آثار اقتصادية واجتماعية مدمرة.. رفع فوائد البنوك بأثر رجعي يضرّ عشرات آلاف الاسر الاردنية
جو 24 :
د. مَحْمُود أبُو فَروةَ الرَّجَبي *
" أبقى مُستلقيًا فِي الفراش لخمس ساعات حَتَى أستطيع أن أنام وأنا أفكر كَيْفَ سأدبر مصاريف أطْفَالي السَّبْعَة بَعْدَ أن زَادَ البنك أقساط قرضي" بِهَذِهِ الجُمْلَة ابتدأ السَّيِّد نادر العجارمة – مُتَقاعِد عسكري – كلامه، بحرقة، واصفًا مَا يَحْصُل مَعْهُ بَعْدَ الرفعات المتتالية للأقساط مِن قبل البنك، وهوَ لَيْسَ حَالة نادرة، فَهُنَاكَ عدد كَبِير مِن الأردنيين يُعَانُون مِن رَفَعَ فَوَائد أقساط البنوك بأثر رجعي، ويكافحون مِن أجل تَوْفِير قوت يومهم لعائلاتهم، وَقَدْ جاءت صدمات الرفع المتتالي للفوائد البنكية، سواء مِن خِلالَ زيادة مدة القرض، أو قيمته الشهرية، لتزيد هَذِهِ المعاناة، ويعبر كَثِير مِن المقترضين عَنْ القلق النفسي مِن زيادة صعوبات المعيشة بِسَببِ هَذَا الأمر، وَوَصَلَ بالبعض إلَى التعبير عَنْ الأمر بالكارثة الحقيقية.
وبحسب بيانات البنك المركزي الأردني، وَصَلَ عدد المقترضين الأفراد مِن البنوك الأُرْدُنِيَّة إلَى أكثر مِن مليون ونِصْف المليون مقترض، استفادوا فِي الفترات الـمَاضِيَةِ مِن عروض البنوك، وأسعار الفَوَائِد المعتدلة، وَقَدْ وصلت مديونيتهم كأفراد إلَى مَا يَقْرُب مِن 12 مليار دينار.
وينتقد بَعْض المتضررين البنك المركزي وَمِنْهُم مَحْمُود أبُو رَجَب- لسماحه للبنوك برفع مثل هَذِهِ الفَوَائِد رَفَعَ فَوَائد البنوك بأثر رجعي رَغْمَ وجود قَرَارَات لمحكمة التمييز فِي هَذَا الـمَجَال – حسب بَعْض المقترضين-، ورَغْمَ تواصلنا لعشرات الـمَرَّات مَع البنك المركزي لتوضيح ذَلِكَ، ولكننا لَمْ نجد أي إجابة مِنْهم.
شرعية رَفَعَ الفَوَائِد بأثر رجعي
يستغرب مَحْمُود أبُو رَجَب صدور قَرَارَات مِن مَحْكَمَة التمييز تبين عدم مشروعية رَفَعَ الفَوَائِد عَلى المقترضين بأثر رجعي (أي عَلى القروض المأخوذة مسبقًا)، وَعِنْدَما اتَّصَل بالبنك المركزي شاكياً أجابته الموظفة المعنية أن هَذَا القرار فردي، ولا ينطبق عَلى جَمِيع المقترضين، فَشَعَرَ بِالإحباطِ، ورَغْمَ أنه يَعْمَل يوميًا للرابعة مساء، وَلَكنَّهُ يَبْحَث عَنْ عمل آخر مِن أجل تَوْفِير أي مبلغ يعوض مَا تَمَّ رفعه عَلَيْهِ مِن أقساط بِسَببِ الفَوَائِد.
