jo24_banner
jo24_banner

المشير أبو غزالة والوفاء لرفاق السلاح . . !

فريق ركن متقاعد موسى العدوان
جو 24 :


المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة ( 1930 – 2008 ) رحمه الله هو قائد عسكري مصري، وشارك في جميع الحروب العربية الإسرائيلية ما عدا حرب حزيران 1967 1967 حيث كان في المنطقة العسكرية الغربية بمرسى مطروح، وانقطع اتصاله بالقيادة العامة المصرية، وعندما عاد إلى القاهرة فوجئ بعِظَمِ الهزيمة العسكرية التي وقعت في حزيران.

اشغل المشير العديد من الوظائف العسكرية والمدنية من أهمها قائدا لسلاح المدفعية خلال حرب أكتوبر 1973 وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة من عام 1980 – 1989، في أواخر عهد السادات وأوائل عهد مبارك.

كان المشير أبو غزالة يتميز بكارزما وشخصية طاغية، جعلته محبوبا ومؤثرا في حياة الجنود والضباط المصريين، ويعرفه حتى رجل الشارع العادي. وقد أصرّ على جعل الجيش قويا خلال توليه لمنصبه، وقام بتطوير الصناعة العسكرية المصرية، وخاصة صناعة الصواريخ السلكية، ذات المدى البعيد الذي يصل إلى مسافة 15 كيلومترا، دون تثرها بالتشويش الإلكتروني.

لم يكن أبو غزالة فظا في إدارته لأمور الجيش، بل كان قريبا للغاية من جنوده، فيتحدث إليهم ويستمع إلى مشاكلهم عند زيارته لهم في وحداتهم. وفي إحدى الزيارات سأله أحد الضباط الصغار، عن رأيه في موقف مصر من إسرائيل، خاصة بعد توقيع معاهدة السلام معها. فقال المشبر:

" اسمع يا إبني: يقولون معاهدة سلام . . ليست معاهدة سلام . . عدونا الأول والأساسي هو إسرائيل . . ولن ينتهي الصراع بيننا أبدا . . ولابد أن تقوم حرب بين مصر وإسرائيل للقضاء عليها نهائيا . . وإذا كان هناك من يقول أن حرب 73 هي آخر الحروب، فإنني أعتبرها أول الحروب في القضاء على إسرائيل بشكل نهائي ".

في كتابه بعنوان " صعود وانهيار أبو غزالة "، يقول الكاتب محمد الباز ما يلي وأقتبس:

" كان أبو غزالة يؤمن بأن الإنسان يدافع عن وطنه، إذا كان وطنه يرعاه ويرعى أسرته. فلو وجَد الإنسان أسرته لا تجد قوت يومها، أو لا تجد سكنا أو تعليما، فهذا الإنسان عندما تأمره بالدفاع عن بلده، فإن حماسه ودافعه للدفاع عن هذا البلد سيكون ضعيفا جدا. ولكن عندما نحافظ على كرامته، ويكون مرفوع الرأس في بلده ويعيش عيشة كريمة، وتعامل أسرته معاملة تليق بها، سيدفع روحه للدفاع عن بلده.

لقد آمن أبو غزالة بأن يجعل الضابط والجندي لا ينظر وراءه ليطمئن على أولاده وزوجته وأمه أو أخته، ولكن ينظر إلى العدو أمامه، فحياته الاجتماعية يجب أن تكون جيدة، أسرته تسكن جيدا وتلبس وتأكل وتتعلم بشكل محترم.

والأسلوب الذي يتم به هذا الفعل، يرفع المستوى الاجتماعي ويرتفع هو بمستوى دخله. وبما أن الدخل تحكمه قواعد، فيجب أن تحل تلك القواعد بشكل مختلف، وذلك ببناء شقة له بسعر منخفض ومشروعات تؤمن حياته الاجتماعية، فمعنوياته وقتها ستطاول السماء. ووقتها عندما يُطلب من العسكري المحافظة على معداته التي دفعت فيها الدولة مليارات الدولارات، وأن يحافظ على جنوده ويرعاهم، فإنه سيفعل.

