الفزاع و اسباب لجوئه السياسي
وضح الزميل الصحفي والناشط السياسي علاء الفزاع اﻷسباب التي دفعته لطلب اللجوء السياسي الى السويد.
وبين الفزاع في بيان صحفي مدى التضييق الذي رافق قيامه بفتح العديد من ملفات الفساد على موقع خبر جو الذي كان يمتلكه.
وأكد الفزاع أنه لم يكن يرغب بمغادرة المملكة الا ان التضييق الذي تعرض له على مدار 3 اعوام أجبره على ذلك , فهو لم يكن يفكر به يوما.
وتاليا نص البيان:
فضح لوبيات الفساد، والحديث عن ولاية العهد. هاتان هما الجريمتان اللتان ارتكبتهما في نظر النظام، واللتان تسببتا في حملة ضدي لم تتوقف يوماً طيلة أعوام، وأوصلتني إلى ما أنا عليه اليوم: لاجئاً سياسياً خارج الأردن.
للأمانة وبعد أن أصبحت في الخارج أصابني تردد كبير في الحديث عما عانيته، بعد أن أعلنت في البداية أنني سأتحدث باستفاضة. وجاء ترددي لأسباب عدة أهمها أنني لا أريد شخصنة المسألة وحصرها في شخصي أنا بالذات، فمسألة قمع المطالبين بالإصلاح واسعة. كما إن ذكر بعض الوقائع قد يسبب الضرر لبعض المخلصين داخل أجهزة الدولة وخارجها ممن ساعدوني طيلة الأعوام الماضية بالمعلومات والتحذيرات. والأهم أنني لا أريد أن أصب المزيد من الزيت على النار المشتعلة في الساحة الأردنية.
ولكنني وبعد نصائح كثيرة من أصدقاء ومعارف وسياسيين ومواطنين وصحفيين وجدت نفسي مضطراً للتوضيح، مرة واحدة فقط، أتحدث فيها عن أسبابي، والاكتفاء بالحد الأدنى من الوقائع، والاحتفاظ ببعضها طي الكتمان لحين الحاجة، ثم أتحول إلى عملي الأصلي كصحافي وكاتب، ناقلاً للخبر لا موضوعاً له، وناشراً للحقائق التي تساعد في كشف ما يجري في بلدي الأردن. وسيكون بعض هذا الكشف في وسائل إعلام عالمية.
الملاحظة المركزية هي أن الضغوط علي كانت في أشدها في العام 2011، ثم هدأت نسبياً في العام 2012، ثم عادت للتصاعد من جديد في العام 2013 بسبب عودة الحديث عن ولاية العهد بقوة، وبسبب غياب الحماية الشعبية التي كنت أتمتع بها مع غيري من المعارضين والصحفيين أثناء فترة قوة الحراك. واليوم هناك نشطاء موقوفون بقرار من أمن الدولة منذ أكثر من 4 شهور، وهناك صحفيان موقوفان، كذلك بقرار من أمن الدولة، ومنذ أكثر من شهر ونصف. وهناك عشرات النشطاء ممن ما زالوا يمثلون أمام أمن الجولة دون توقيف، و "الحبل على الجرار" كما يقول المثل. واليوم هناك قانون مطبوعات ونشر يضيق على الإعلام الإلكتروني تحديداً. واليوم هناك تغوّل على الصحافة المكتوبة، وتدخل سافر في الإعلام المرئي.
أما الملفات التي يعتقدون أنني يجب أن أدفع الثمن بسببها فهي كثيرة رغم عمري الصحفي القصير منذ نهايات عام 2008 وحتى اليوم، ومن بينها تفاصيل تهريب السجين خالد شاهين، وتسجيل أراضي الدولة باسم الملك، والحديث عن الطائرات الخاصة، وثروات مقربين من القصر، والعشرات من الوثائق المتعلقة بشيكات من جهات سيادية وشحنات نفط من العراق، وشركة الفوسفات، وقضايا أخرى، عدا عن تغطيات الحراك الشعبي والاحتجاجات المعيشية والشعبية طيلة الأعوام منذ 2009 وحتى اليوم، إضافة إلى الملف المركزي: ولاية العهد، والتي تناولتها بعدة مواد صحفية إخبارية لم تتضمن أي رأي شخصي.
ومن ناحية أخرى تعتقد دوائر الحفاظ على النظام أنني أحصل على معلومات أخطر بكثير مما يجب. وأعتقد أنهم محقون في ذلك. فعلى مدى عملي الصحفي، وعن طريق "أشخاص من الداخل" كنت أستطيع الوصول إلى قواعد بيانات دائرة الجمارك وما فيها من معلومات عن الممتلكات المنقولة وغير المنقولة، وقاعدة بيانات الأرقام الوطنية والأحوال المدنية، وضريبة الدخل، والضمان الاجتماعي، إضافة إلى معلومات من عشرات الزملاء الصحفيين، وبعض كبار المسؤولين، بل وحتى خبراء في الطيران الجوي المدني، وآخرون في مجال اكتشاف التزييف في الصور، ومصادر أخرى لا يتصورونها حتى الآن. ولم يكن لي في ذلك يد سوى أنني كنت -وما زلت- صادقاً مع من ساعدوني، ولم أكشف يوماً مصدراً من مصادري، ولم يتضرر أحد بسبب تسريبه معلومة لي. ومن تابع عملي الصحفي يستطيع الآن العودة بالذاكرة ليكتشف كيف وصلتني بعض الأخبار الخطيرة والسرية جداً، والفيديوهات والصور التي سببت ضجة كبرى في وقتها.