ويعارض الدُّكْتور مَاهِر المحروق مدير عام جمعية البنوك فِي الأرْدُن مَا يردده البَعْض حول عدم شرعية رَفَعَ الفَوَائِد مِن الناحية القَانُوُنِيَّة بناء عَلى قَرَارَات مَحْكَمَة التمييز، فَهْوَ يَقول "هناك قضية واحدة حصلت في عام 2019، رُفعت وقتها على بنك معين في ظرف محدد ومعطيات معينة، وفي تلك الحالة لم يكن من حق البنك رفع السعر، وما تغافل عنه من يتحدثون عن ذلك هو صدور عشرات القرارات التي تحدد أن العقد شريعة المتعاقدين، وآخر قرار صدر في شهر 11- 2022، وله علاقة بالفوائد، ويحدد أن الأولى بالتطبيق هو العقد".
قَرَارَات مَحْكَمَة التمييز حول رَفَعَ الفائدة للعقود السَّابِقَة
وَيُخَالِف الدُّكْتور فِي القانون أشرف الراعي مَا ذَهَب إليهِ المحروق، وَيَقول إن هُنَاكَ "العديد من القرارات الصادرة عن محكمة التمييز الأردنية الموقرة، ومحاكم الاستئناف حسمت القضية لجهة عدم أحقية البنك القيام بهذا الإجراء الذي يخالف النصوص الصريحة لقانون البنك المركزي الأردني من جهة، وللنصوص القانونية التي تحكم فكرة التعاقد برمتها".
وأضاف الراعي أن: "العقد هو ارتباط الإيجاب الصادر عن أحد المتعاقدين بقبول الآخر وتوافقهما على وجه يثبت أثره في المعقود عليه، وهو أمر لا يتحقق عندما يقوم البنك بتعديل نسبة الفائدة بإرادة منفردة؛ إذ ينسف ذلك مبدأ مهماً في القانون وهو رضائية العقد، فينقلب العقد إلى عقد إذعان يذعن فيه الطرف الأضعف (المدين) إلى إرادة الطرف الأقوى (الدائن) وهُوَ البنك".
وينفي المحروق ذلِكَ وَيَقُول: "إن وصف العقود ما بين البنوك والمقترضين بأنها عقود إذعان غير دقيقة، فهي عقود معدة بمنتهى الدقة، والشفافية، والوضوح وخاضعة لتعليمات ورقابة من قبل البنك المركزي، وهذا العقد هو ما ينظم هذه العلاقة وبناء عليها يحدد دورية تعديل سعر الفائدة ومتى يتم زيادة او تقليل الفائدة حسب الفترة المحددة بالعقد وباتفاق الطرفين، وبعدها يتم تعديل سعر الفائدة بتاريخ التعديل المتفق عليه والذي يكون سنوي او نصف سنويا او ربع سنوي حسب الاتفاق؟".
وَحَول قيام المقترضين بالتوقيع عَلَى تَعْدِيل الفائدة، أشار الراعي إلى عدم جواز الاتفاق على فائدة محددة وتعديلها لأن الآثار الناجمة عن القرارات الإدارية تسري على الوقائع اللاحقة ولا تنسحب على الماضي، وأي قرار من البنك المركزي بتعديل سعر الفائدة يفترض أنه يسري على المستقبل وليس على الماضي، وهو ما قررته المادتين 43 و 44 من القانون".
رعب الدولرة والبنك المركزي
من جهته أشار أ. فهمي الكتوت. السياسي والباحث الاقتصادي إلى أن تخوف البنك المركزي الأردني مما يَعْرِف بالدولرة ، أي استبدال أموال المدخرين من الدينار الأردني إلى الدولار مشروعة، خاصة أن نسبة التضخم فِي الأرْدُنّ بلغت نَحْوَ 4.5%، لَكِن القطاع المصرفي استخدم رفع سعر الفائدة بزيادة العبء على المقترضين أفْرادًا وشركات، مما أثر سَلبًا على الاقتصاد الأردني، وضعف القدرة الشرائية للمواطنين المقترضين".