في هذا الإطار قدم أبو غزالة للقوات المسلحة مشروع إسكان، لأن مشكلة الإسكان في مصر مشكلة أساسية ومؤرّقة. فبنى للضباط وضباط الصف 74800 شقة وملّكها لهم بدون دفعة مقدما. فقد كان الضابط يدفع 65 جنيها في الشهر وضابط الصف يدفع 35 جنيها، وكان ذلك يتم على مدى 30 أو 40 سنة.
المشروع الثاني الذي قدمه أبو غزالة للقوات المسلحة هو جعل الجنود منتجين، فهم قوة إنتاجية لا يستهان بها، فكانوا حوالي مليون عسكري. وفكّر أبو غزالة وقتها، إذ ما المانع أن ينتج الجنود ما دام ذلك لن يؤثر على الكفاءة القتالية للقوات المسلحة ؟ فالوعاء التجنيدي في السنة يصل إلى 470 ألف فرد يخضعون للتجنيد، ويصل من يتم تجنيدهم لأقل من نصفهم والباقي فئة تترك وتسمى " لم يصبه الدور ".
فما المانع من تكوين كتائب عمل للقوات المسلحة من هؤلاء، تخفض من الكلفة وترفع من المعاناة ليس فقط في القوات المسلحة، ولكن على فئات الشعب المصري المختلفة ؟ فأنشأ أبو غزالة عدة مصانع لإنتاج الملابس، دون أن يشترك جندي واحد في هذا، حيث كان هناك جهاز مستقل عن القوات المسلحة، يدار بشكل علمي حديث من أجل العمل ". انتهى الاقتباس.
في أواخر عام 1989 أبعد الرئيس مبارك عن منصبه كوزير للدفاع وقائد عام للقوات المسلحة، وعينه مساعدا لرئيس الجمهورية. لم يعجب أبو غزالة هذا التعيين المجرد من الصلاحيات، فاعتزل المنصب وجلس في منصبه بعيدا عن الأضواء، يكتب مذكراته الشخصية ويؤلف الكتب من بينها كتاب " فن الحرب " وكتابة المقدمة للترجمة العربية لكتاب الرئيس نيكسون بعنوان " نصر بلا حرب ".

كانت حياة أبو غزالة متواضعة وبعيدة عن البهرجة، إذ كان يسكن خلال خدمته في شقة بشارع ضيق بحي الزيتون في القاهرة، ولم يكن يملك سيارة خاصة حتى وصل لرتبة لواء، وكان متواضعا ومتسامحا وغير مغرم بجمع المال الذي يتهافت عليه الناس. والدليل على ذلك أن عَرضتْ عليه السعودية منصبا هاما في الجيش السعودي للاستفادة من خبرته، ووضعوا بإمرته أي مبلغ من المال يطلبه. ولكنه اعتذر عن قبول العرض محافظا على عزته وكبريائه.

* * *
هكذا كانت حياة المشير أبو غزالة . . وهكذا ترجم " الوفاء لرفاق السلاح " إلى عمل ملموس، حيث وفر لهم المساكن والدخل الإضافي من مشاريع تنموية حسّنت معيشتهم، وخففت عنهم وطأة أكلاف الحياة. لم يقتنع أبو غزالة بالوعود والخطابات الإنشائية، ولم يسلّط عليهم شرطة السير، تخالفهم في عقر دارهم بمستشفى المعادي العسكري في القاهرة، فتزيد معاناتهم المرضية معاناة مادية جديدة، هم بأشد الحاجة لها.

وهنا أتساءل : بعد أن قدمت القوات المسلحة الأردنية مشكورة، مشاريع إسكان للضباط وضباط الصف، هل يمكن لمؤسسة المتقاعدين العسكريين ذات الاسم الطويل، والتي بلغ عمرها حتى اليوم 50 عاما بالتمام والكمال، أن تقدم مشاريع نافعة تحمل قيمة لمنتسبيها، تساعدهم على مواجهة تكاليف الحياة ؟ وهل يمكن للمؤسسة أن ترعى الشؤون والقضايا العامّة لرفاق السلاح، لدى مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية ؟

رحم الله المشير أبو غزالة وأسكنه فسيح جناته، بقدر ما قدم لوطنه ولأفراد القوات المسلحة المصرية من خدمات نافعة، أعانتهم على مواجهة تكاليف الحياة. وأتمنى أن يمنّ الله علينا بِ ( أبو غزالة الأردني ) في المستقبل القريب، علّه ينهض بهذه المؤسسة إلى المستوى الذي يليق بمنتسبيها من " رفاق السلاح ".

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير