الأخلاق الموروثة والمكتسبة من الاستبداد
طاهر العدوان
جو 24 : حيال ما آلت اليه الاوضاع في سوريا وغيرها من دول الربيع العربي تطرح تساؤلات يرددها كثير من الناس، مثل ما كتبه احد القراء الكرام في تعليق على احد مقالاتي حول الحرب الأهلية والانقسام الطائفي في سوريا بقوله لماذا لم تظهر هذه الانقسامات في عهد آل الأسد، الأب والابن ؟. ومن التساؤلات الأخرى: الم يكن الوضع افضل في هذه البلدان قبل الربيع العربي؟.
مثل هذه التساؤلات طبيعية ومشروعة في ظل التكلفة المؤلمة والباهظة لمسألة التغيير التي رفعتها الجماهير في هذه البلدان خاصة في سوريا وليبيا ومصر التي تعاني من تدهور الامن والاستقرار بل ومن ما يتهدد وحدة الشعوب وترابها الوطني. لكن من غير الطبيعي اختصار توصيف هذا الاضطراب العظيم الذي يجتاح العالم العربي منذ ثلاثة أعوام في مسألة الاصطفاف مع بشار الأسد او المعارضة، ومع الاخوان المسلمين او السيسي، بينما ما يحدث منذ عام ٢٠١١ اكبر بكثير، لانه ليس مسالة خلاف بين نخب وقوى سياسية في انتخابات رئاسية او برلمانية، إنما هي سلسلة من الأحداث تفرضها المواجهة بين الجماهير في الشوارع وما يتولد بين صفوفها من تجمعات وطبقات تتصارع مع بعضها او مع من يمسك بالسلطة.
الكلفة الباهظة والدموية لمسألة التغيير السياسي في بلدان الربيع العربي تفرض الابتعاد عن اختزال الأحداث بأوصاف المؤامرة، ومع زيد ضد عمرو، ومواجهة هذا الحدث التاريخي الكبير بالبحث في جذور الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يساعد في تفسير ما يجري، على الأقل مراجعة الواقع التاريخي للفترة الممتدة من بدايات الاستقلال الوطني ورسوخ ( شرعية ) الانقلابات العسكرية في الحكم الذي قطع الطريق على التطور الطبيعي الذي يتدرج في البناء الديموقراطي من القاعدة الى القمة.
في هذا الجانب يمكن الجزم بنعم في مسألة وجود انقسامات سياسية واثنية وطائفية في سوريا خلال حكم آل الأسد لكنها وجدت تحت السطح وهي موجودة بدرجات مختلفة من نظام الى آخر. لقد كانت المرحلة الذهبية لوحدة الشعوب ومطالب الأمة بالوحدة، في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي التي شهدت فترة الذروة من النضال تحت رايات الاستقلال الوطني والوحدة العربية، لكن فشل دول الاستقلال في بناء انظمة تقوم على الانتخاب المباشر الحر وتداول السلطة ديموقراطيا ادى الى اختلالات ضربت عميقاً في جذور وحدة المجتمعات في ظل الاستبداد والحكم الفردي، وتغييب دولة المواطنة لحساب الدولة الأمنية بلا مشروعيتها الانقلابية.
كان المرجل العربي يغلي قبل ٢٠١١ وبعد ان رفع الربيع العربي الغطاء عنه تولدت انفجارات شعبية غير مدروسة ولا مسيسة، فخرج من هذا القدر كل هذه الفوضى والانقسامات، وثقافة الانتماءات الصغيرة والهويات الفرعية المنتشرة على حساب ثقافة المواطنة للدولة الجامعة، وهنا اقتبس بعض ما كتبه احد كبار الإصلاحيين العرب في مطلع القرن الماضي وهو الشيخ محمدرشيد رضا ابن بلاد الشام وتلميذ الكواكبي ومحمد عبده « ان الشعوب التي تنشأ في مهد الاستبداد وتساس بالظلم والاضطهاد تفسد أخلاقها وتذل نفوسها ويذهب بأسها وتضرب عليها الذلة وتألف الخضوع.
واذا طال عليها أمد الظلم تصير هذه الأخلاق موروثة ومكتسبة كالغرائز الفطرية، فاذا أخرجت صاحبها من بيئتها، الفيته ينزع بطبعه إليها، وهذا شأن البشر «.
(الرأي)
مثل هذه التساؤلات طبيعية ومشروعة في ظل التكلفة المؤلمة والباهظة لمسألة التغيير التي رفعتها الجماهير في هذه البلدان خاصة في سوريا وليبيا ومصر التي تعاني من تدهور الامن والاستقرار بل ومن ما يتهدد وحدة الشعوب وترابها الوطني. لكن من غير الطبيعي اختصار توصيف هذا الاضطراب العظيم الذي يجتاح العالم العربي منذ ثلاثة أعوام في مسألة الاصطفاف مع بشار الأسد او المعارضة، ومع الاخوان المسلمين او السيسي، بينما ما يحدث منذ عام ٢٠١١ اكبر بكثير، لانه ليس مسالة خلاف بين نخب وقوى سياسية في انتخابات رئاسية او برلمانية، إنما هي سلسلة من الأحداث تفرضها المواجهة بين الجماهير في الشوارع وما يتولد بين صفوفها من تجمعات وطبقات تتصارع مع بعضها او مع من يمسك بالسلطة.
الكلفة الباهظة والدموية لمسألة التغيير السياسي في بلدان الربيع العربي تفرض الابتعاد عن اختزال الأحداث بأوصاف المؤامرة، ومع زيد ضد عمرو، ومواجهة هذا الحدث التاريخي الكبير بالبحث في جذور الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يساعد في تفسير ما يجري، على الأقل مراجعة الواقع التاريخي للفترة الممتدة من بدايات الاستقلال الوطني ورسوخ ( شرعية ) الانقلابات العسكرية في الحكم الذي قطع الطريق على التطور الطبيعي الذي يتدرج في البناء الديموقراطي من القاعدة الى القمة.
في هذا الجانب يمكن الجزم بنعم في مسألة وجود انقسامات سياسية واثنية وطائفية في سوريا خلال حكم آل الأسد لكنها وجدت تحت السطح وهي موجودة بدرجات مختلفة من نظام الى آخر. لقد كانت المرحلة الذهبية لوحدة الشعوب ومطالب الأمة بالوحدة، في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي التي شهدت فترة الذروة من النضال تحت رايات الاستقلال الوطني والوحدة العربية، لكن فشل دول الاستقلال في بناء انظمة تقوم على الانتخاب المباشر الحر وتداول السلطة ديموقراطيا ادى الى اختلالات ضربت عميقاً في جذور وحدة المجتمعات في ظل الاستبداد والحكم الفردي، وتغييب دولة المواطنة لحساب الدولة الأمنية بلا مشروعيتها الانقلابية.
كان المرجل العربي يغلي قبل ٢٠١١ وبعد ان رفع الربيع العربي الغطاء عنه تولدت انفجارات شعبية غير مدروسة ولا مسيسة، فخرج من هذا القدر كل هذه الفوضى والانقسامات، وثقافة الانتماءات الصغيرة والهويات الفرعية المنتشرة على حساب ثقافة المواطنة للدولة الجامعة، وهنا اقتبس بعض ما كتبه احد كبار الإصلاحيين العرب في مطلع القرن الماضي وهو الشيخ محمدرشيد رضا ابن بلاد الشام وتلميذ الكواكبي ومحمد عبده « ان الشعوب التي تنشأ في مهد الاستبداد وتساس بالظلم والاضطهاد تفسد أخلاقها وتذل نفوسها ويذهب بأسها وتضرب عليها الذلة وتألف الخضوع.
واذا طال عليها أمد الظلم تصير هذه الأخلاق موروثة ومكتسبة كالغرائز الفطرية، فاذا أخرجت صاحبها من بيئتها، الفيته ينزع بطبعه إليها، وهذا شأن البشر «.
(الرأي)