تمسّكوا بخيوط العنكبوت !!
لقد بات من الواضح، أن الأردن يمر بعدة أزمات، ظهرت جميعها بشكل ملموس، في مرحلة أقل ما يقال عنها بأنها حرجة وحساسة، لتلقي بظلالها على جميع فئات ومكونات المجتمع الأردني.
إن سر تلك الأزمات (السياسية، والإقتصادية، والإجتماعية...) يكمن في ديناميكيتها وتداخلاتها؛ مما يخلق من إفرازاتها تحديات وصعوبات على المستويين الداخلي والخارجي.
أمام هذا الواقع المرّ والمؤلم، فإنه من البَدَهي أن تتجه الأذهان نحو سلطتين تشكلان أهم أجنحة الدولة، وأهم بوابات الإنفتاح، والأمن، والإستقرار: السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية.
إذا أمعنا النظر بحيويةِ كل من السلطتين السابقتين، لوجدناهما تتصفان بالجمود والتكلّس، أو بتعبير آخر تتصفان بالثبات أمام واقع (داخلي وخارجي) يمور بالتحوّل.
وبالتالي فإن ما نشاهده من حركة لذينك الجناحين، لا يتجاوز وصف (الحركة الوهمية) التي تسير في اتجاه واحد، مع تغوّل واضح – إقصائي- وهو تغوّل السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، في ظل عدم نجاة (السلطة القضائية) – إلى حد ما- من براثن ذلك التغوّل.
إن وصف (الحركة الوهمية) جاء بناء على أمرين:
الأول: إن الانتخابات التي أُجريت لتشكيل سلطة تشريعية، لم يقدّم القائمون عليها – حتى هذه اللحظة – إجابات شافية ومقنعة للمشككين بنزاهتها وشفافيتها وحريتها، إضافة إلى عدم النجاح في حلّ عقبة قانون (الصوت الواحد) والتي تصب هي الأخرى في دائرة التشكيك.
الثاني: لم يلمس أعضاء السلطة التشريعية أنفسهم، مصداقية ما اصطلح على تسميته ب (الحكومة البرلمانية)، فقد جاء تشكيلها صادماً لهم ومخيّباً لآمالهم؛ وذلك لافتقادهم لمفهوم (الشراكة الحقيقية) في ذلك التشكيل.
بناء على ما سبق، فإننا نستنتج بأن السلطة التنفيذية، هي المهيمنة على المشهد السياسي على أرض الواقع، وهي القابضة على مجرياته وتشكيل فضاءاته ورؤاه، مما يجعلنا نلمس بوضوح مقدار الهُوّة بين النظرية والتطبيق، وبين الحاكم والمحكوم.
في ظل تلك الصورة تحوّل (البرلمان) إلى واجهة حكومية، مقيتة الصّيت لدى المواطن الأردني، الذي لم يعد يرى تحت قبته سوى تطاحنات ومشاجرات (فردية)، اتصفت بالصخب، وعلو الصوت، وإطلاق الرصاص، وأسهمت على مرّ الوقت بإسقاط هيبته.
ولكن الحكومة لعبت الدور الأكبر، ليس في إسقاط هيبته فحسب، وإنما في إسقاط شرعيته أيضاً، وذلك عن طريق تفريغه من مضمونه، بحيث لم تَمنح أعضاء البرلمان "فرصة واحدة" للفوز في تمرير بعض القرارات، التي كان من شأنها أن ترفع منسوب الرضى لدى المواطنين، كما تفوّت في الوقت نفسه الفرصة على جميع المشككين بشرعيته والمؤمنين بشكليته.
ولكي لا نغرق في طرح الكثير من الشواهد والأمثلة على التفشيل الحكومي للبرلمان الأردني، فإننا نكتفي بذكر رفع الأسعار كحد أعلى، وإلغاء التوقيت الشتوي كحد أدنى.
ولأن الشيطان يكمن في تفاصيل ما بين الحدّين السابقين، فإننا نختصر تفاصيل الصورة بالقول: أرادت الحكومة لمجلس النواب السابع عشر، أن يكون (نمراً مُرقّطاً) له أنياب ومخالب، دون أن تكلّف نفسها عناء انتزاعه من الورق!!
هذه الصورة تنقلنا إلى تأمل الحكومة من الداخل، لنجد أن جميع مفاتيح الحقائب الوزارية – إذا جاز القول – مرهونة بيد رئيس الحكومة "د.عبدالله النسور"، مما يرفعها إلى مصاف حكومات "الشخص الواحد"، فهي حكومة شخص لا حكومة برامج وأشخاص.
انطلاقاَ من ذلك، لقد اعتاد الشعب الأردني على "نرجسية" رئيس الحكومة، الذي أعاد للأذهان مقولة ملك الشمس الفرنسي لويس الرابع عشر "أنا الدولة، والدولة أنا"، ليضع الجميع أمام مقولة مشابهة "أنا الحكومة، والحكومة أنا".
أمام هذا التحليق (أحادي الجناح) للدولة، لم يبق من خيارات للشعب الأردني بعد فشله في تحقيق مطالبه، سوى القفز فوق حواجز (الفشل السياسي) نحو القصر الملكي، وفي جعبته الكثير من المناشدات، نورد منها على سبيل المثال لا الحصر:
- إنقاذ سمعة الدولة الأردنية.
- تعديل قانون المطبوعات والنشر.
- وقف استمرار حجب مواقع الصحافة الإلكترونية.
- الكف عن سياسة إعتقال النشطاء والحراكيين الشرفاء.
- تحرير الصحفيين من قبضة محكمة أمن الدولة.
- وضع حد لتدهور المستوى المعيشي للمواطن، وسياسة رفع الأسعار.
- محاربة الواسطة والمحسوبية.
- الحد من ظاهرتي العنف الجامعي والمجتمعي.
- إيجاد حلول ناجعة لظاهرة البطالة المتفشية في المجتمع.
- محاربة الفساد والمفسدين.
- محاسبة كل من شوه مقولة "الإنسان أغلى ما نملك".
خلاصة القول: إذا لم تلامس تلك المناشدات أسماع الملك، وإذا لم تطرق أبواب القصر، فمن يجرؤ بعدها على مخاطبة الشعب الأردني، بما خاطب به "جيفارا" زوجه: "تمسكي بخيوط العنكبوت ولا تستسلمي"؟!!
m.sanjalawi@yahoo.com