورة بداية لعمليات سياسية وعسكرية قادت إلى إقالة الحكومة، وإعلان الأحكام العرفية، حيث لجأ أكثر من (600 ) ضابط وناشط سياسي إلى سوريا، إضافة إلى سلسلة من الاعتقالات وفصل للنواب.
في 10 نيسان حمل بهجت التلهوني رئيس الديوان الملكي إرادة الملك باستقالىة الحكومة شفهيا، وكان يحمل كتاب الإقالة موقعا إذا ما رفض النابلسي الانصياع للتبليغ الشفهي، وبعد ساعات جاء النابلسي إلى القصر مقدما استقالته، التي جاء فيها :" لقد أبلغني بعد ظهر اليوم معالي رئيس الديوان الملكي الهاشمي رغبة جلالتكم بأن أقدم استقالة الحكومة، وتنفيذا لطلب جلالتكم أتشرف بتقديم هذه الاستقالة".
كان إقالة هذه الحكومة بداية لتعاون وثيق مع الولايات المتحدة، والتي كان لها دور بارز في تهيئة الظروف لإقالة الحكومة، التي تركت أثرا واضحا في الحقلين الداخلي والعربي، وفتحت صفحة جديدة في مجال العلاقات العربية بعيدا عن التدخل الأجنبي، إضافة لامتلاكها القرار الجريء في التعبير عن رأيها بحرية، واتخاذ القرار المستقل، والولاية الدستورية الكاملة.
ومع ذلك عانت الحكومة داخليا من ضعف التوافق، حيث كانت هناك علاقة شد مستمرة بين الوزراء وخاصة عبد الله الريماوي الذي كان يدفع باتجاه تعزيز العلاقة أكثر مع دمشق والاتحاد السوفييتي، بينما كان النابلسي يفضل التنسيق بشكل أكبر مع مصر بزعامة عبد الناصر، في سياق مرحلة شهدت استقطابا سياسيا وحرب باردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، انعكست على شكل محاورعربية قادتها بشكل أساسي، كل من مصر وسوريا من جهة، والأردن والسعودية العراق (حتى عام 1958).
على أثر إقالة الحكومة دخلت البلاد في أزمة سياسية كبيرة، استمرت حتى 25 نيسان عندما عهد الملك حسين إلى ابراهيم هاشم بتشكيل حكومة جديدة، بعد فشل كل من عبد الحليم النمر، وسعيد المفتي في تشكيل حكومة مقبولة من القوى السياسية، وتشكيل حسين فخري الخالدي حكومة في 15نيسان ما لبثت أن استقالت بعد مطالبة أغلبية النواب باستقالتها، ومعارضة الأحزاب السياسية لها، وقيام المظاهرات في الضفتين.
بادرت الحكومة الجديدة لإعلان الأحكام العرفية، وتشكيل محكمتين عسكريتين إحداهما للضفة الشرقية، والثانية للضفة الغربية، لمحاكمة الأشخاص المحالين من المدعي العام العسكري، وتم حل جميع الأحزاب، وملاحقة كوادرها وقياداتها وزجها في السجون وتعطيل الحياة النيابية، وحل لجان الإرشاد الوطني ومجالس الطلبة، والمجالس البلدية، ووضعت قوات الأمن تحت قيادة الجيش، وفرض نظام منع التجول في المدن، وعين حكام عسكريين للمحافظات وتم اعتقال المئات من السياسيين والعسكريين، كما عملت الحكومة على مصادرة الصحف والمجلات، وحظر المطبوعات الواردة من سوريا، كما قامت بفصل العديد من الموظفين ذوي الميول الحزبية وخاصة في وزارة التربية والتعليم، وأعطي لكل وزير في وزارته حق طرد أي موظف.
كان الاعتقال يتم على الشبهة، وواصل الإعلام الحكومي حملات التشهير بالأحزاب السياسية، وتحميلها فشل التجربة الديمقراطية، وتم القضاء على كل أشكال رقابة السلطة التي بدأت في الظهور، وجرى إعادة كبار الموظفين والمسؤولين الذين عزلوا في عهد حكومة النابلسي إلى وظائفهم، فتراجع العمل الوطني العام، بعد أن أعيدت السلطة إلى مؤيدي مشروع أيزنهاور، وتشوّه التطور المفترض للبناء السياسي للمجتمع، وقطع طريق تطور الفكر السياسي الأردني باتجاه ديمقراطي، وتم فرض الإقامة الجبرية على سليمان النابلسي في منزله لمدة أربع سنوات.
كانت مرحلة حكومة النابلسي خاتمة مرحلة أردنية ساخنة ابتدأت منذ عام 1953 وانتهت في نيسان 1957، وهي في الواقع الاستثناء الوحيد على ست وثلاثين حكومة سبقتها في أنها الحكومة الأولى التي تشكلها الأغلبية الحزبية.