2024-05-20 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

خيالات ليست عابرة

حسن حيدر
جو 24 :
 
يدفعني التدقيق في تفاصيل الصور التي ترد من غزة، نحو خيالات عجيبة، أنسج مع تلك الصور وتفاصيلها حوارات ونقاشات، تقودني إلى الشعور بأخطر نقيضين بشريين، العجز والقوة.
دعني أدقق في هذه الصورة... طفلة يغطي وجهها الدم والدمع، تبكي بحرقة وخوف، يبدو أنها تريد أمها، إلا أن مسعفوها منشغلون بعلاج جروحها. أراني أغرق في تلك الصورة وتفاصيلها، متخيلا نفسي بجانب تلك الطفلة أمنحها كل ما تحتاجه من عطف ينسيها هول ما تعرضت له، أحاول تهدئة روعها، ولا أمانع أن أنقلب مهرجا حتى أدخل على نفسها شيئا من فرح وأنسيها، ولو مؤقتا، أنها ربما تكون قد تيتمت.
هذه صورة أخرى، طفل متجمد يرتجف خوفا، كان نائما حينما قررت غربان الاحتلال أن تقصف سريره، ربما ظنا منهم أن مقاتلا من القسام يختبئ تحته، يبحث ذلك الطفل في وجوه الناس، ربما عن أبيه، عن أمنه واستقراره المفقود... وأنا أغرق في عمق ذلك المشهد، أتخيل نفسي ذلك الممرض الذي يقف بجانب ذلك الطفل واحتضنه، لأقول له لا تجزع ولا تخف لن تفقد أمانا كنت فيه ما دمت حيا على هذا الكوكب... لا بأس فأنا أتخيل.
ما هذه الصورة، لحظة دعني أغوص في تفاصيلها، يا إلهي إنه أب يحمل جثمان ابنه مكفن بقطعة قماش غطاها الدم، يسير به نحو مثواه الأخير في تراب غزة الذي شرب دما حتى تضلع، قبل لحظات من ذلك المشهد، ربما كان هذا المحمول هو أمل من يحمله يرى فيه كل مستقبله وأمنياته... كم أنت مرهق، وتعب أيها المكلوم، يا ليتني أنا الذي أسير بجانبك الآن، احتضنك وأربت على كتفك، وأرسل إلى أذنيك كل عبارات التضامن والمواساة، لن أتركك حتى تتعافى من ألمك وحزنك.
أقلّب الصور، أرى الدماء والدموع والدمار... لكن لحظة، هذا مقطع فيديو مختلف، رجل خارق يسير بثبات نحو دبابة "ميركافا" وهو يردد آيات من كتاب الله، يضع بطمأنينة، عبوة ناسفة على إحدى زوايا هذه الآلة التي صممت للقتل، ينسحب بهدوء نحو قاذفته المحمولة، يسدد صاروخه متزامنا مع انفجار العبوة التي وضعها، ليحيل الدبابة إلى كتلة نار.... لا لا الآن عرفت ماذا أريد أن أكون، أريد أن أكون ذلك الخارق البطل، لأثخن بهم وانتقم لتلك الطفلة وذاك الطفل، وأبرد على قلب ذلك الأب المكلوم... سأحيل الأرض نارا تحت أقدام المجرمين الذين استباحوا كل شيء.

يا إلهي، كم أنا عاجز... حتى في خيالي لا أعرف كيف أقدم لهم شيئا، أتنقل بين خيالتي مضطربا ضعيفا، أريد أن أكون كل شيء وأنا في الحقيقة لا شيء... لا، توقف قليلا، ولا تقنع نفسك بأنك عاجز، لا تستهين بتلك الخيالات، الغزيون ومقاومتهم، تخيلوا أنفسهم يوما يذيقون العدو مرارة الهزيمة، ويقودون ضباطه أسرى، وحوّلوا خيالهم الخصب إلى واقع قلب وجه الأرض.
وأنت تقلب الصور القادمة من غزة، لا تتردد في أن تغوص في أعماقها، تحدث مع كل عنصر من عناصر تلك الصور، وتخيل نفسك هناك معهم مقاتلا ومسعفا وأبا وأخا وأم، ولا تسمح لخيالك أن يقودك للشعور بالعجز، سيمتلئ إدراكك بهذا الخيال، فيستحيل، إن هممت وتجهزت، إلى واقع، وأعلم أن يوم السابع من أكتوبر 2023 بدأ خيالا، وقرر متخيلوه أن يحيلوه واقعا.
خصص لنفسك كل يوم بضع دقائق، تخيل فيه يوم التحرير والنصر، تخيله بعمق حتى تشعر بنشوة النصر وفرحه، وحينما تستيقظ من هذا الخيال، وتعود إلى واقعك لا تنتكس، وانطلق نحو تحويل ذلك الخيال إلى حقيقة. فالبشر قبل أن يصنعوا الطائرات تخيلوا أنفسهم يطيرون في السماء.

تابعو الأردن 24 على google news