ويشدد الكتوت عَلَى أنه عَلَى البنك المركزي الأردني منع البنوك من إصدار عقود تفرض على الطرف الأضعف(المقترض) بحقه رفع الفائدة متى شاء. وتوجيه السياسة النقدية لتحفيز الاستثمار وتحقيق النمو الاقتصادي المنشود، بتخفيض الفوائد والعمولات والرسوم ومختلف مسميات الخدمة المصرفية. وإلغاء العمولات المفروضة على التسديد المبكر للقروض، وتقديم تسهيلات ائتمانية تفضيلية للقطاعات الإنتاجية وخاصة الصناعة والزراعة والسياحة وتكنولوجيا المعلومات.
الآثار الاجتماعية
هُنَاكَ آثار اقتصادية واجتماعية عَلَى المقترضين. الصحفي باسم سكجها كتب فِي بدايات هَذَا العام عَلى صفحته فِي (الفيس بوك) منشورا حول هَذَا الأمر مرفقا بلقطة شاشة تبين رسالة وصلته عَلى هاتفه النَّقال تبين أنه تَمَّ تعديل سعر الفائدة عَلى القرض الممنوح لَهُ وأن تاريخ انْتِهَاء القرض زَادَ، وأشار إلَى مُشْكِلة أن مدة القرض زادت بِشَكْل كَبِير.
ولا تَقِف الشَكْوَى مِن رَفَعَ الفَوَائِد بأثر رجعي عِنْد صحفي مثل سكجها، فيقول الضَابِط المتقاعد الحاصل عَلى قرض سكني (سليمان الطعاني) إن راتبه التقاعدي يتآكل، وَأصْبَحَ لا يفي بالمتطلبات الحياتية اليَوْميِّة، وخاصة أن لَدَيْهِ شابين عاطلان عَن العَمَل، ويشير إلى توترات، وقلق شَدِيد فِي البَيْت وأنه لَمْ يعد حَتْى قَادِرًا عَلَى التفكير بِالذهابِ مَع العائلة إلى رحلة خاصة مَع حلول شهر الصيف بِسَبَب ذلِكَ.
من جهته انتقد الدكتور عبد المهدي القطامين الَّذِي يصف نَفْسه بأنه إعلامي ومقترض مسحوق، رفع الفائدة بأثر رجعي، وأشار إلى أن هَذَا الرفع أدى الى تآكل دخول المواطنين ورتب عليهم انفاقات جديدة غير مبرمجة مما جعلهم مكشوفي الدخل فاقدي القدرة على الوفاء بمتطلبات الحياة والمعيشة، وَنَوَّه إلَى أن هَذَا سيخلق حالة من الالم النفسي لدى المقترضين ما يهدد السلم المجتمعي بكامله.
وَهَذَا مَا يؤكد نادر العجارمة الَّذِي يَشْكُو مِن أنه لا يَسْتَطِيع شراء الحليب لأطفاله الصغار، وَيَشْعُر بالإحراج عِنْدَما يطلب مِنْهُ طفله أن يشارك فِي فطور جماعي فِي الـمَدْرَسَة، فَلا يَجِد مَعْهُ ثمنًا لِهَذَا الفطور، وهوَ يدرك إن عدم مشاركة ابنه فِي هَذَا النشاط يجعله يَشْعُر بالنقص أمَام زملائه.
متاعب اجتماعية ونفسية مُتَعددة
أستاذ علم الاجتماع د. حسين الخزاعي أكد عَلَى أن رفع الفوائد عَلَى المقترضين قَدْ يؤدي إلى متاعب اجتماعية ونفسية، وانعزال، وخوف دائم لَدَى المقترض، وعدم القُدْرَة عَلَى دفع تَكَالِيف الْحَياة الـمُخْتَلِفَة، بَلْ وهروب البَعْض إلى خارج البلد نتيجة التعثر، وإلى زيادة البطالة بِسَبَب زيادة إفلاس الشَّرِكَات، وَكَذلِكَ قَدْ يزيد الجَرِيمَة الاقتصادية والأخلاقية.
