السعودية وقطر: وراء الأكمة ما وراءها!
إن القرار الذي أصدرته كل من (السعودية، والإمارات، والبحرين)، والمتجسد في سحب سفرائهم من دولة قطر، كان قراراً ينطوي على قدرٍ كبيرٍ من المجازفة، كما ينطوي على ملامح توجهات جادة لتلك الدول بزعامة السعودية، نحو ضرورة إخضاع قطر وجلبها إلى "بيت الطاعة".
ولكي تؤكد السعودية جدية ذلك التوجه، قامت وبزمن قياسي بإصدار قرارٍ آخر، يعد متمماً لقرار سحب السفراء وموضحاً له، هذا القرار تمثّل بإدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب التي طالت أيضاً (تنظيم القاعدة، وجبهة النصرة، والدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، وحزب الله السعودي، وجماعة الحوثيين).
إن قطر منذ اللحظة التي صدر فيها قرار سحب السفراء، أعلنت للجميع على أن مرد ذلك القرار هو اختلاف مواقف بشأن قضايا خارج نطاق الخليج. وفي ذلك إشارة واضحة منها إلى دعمها المطلق للإخوان المسلمين في مصر ضد الإنقلاب العسكري الذي تدعمه كل من السعودية والإمارات، اللتان اتهمتا قطر ومعهما البحرين، بعدم إلتزام قطر بمبادئ ميثاق مجلس التعاون الخليجي، الذي ينص جزء منه على عدم تدخل دول المجلس بالشؤون الداخلية للدول الأخرى.
بناء على ما سبق وبلغة المنطق، فإن السعودية قد سقطت في فخ التناقضات الفجة، حيث أظهرت بوضوح على أنها صاحبة عقلية ازدواجية وانتقائية في توجيه الإنتقادات للدول الأخرى، لدرجة أنه لم يسلم منها ولا دولة عربية واحدة. ولبيان فجاجة تلك التناقضات، فإننا نسوق جملة منها على النحو الآتي:
- تدخلت السعودية بشكل صارخ في الشؤون الداخلية للشقيقة سورية، ولعبت دوراً كبيراً في دعم الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح؛ من أجل تقويض أركان الدولة السورية.
- تدخلت السعودية في ليبيا، وقدمت كل ما لديها من دعم متعدد الأشكال؛ لإسقاط نظام العقيد الراحل "معمَّر القذافي".
- السعودية هي الدولة الوحيدة التي وفّرت ملاذا آمناً للرئيس التونسي المخلوع "زين العابدين بن علي" داخل أراضيها، رغم المطالبات المستمرة من الحكومة التونسية الجديدة، بضرورة تسليمه لمحاكمته محاكمة عادلة على جرائمه التي ارتكبها بحق الشعب التونسي. إضافة إلى تغذية الفكر الوهابي في تونس ودعم مريديه بالمال.
- تدخلت السعودية جهاراً نهاراً باليمن، وقدمت الدعم المادي لشيوخ القبائل وذويهم، ولعبت على وتر القبليات، وذلك من أجل إبقاء اليمن تحت الوصاية السعودية. إضافة إلى أن (المبادرة الخليجية) التي تزعمتها السعودية، ما زالت ماثلة في الأذهان، والتي جاءت لإنقاذ نظام "علي عبدالله صالح" إبان الثورة الشعبية التي أجبرته على مغادرة كرسي الرئاسة.
- تدخلت السعودية بشكل واضح في الشأن العراقي، مما جعل رئيس الوزراء العراقي "نوري المالكي" يتهمها وقطر، بإعلان الحرب على العراق، محملاً إياهما مسؤولية الأزمة الأمنية العراقية.
- تدخلت السعودية بشكل سافر في لبنان، ذلك التدخل الذي وصل إلى حد الدخول على خط تشكيل الحكومات، وكذلك المشاركة في تشكيل فسيفساء الولاءات والإنتماءات السياسية.
- تدخلت السعودية بشكل مباشر في البحرين، حتى وصل الأمر إلى حد إرسال قوات "درع الجزيرة"؛ لإخماد مظاهرات المعارضة البحرينية، بحجة أن البحرين طلبت منها ذلك.
- تدخلت السعودية بالشأن المصري بشكل فاضح، إذ لولا تدخلها لما نجح الإنقلابيون بالإطاحة بالرئيس المنتخب "محمد مرسي". وقد أوردت صحيفة "الفايننشال تايمز"، تصريحاً للسفير القطري السابق في الأمم المتحدة "ناصر بن حمد آل خليفة" قال فيه: "إن السعودية والإمارات ضختا مليارات الدولارات دعماً للمشير عبدالفتاح السيسي".
بعد كل من سقناه من تناقضات، لا نقول عنها بأنها "جامعة مانعة"، وإنما نقول هي مؤشرات دالة على أن السعودية ينطبق عليها قول الشاعر: "لا تنه عن خلق وتأتي مثله.... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم".
نستنتج من ذلك، بأن قطر ليست هي الدولة الوحيدة التي تدخلت في شؤون الآخرين كما تزعم السعودية ومن تحالف معها. وإننا إذ نؤكد ذلك لا ننصّب من أنفسنا مدافعين عن سياسات قطر التي طالما اعترضنا عليها بشدة، ولكننا سقنا ما سقناه من أدلة من باب تذكير السعودية وجميع دول المنطقة، بأن مفهوم (الحياد) قد ولّى إلى غير رجعة، بخاصة بعد حدوث طوفان ما سمي بالربيع العربي.
ولذا فالكل متورط ولكن حجم هذا التورط يختلف بطبيعة الحال من دولة لأخرى، وذلك بناء على المصالح التي تقف وراء كل تورط، وكذلك بناء على حجم الضغوطات التي تمليها الدول الكبرى على تلك "الدول الأدوات"، باعتبارها اللاعب الرئيس في ساحات الإقتتال العربي – العربي.
وعودا على القرار الذي اتخذته السعودية، بخصوص تجريم جماعة الإخوان المسلمين وحظرها، فإننا نقول بأنه لا شك كان قراراً صادماً أكثر من سابقه لجميع المتابعين والمحلّلين. وإن إصدار مثل هذا القرار، وبهذه السرعة التي صبغته بصفة (اللامدروس والمتسرع) يشي بتحركات سعودية مستقبلية، قد تصل إلى حد إعلان دولة قطر دولة حاضنة للإرهاب؛ لأنه واستناداً إلى لغة المنطق، فإن كل من يدعم الإرهاب يكون بالضرورة إرهابياً. وبما أن قطر تقدم كآفة أشكال الدعم المادي والإعلامي للإخوان المسلمين بعامة ولإخوان مصر بخاصة، فإنه من الوارد أن تطال قائمة الإرهاب لدى السعودية ليس فقط الجماعات والتنظيمات، وإنما قد تطال حتى الدول الداعمة له وعلى رأسها قطر.
ولأن السعودية جادة بهذا الإتجاه، فإنها ترفض أي وساطة بهذا الخصوص، حيث طلبت من دول عربية متعددة (الكويت، الأردن، الجزائر) عدم التدخل في مبادرات للوساطة في الأزمة الحالية مع دولة قطر بما في ذلك التدخل الأمريكي. وذلك بالطبع وفق ما أوردته صحيفة "رأي اليوم الإلكترونية".
وبالمقابل فإننا لو انطلقنا من المثل القائل "إن وراء الأكمة ما وراءها"، في تحليل أبعاد القرارين السابقين، ونظرنا إليهما من زاويتين مختلفتين، فإننا سنقف أمام ثلاثة احتمالات:
- الأول: إن قادة الإنقلاب في مصر، قد وصلوا إلى طريق مسدود مع جميع الأصوات المعارضة لهم في الداخل، رغم كل الإضطهاد الذي مارسوه بحق أنصار مرسي، مما جعلهم يترنحون أمام صمود تحالف "دعم الشرعية" الذي بدأ يكبر يوما بعد يوم، بخاصة في ظل الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن المصري، الذي لم يحصل على بارقة أمل واحدة من قبس الإنقلابيين الذين غرروا به وأمطروه بوابل من الأماني الكاذبة.
