jo24_banner
jo24_banner

الفنان عبد الحي مسلم ينحاز للتراث وينتصر للتلقائية

الفنان عبد الحي مسلم ينحاز للتراث وينتصر للتلقائية
جو 24 :

حين يتعلّق الأمر بالفنان الفلسطيني عبد الحيّ مسلّم تختلف المعادلات كلها؛ إذ في الوقت الذي ينطوي فيه فنّه على فرادة خاصة لا تتأتّى لغيره، فإنه لا يستخدم معاييرا ونظريات مُعلّبة ولا أُخرى مفرطة في الحداثة ولا هو حتى يُفلسف فنّه أو يُخضعه لغير المعيار الفطري. وفي الوقت الذي يتمتع فيه بمكانة فنية لا يُنازعه عليها أحد، فإنه لم يحدث أن تشدّق بلقب «فنان» كثيرا ولا هو حتى يصرّ عليه.. بإمكانك ببساطة أن تناديه «العمّ عبد الحيّ»، أيّاً كان عُمرك..

بساطة مسلّم وفلسطينيته التلقائية، ليس على صعيد التعاطي مع جمهوره فحسب، بل وفي صلب فنه، ضمنت له مصداقية عالية طوال عقود، كما حدث أول من أمس في افتتاح معرضه الاستعادي الجديد في منتدى الرواد الكبار؛ إذ الاحتفاء اللافت به وبلوحاته ليُعدّ قاسما مشتركا بين المثقفين والمختصين الفنيين وحتى أولئك الذين لا يعلمون شيئا عن مدارس الفن، تماما كما مسلّم الذي يُكرّر دوما بأنه لم يحدث أن تلقّى الفنون أكاديميا.

يقول «مزجت نشارة الخشب بالغراء، وشكّلت تلك النماذج. لونتها في البداية بأصباغ الخشب؛ إذ لم أكن قد تعرفت بعد على تلك الألوان التي يستخدمها الفنانون. ما غيّرت من أدواتي يوما؛ إذ لا أتقن الرسم بالريشة. فقط هي نشارة الخشب التي تحتاج صبرا وافرا؛ ما قد يفسر عدم استعمالها من قِبل أحد غيري».

مسلّم، الذي رحل وهو ما يزال يافعا بعد عن قريته «الدوايمة»، التي شهدت مجزرة وتهجيرا ما تزال الذاكرة الفلسطينية تحفظها حتى الآن، أهدى جمهوره، في معرضه الأخير كما معارضه كلها، لوحات تخلّد التراث الكنعاني منذ قديم الزمان وحتى النكبة ومن ثم النكسة ومرحلة بيروت وليس انتهاء بجدار الفصل العنصري، عبر النحت والتجسيم والألوان الزاهية التي كانت تصبغ ثوب الخليل على وجه الخصوص، مستعينا أيضا بأبيات من الشِعر ينثرها على صدر لوحاته.

يملك مسلّم إعادة تلك الأيام سيرتها الأولى؛ إذ يستثمر المَشاهد التي حفظتها ذاكرته عن ظهر قلب، فيصوغ أثوابا وقنابيز ودبكات ومناسبات اجتماعية كحفلات الموالد والطهور والحنّاء والأعراس والزفة، لينتقل من أيام الوداعة تلك إلى المُلمّات التي صبغت أيام الفلسطينيين منذ تجبّر الأتراك بهم مرورا بالإنجليز ومن ثم العصابات اليهودية فالجيش الإسرائيلي، ليستعرض على سبيل المثال لا الحصر مجزرة مخيم جنين ومحرقة غزة التي تجدّد نفسها دوما، ليتطرّق حتى للأيادي التي عملت في الخفاء فتلطّخت بدم الشهيد ناجي العلي في لندن.

مسلّم، المولود في العام 1933، لا ينفكّ يسأل من حوله «شو الواحد بده يتذكر ليتذكر؟ من يوم اللي انولدت وأنا كربلائي من اللي شفته».. لتنثال ذكرياته الشخصية بعدها، فيتحدث عن حكاية سَمِعها مرارا من صاحبها في مضافة القرية وهي أنه مشى من اليمن للدوايمة ستة أشهر على قدميه بعدما ساقه الأتراك للسفر برلك. ولينتقل مسلّم بعدها لما اختزنته ذاكرته الغضة في حينها من مشاهد ثورة 1936 ومن ثم مشاهد المجازر والتهجير فالمخيمات والحروب التي شارك بها حين حمل مارتينته وانطلق للنضال.

يقول بعفوية «أحسب أني قد خدمت القضية الفلسطينية في حدود إمكاناتي. ما خططت للوحة يوما ولا فكرت فيها بأي حسابات كانت، بل كنت أستند إلى الحدث الذي يضغط على مخيلتي لأضعه على اللوحة، ومن ثم أحتكم إلى نظرة التوازن العفوية، وإلى قليل من الخيال المستند إلى واقع»، مكملا «الفن رديف البندقية، وفي حالتنا الفلسطينية تحديدا لا بد من توثيق كل شيء؛ إذ التهجير يتربص بالذاكرة من جهة والانتحال الإسرائيلي لكل ما هو فلسطيني، من جهة أخرى»."الدستور"

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير