الحرب النفسية... عندما يكون لها الكلمة الفصل في المواجهة
اعتبرت الحرب النفسيةأداة أساسية من أدوات شنالحروب منذ القدم، حتىفرضت نفسها علىالبشرية، وعلى الرغم من تزايد أهميتها ودورها فيالحرب العالمية الأولىوفترة ما بينالحربين العالميتين الأولى والثانية، إلاّأن توظيفها في الوقت الحالي أصبح أكثر اتساعًابفضل توفر وسائلالإعلام والاتصال الجماهيري،والتي أمكن بواسطتهاالوصول إلى الملايين لمحاولةالتأثير عليهم وتغييراتجاهاتهم وسلوكياتهم. ولقد تطورمفهوم الحرب النفسية بتطور وسائل الاتصالالجماهيري؛ فقد تعاظم دورهابعد ظهور الصحفوخاصة بعد الثورةالصناعية، ومن ثم تطورتمع ظهور الإذاعةالتي أصبحت متاحةبشكل أكبر، وأضحت الرسالةالإعلامية تصل إلىكافة الشرائح المجتمعية،كون الإذاعة لاتحتاج إلى القراءةمثل الصحف بالنسبةللمتلقين، ومن ثمتبلور الأمر بشكل أوسعمع ظهور التلفزيون، وتقنيات الفيديو، ما أسهم في نقل الأحداثونشر المواد بالطرق المختلفة. وفي أعقاب الثورة الرقمية المتمثلة في ظهور الحاسوبوشبكات الإنترنت، فقد سهّلت نقل الرسائل والتهديدات والأخبار والشائعات على نطاق أوسع. ولا نغالي في القول إن الحرب النفسية لها القدرة علىتحقيق أهداف الحروبدون اللجوء إلىالصراع واستخدام العنف والصدامالمسلح. وفي ذلك يستشهد التاريخ الحربي بمقولة للزعيم الألماني هتلر حين قال: "لماذا أحاولسحق العدو بالوسائلالعسكرية عندما يكونباستطاعتي أنأحقق هدفي بوسائلأخرى أكثر سهولةواقتصادية؟"
ولعلنا نستشهد بما أوضحه الدكتور مصطفى الدباغ في كتابه "المرجع في الحرب النفسية"، حيث يرى أن الحرب النفسية في معناها العام تمثل تعاملاً مع موقف إرادة قاتلة يتم توجيهها نحو خصم معين (المجتمعات) لغرض تحطيم العنصر المعنوي لديه، أو بمعنى آخر- ثقته في ذاته القومية، وهي حرب كباقي الحروب، تسعى لإحداث انهيار كامل، ولكنها الأكثر تأثيراً حين يكون ما تحدثه من انهيار وزعزعة في الأمن والهوية المجتمعية جماعيًّا. وهي بذلك أكثر ديمومة، لأنها لا تقتصر في آثارها على الحاضر، بل تتعداه إلى المستقبل.
إن أول من أشار إلى أهمية استخدام الأساليب النفسية أثناء الحرب هو القائد العسكري الصيني Sun Tzu صاحب أقدم كتاب في أصول الحرب والعلوم العسكرية (فن الحرب) في القرن الخامس قبل الميلاد. وعلى الرغم من أنه لم يستخدم المصطلحات الدقيقة المستخدمة اليوم في تنظير الحرب النفسية وأساليبها، إلا أنه أكّد على أهمية هزيمة العدو دون استخدام القوة البدنية. هذا لا يعني أن أساليب الحرب النفسية لا يمكن أن تشكل أسلوب استخدام القوة البدنية؛ إذ تستخدم الدول مجموعة متنوعة من الآليات لاستهداف عدوها نفسيًا. وتضمنت توصيات Tzuأساليب غير تقليدية للحرب، مثل استخدام الخداع، والاستخبارات، والمفاجأة من أجل تقويض معنويات العدو بدلاً من مجرد هزيمة العدو على أرض المعركة. وهذا ما يقودنا إلى القول إن للحرب النفسية الكلمة الفصل لحسم المواجهات العسكرية والسياسية، فتأثير الكلمة والصورة مع تكرارها وابتكار أنماطها أشد وقعاً وخطورة على المشهدين السياسي والعسكري من حشد وتحريك جيوش مجهزة بكامل العتاد والعدة.