لمن ما يزالون يحلمون!
محمد أبو رمان
جو 24 : "صيد عدسة" الزميلة "العرب اليوم" لرسالة رئيس مجلس النواب، عبدالكريم الدغمي، إلى رئيس الوزراء فايز الطراونة، ورد الأخير عليها، كان حديث النخب السياسية أول من أمس. إذ تلقّى خالد الكلالدة وموسى المعايطة وجميل النمري فيضاً من مكالمات الأصدقاء والمعلقين، فامتزجت التعليقات بالسخرية وإطلاق النكت في حالة أقرب فعلاً إلى "الكوميديا السوداء".
لم تكن المفاجأة في رسالة عبدالكريم الدغمي إلى رئيس الوزراء، التي يمكن تمريرها على مضض بوصفها "دعابة سياسية" من الوزن الثقيل، بل "الفاجعة" التي صدمت النخب في رد الرئيس، والذي جاء أقرب إلى "فشّة الغل"، لكنه يلخّص عمق المأزق السياسي الحالي، بأن يعهد إلى حكومة محافظة حتى النخاع، ورئيس لا يعترف بالثورات الديمقراطية العربية وينتمي إلى الحقبة التقليدية، بأن يدير مرحلة تتطلب فريقاً إصلاحياً لينقذ البلاد من أزماتها ويضعها على سكّة المستقبل!
المفارقة تكمن في أنّ هذه ليست الرسالة الأولى التي "يقع" فيها الرئيس، إذ سبقها اصطياد الكاميرا لرده على رسالة عبدالله النسور، حول عدد الأصوات التي تكفي الحكومة لنيل الثقة، وشعر فيها الرأي العام بمدى استخفاف الحكومة بالبرلمان، وبقصة الثقة النيابية التي أصبحت هي الأخرى مادة للنكت والتندّر، بدلاً من أن تكون عنواناً للديمقراطية وقيمة المسؤولية والمساءلة!
ربما نفهم أن يكون غضب هذه "الطبقة" من زكي بني ارشيد أو رحيل غرايبة ومن الحراك الشعبي الجديد، الذي جاء طرحه في الاتجاه الآخر لقناعاتها. لكن أن يطاول الغضب مجموعة من السياسيين المعروفين باعتدالهم وعقلانيتهم، مثل موسى المعايطة، وزير التنمية السياسية الأسبق، أو النائب جميل النمري، أو حتى خالد كلالدة، الذي خرج من اليساريين من يتهمه بـ"الليبرالية!"، فإنّ هذه "العقلية" تؤكّد بالوجه الشرعي والقطعي بأنّ انقلاباً حدث على "نوايا" الإصلاح السياسي!
منذ الأسابيع الأخيرة لحكومة عون الخصاونة، وتحديداً مع أحداث الدوار الرابع واعتقالاته، ثم الحكومة الجديدة ورسائلها السياسية المعلنة، ورسائل الرئيس "المصطادة"، وما رافق ذلك من عمليات حشد وتعبئة وحملات على قاعدة "الولاء" (ضد من؟!)، والتلويح بالعودة إلى "الصوت الواحد"، كل تلك التطورات كانت بمثابة "استدارة كاملة" تكرّست مع هذه الحكومة، ورهانات جديدة تشكّلت معها!
ما يحدث، باختصار، على حد تعبير الصديق خالد رمضان، هو "ترميم للمعسكر البيروقراطي-التقليدي"، وتسليم الأمور له وللمنظور الأمني، في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين والحراك الشعبي، وهو ما يفسّر العودة إلى "الحرس القديم" وتسليمهم "عهدة" المرحلة الحالية، على فرضية أنّهم الأقدر على مخاطبة القاعدة الاجتماعية الواسعة في المحافظات، وتهدئتها، والتعامل معها وفقاً للأدوات التقليدية المعروفة، (بالطبع هي فرضية خاطئة تماماً).
أحسب أنّ "رسائل الطراونة" الثمينة لم تضف إلاّ مبرّراً جديداً للشارع الأردني لئلاً يهدر وقته في انتظار "مسرح الثقة" أمس، بعد أن فقدنا حتى متعة الضحك في مشاهدة طريقة النواب في التصويت على الثقة (المعروفة سلفاً)! فبلا شك، أي أمر يقوم به المرء سيكون أكثر فائدة، على الأقل لأصحاب القلوب الضعيفة القلقين على وطنهم، وللواهمين ممن ما يزالون يحلمون بربيع ديمقراطي أردني، حتى لا يجلسوا أمام الشاشة يضربون كفّاً بكفّ ويتحسّرون!
نشكر الزميل محمد الرفايعة، مصوّر "العرب اليوم"، إذ كانت رسالة الرئيس الطراونة صيداً ثميناً فعلاً، لا نحتاج بعدها إلى عبء التحليل والتفكير وربط الأحداث، القصة اليوم واضحة للجميع.
الغد
لم تكن المفاجأة في رسالة عبدالكريم الدغمي إلى رئيس الوزراء، التي يمكن تمريرها على مضض بوصفها "دعابة سياسية" من الوزن الثقيل، بل "الفاجعة" التي صدمت النخب في رد الرئيس، والذي جاء أقرب إلى "فشّة الغل"، لكنه يلخّص عمق المأزق السياسي الحالي، بأن يعهد إلى حكومة محافظة حتى النخاع، ورئيس لا يعترف بالثورات الديمقراطية العربية وينتمي إلى الحقبة التقليدية، بأن يدير مرحلة تتطلب فريقاً إصلاحياً لينقذ البلاد من أزماتها ويضعها على سكّة المستقبل!
المفارقة تكمن في أنّ هذه ليست الرسالة الأولى التي "يقع" فيها الرئيس، إذ سبقها اصطياد الكاميرا لرده على رسالة عبدالله النسور، حول عدد الأصوات التي تكفي الحكومة لنيل الثقة، وشعر فيها الرأي العام بمدى استخفاف الحكومة بالبرلمان، وبقصة الثقة النيابية التي أصبحت هي الأخرى مادة للنكت والتندّر، بدلاً من أن تكون عنواناً للديمقراطية وقيمة المسؤولية والمساءلة!
ربما نفهم أن يكون غضب هذه "الطبقة" من زكي بني ارشيد أو رحيل غرايبة ومن الحراك الشعبي الجديد، الذي جاء طرحه في الاتجاه الآخر لقناعاتها. لكن أن يطاول الغضب مجموعة من السياسيين المعروفين باعتدالهم وعقلانيتهم، مثل موسى المعايطة، وزير التنمية السياسية الأسبق، أو النائب جميل النمري، أو حتى خالد كلالدة، الذي خرج من اليساريين من يتهمه بـ"الليبرالية!"، فإنّ هذه "العقلية" تؤكّد بالوجه الشرعي والقطعي بأنّ انقلاباً حدث على "نوايا" الإصلاح السياسي!
منذ الأسابيع الأخيرة لحكومة عون الخصاونة، وتحديداً مع أحداث الدوار الرابع واعتقالاته، ثم الحكومة الجديدة ورسائلها السياسية المعلنة، ورسائل الرئيس "المصطادة"، وما رافق ذلك من عمليات حشد وتعبئة وحملات على قاعدة "الولاء" (ضد من؟!)، والتلويح بالعودة إلى "الصوت الواحد"، كل تلك التطورات كانت بمثابة "استدارة كاملة" تكرّست مع هذه الحكومة، ورهانات جديدة تشكّلت معها!
ما يحدث، باختصار، على حد تعبير الصديق خالد رمضان، هو "ترميم للمعسكر البيروقراطي-التقليدي"، وتسليم الأمور له وللمنظور الأمني، في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين والحراك الشعبي، وهو ما يفسّر العودة إلى "الحرس القديم" وتسليمهم "عهدة" المرحلة الحالية، على فرضية أنّهم الأقدر على مخاطبة القاعدة الاجتماعية الواسعة في المحافظات، وتهدئتها، والتعامل معها وفقاً للأدوات التقليدية المعروفة، (بالطبع هي فرضية خاطئة تماماً).
أحسب أنّ "رسائل الطراونة" الثمينة لم تضف إلاّ مبرّراً جديداً للشارع الأردني لئلاً يهدر وقته في انتظار "مسرح الثقة" أمس، بعد أن فقدنا حتى متعة الضحك في مشاهدة طريقة النواب في التصويت على الثقة (المعروفة سلفاً)! فبلا شك، أي أمر يقوم به المرء سيكون أكثر فائدة، على الأقل لأصحاب القلوب الضعيفة القلقين على وطنهم، وللواهمين ممن ما يزالون يحلمون بربيع ديمقراطي أردني، حتى لا يجلسوا أمام الشاشة يضربون كفّاً بكفّ ويتحسّرون!
نشكر الزميل محمد الرفايعة، مصوّر "العرب اليوم"، إذ كانت رسالة الرئيس الطراونة صيداً ثميناً فعلاً، لا نحتاج بعدها إلى عبء التحليل والتفكير وربط الأحداث، القصة اليوم واضحة للجميع.
الغد