أمام هذا الترنح الذي سرّع من وتيرته دولة قطر تتقدمها محطة الجزيرة، فما كان أمام هؤلاء سوى طلب النجدة من الحليفين الشرسين (السعودية والإمارات) لوضع حد للتدخل القطري وإخراس قناة الجزيرة قبل أن تتفاقم الأمور وتصل إلى حد التهاوي السريع لحكومة العسكر التي تقف على أبواب انتخابات رئاسية. وإذا ما نجحت تلك الدول بإخضاع قطر، فإن ذلك سوف يفتح المجال واسعا أمام الدول العربية الأخرى لحظر جماعة الإخوان والعمل على زيادة عزلتها. وبالتالي لن يبقى أمام تلك الجماعة – من وجهة نظرهم - سوى القبول بسياسة الأمر الواقع، والخضوع لقادة الإنقلاب ومهادنتهم والإستسلام لشروطهم.
- الثاني: إن الجولات المكوكية التي يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"، تشير إلى أن الولايات المتحدة لن تتراجع عن مطلب اسرائيل المتمثل باعتراف الفلسطينين والعرب بيهودية الدولة، ولذا ومن أجل تسهيل هذه المهمة المليئة بالإملاءات وبالإبتزازات السياسية، فإنه من الضروري التخلص من حركة حماس الحاكمة في قطاع غزة، وذلك عن طريق رفع الغطاء الشرعي عن هذه الحركة، وتجفيف كآفة أشكال الدعم المادي والإعلامي الذي تحظى به من دولة قطر. ويعد الظرف الحالي الذي تمر به المنطقة مواتيا لتنفيذ ذلك المخطط، بخاصة أن قادة الإنقلاب في مصر يناصبون هذه الحركة كآفة أشكال العداء.
وبما أن حركة حماس هي حركة إخوانية صميمة، فإنها ستصبح بنظر السعودية والإمارات حركة إرهابية كما هي في نظر قادة الإنقلاب. وبالتالي إذا تخلصت هذه الحركة من الدعم القطري مع تغليظ قبضتي الحصارين الإسرائيلي والمصري لها، فإنه سيكون من السهولة بمكان – من وجهة نظرهم - تركيع تلك الحركة وجرها إلى مستنقع التنازلات. وفي حال رفضت ذلك فإن المحرقة ستكون بانتظارها.
هذا الأمر يدفعنا إلى القول بأن دول المنطقة مقبلة على مرحلة صعبة ومعقدة، تستلزم من قادتها استخدام القبضة الحديدية مع شعوبها لتمرير المشاريع (الأمريكية – الإسرائيلية). ومن يرجع إلى نص البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية السعودية، سيتأكد من صحة ما قلناه، حيث نص ذلك البيان على تجريم كل من ينتمي أو يؤيد أو يتعاطى أو يروج أو يدعم الجماعات الإرهابية المشار إليها سابقاً وعلى رأسها جماعة الإخوان. وانطلاقا من ذلك فإننا نقول بأن إدراج جماعة الإخوان مع تلك التنظيمات جاء للتمويه لا أكثر ولا أقل، فالمقصود أولا وآخرا جماعة الإخوان المسلمين.
- الثالث: إن تسليم "حمد بن خليفة" مقاليد الحكم لابنه "تميم"، ربما كان تمهيدا لاتباع قطر سياسة جديدة مغايرة، لا دعم للإخوان في أجندتها. ولأن قطر وصلت إلى مرتبة اللاعبيين الإقليميين الكبار لدرجة أنها غطت على الدور السعودي والمصري، فإنه ليس بمقدورها أن تجهر بسياستها الجديدة؛ وذلك خشية على سمعتها، وهيبتها، وكرامتها، ووزنها الإقليمي. ولذا فما كان منها نتيجة لتلك الضغوطات التي مورست وتمارس عليها سوى الإتفاق مع السعودية لقيادة تحالف ضدها لا تملك أمامه وأمام الجميع سوى الإنصات لصوت العقل، والعودة إلى البيت الخليجي الذي لا قدرة لها على دفع ضريبة معادته، وبذلك تكون قد خرجت من ميدان دعم الإخوان وهي محتفظة بماء الوجه.
خلاصة القول: إن دولة قطر أصبحت في عين العاصفة، وجميع المتابعين ينتظرون ردة فعلها، فإما أن تخضع وتنحني أمام العاصفة، وإما أن تثبت للجميع بأن شوكتها لا يكسرها لا تهديد ولا وعيد، وإن الليالي حبالى يلدن كل جديد.