ربط الدينار بالدولار إلَى مَتَى؟
يتساءل كثيرون إلَى مَتَى سيبقى المواطن أسيرًا لرفعات مُتَتَالِية للفوائد، نتيجة رَفَعَ البنك الفدرالي الأمريكي، وينتقد الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت ذَلِكَ، وَيَقول: "إن " ارتباط رفع سعر الفائدة فِي الأرْدُن بِما يَحْصُل فِي أمريكا دُونَ مراعاة الفروق بين البلدين، وَيَكْفِي القول إن نسبة الفائدة في الولايات المتحدة كانت صفرية قبل البدء بالرفع في آذار 2021، في حين أن نسبة الفائدة في الأردن قبل الرفع تقدر بين 7- 9 % ، أقل او أكثر قليلًا. ويؤكد الكتوت أن الإجراء الأميركي لخفض معدلات التضخم التي وصلت إلى أكثر من 9% في حزيران العام الماضي، وهو إجراء يحمل في طياته كبحًا للنمو الاقتصادي. ما يحول أدوات معالجة الأزمة إلى تفاقمها، وخير دليل على ذلك الانهيارات التي نشهدها في القطاع المصرفي، وهي مؤشرات تعكس مظاهر إنفجار الأزمة العامة في الاقتصاد العالمي.
لا بُدَّ مِن حل؟
يَنْتَظِر مَحْمود أبو رجب، ود. عبد المهدي القطامين وغيرهم قَرارًا للبنك المركزي الأردني ينصف المواطن الأردني، وَيَضَع حداً لرفع البنوك الفوائد بأثر رجعي (عَلَى العقود السَّابِقَة لتاريخ رفع البنك المركزي)، ويتساءل كثير من النَّاس عَن الوَقْت الَّذِي نتوقف فِيهِ فِي بَلَدنَا عَن التبعية للسياسة الرأسمالية، وربط الدينار بالدولار، واتخاذ قرارات اقتصادية لا عَلاقَة لَهَا بالمعطيات الداخلية، وتعتمد عَلَى ما يَحْصل فِي بَلَد أخْرَى تختلف عنَّا فِي كل شَيء.
فسياسة الرفع المتالية للفائدة عَلى العقود السَّابِقَة تُرْهِق المقترضين، وتقلل مِن السيولة فِي الأسواق مِمَّا يُؤدِّي إلَى مزيد مِن الركود، إضافة إلَى أنها تزيد مِن خطر إفلاس الشركات، وتعثر المشاريع الصَغيرَة الَّتِي تُوفِر لأبناء وبنات الطبقات الاجتماعية الـمُتَواضِعَة دخلاً يقيهم حاجة النَّاس، ناهيك عَنْ الإضرار النَّفْسِيَّة والعواقب الاجتماعية، لِذلِكَ فإنَّ إعادة الفائدة عَلى العقود القَدِيمة إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ سَابقًا سيوفر سيولة تُساهِم فِي تحريك السُّوق الأردني، وتقلل مِن العواقب عَلى اقتصاد يُعَاني أصلًا مِن مُشْكِلات عديدة.
يَشْعُر د. عبد المهدي القطامين، وسليمان الطعاني، ومحمود أبُو رَجَب وغيرهم باليأس مِن الـمُسْتَقْبَل، وَالخَوْف مِن القَادِم بِسَببِ زيادة فَوَائد البنوك، وينظر نادر العجارمة إلَى الأمام وَيَقول: (لا أمل.. يُمْكِنُ يجي يَوْم نعطي كل راتبنا للبنك، ونتمنى الخبزة وَمَا نلاقيها)، ويتنهد بِحَسْرَة مُنتظرًا مِن يحمي المواطن مِن ربط الاقتصاد بالرأسمالية العالَمَيَّة الَّتِي لا ترحم المسحوقين.
** بالتعاون والشراكة بين شبكة الاعلام المجتمعي ومكتب تونس لمؤسسة فريدريش إيبرت، من خلال مشروعه الإقليمي سياسات اقتصادية من أجل عدالة اجتماعية