عموماً سأطرح بعض ما لدي، وبالحدود الدنيا، ودون ذكر أسماء، تاركاً لكل شخص معني أن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية ويقول -على الأقل في دائرة معارفه- نعم حصل ذلك.
سأطرح المسائل على شكل نقاط:
*النتيجة هي أنني كنت مطلوباً للإنهاء كظاهرة صحفية، وللتصفية (وليس بالضرورة التصفية الجسدية وإن كانت هناك تلميحات بذلك)، أولاً ﻷسباب ثأرية تتعلق بإيذائي الشديد لعلية القوم، ولمجدي الياسين تحديداً، وبسبب كشفي لبعض ملفات الفساد الثقيلة، وثانياً بسبب استعجال شخصيات مهمة لإنجاز ملف ولاية العهد، وبسبب تغير الظروف في الأردن لصالح النظام. لم ينس هؤلاء أن كثيراً من هتافات الحراك كانت تستند إلى ما ينشر في "خبر جو"، ولم ينسوا أن كثيراً من صحف العالم استقت من "خبر جو" التي ساهمت في تعرية فسادهم أمام جمهورهم الغربي الذي كان يعتبرهم نماذج للرقي في محيط متخلف. ولا شيء عندهم يضمن ألا أعيد الكرة. وبالتأكيد سأعيدها.
*كان هناك سيناريوهان للتصفية والتخويف والإيذاء: إما بالحبس عن طريق محكمة أمن الدولة وإما عن طريق مشكلة مفتعلة من قبل أحد الزعران ضمن مشاجرة عادية بعيدة عن المظاهرات والاعتصامات. السيناريو الثالث الذي كان فعلاً يتم تنفيذه على مدى عدة أعوام، وهو الخنق المعيشي والحصار في العمل والرزق، لم يعد كافياً في نظر المعنيين.
*هناك قضية منظورة في القضاء ضدي منذ شهور. القضية لم تأخذ مجراها الطبيعي طيلة هذه الفترة رغم أنني مثلت ضمنها أمام مدعي عام عمان. وقد أبلغني أصدقاء مطلعون في سلك المحاماة أنها قيد الدراسة لإحالتها أمام أمن الدولة عند اتخاذ القرار ضدي. وبالطبع يمكن اختلاق أية قضية غير هذه إن لزم، وبحجة أية مادة منشورة على موقعي السابق "خبر جو".
*هناك خلية من بعض أصحاب السوابق مرتبطة بسكرتيرة في إحدى المؤسسات، وهي سكرتيرة سابقة لمسؤول سابق تربطه علاقة بمجدي الياسين. الخلية كانت تتولى البلطجة على المسيرات والاعتداء على النشطاء. أحد أفراد هذه الخلية معروف إعلامياً. وقد تم تكليفه قبل فترة بشيء ما بخصوصي، ولا أعرف بالضبط ماذا كان يتم إعداده.
*سربت لي أطراف من داخل النظام عن طريق أصدقاء وعن طريق صحفيين أن وحدة مختصة بالتعامل مع المعارضين تخطط لشيء ما ضدي، وأنني يجب أن أغادر البلد بأسرع ما يمكن. كان ذلك بعد الانتخابات مباشرة ، ولم آخذ ذلك الكلام بجدية واعتقدت أنه مجرد محاولة لإجباري على الخروج، ولكن التهديدات عبر الهاتف تزايدت مع كل مادة مثيرة للجدل على "خبر جو"، وقد كتبت ذلك عدة مرات عبر صفحتي على الفيسبوك وعبر شهور طويلة وليس من فترة قريبة فقط. ولم يتحرك أي مسؤول لطمأنتي أو حمايتي، ولو باتصال هاتفي، وكان من غير المجدي أبداً تسجيل شكاو، فالخصم هو الحكم.
*في الأعوام الماضية كلها لم أنجح في الحصول على أي عمل داخل الأردن، باستثناء العمل بالقطعة لدى بعض الجمعيات والمؤسسات غير الحكومية. لا أعتقد أنني قليل الكفاءة إلى هذا الحد! أحد الصحفيين قيل له بوضوح: "لن يحصل علاء على أي عمل في الأردن".
*للتذكير، عندما عقد الملك لقاءاً مع عدد من اليساريين والمعارضين من الخط الوطني تم استثنائي من اللقاء في اللحظات الأخيرة. لم يكونوا مستعدين أبداً للنسيان.
*عرض وزراء سابقون وعاملون خلال العامين الماضيين أن يساعدوني في الحصول على عمل اعتيادي في الأردن، وبراتب عادي وليس استثنائياً، ولم أشأ الرفض فتركت الكرة في ملعبهم، وبالطبع لم يتمكنوا.
*عرض علي أحد الكتاب الصحفيين أن أكتب في صحيفة يومية على أن أتجنب التصعيد في المقالات ويبقى سقف موقعي كما أشاء، ولم أشأ الرفض كذلك، ولكنه أبلغني لاحقاً أن المسألة توقفت بسبب اعتراض أمني.
*مؤخراً حاول صحفي بارز (وهو إداري كبير في المجال الصحفي) أن يساعدني في الحصول على عمل في إحدى دول الخليج في المجال الصحفي، حيث يتمتع بعلاقات وثيقة هناك. بعد فترة أبلغني أنه لم يتمكن من ذلك لأن صحف الخليج ووسائل الإعلام هناك "تستأنس" برأي شخصية إعلامية أردنية معروفة كانت تعمل في القصر. ومعروف ما هو نوع التوصية التي ستكون قدمتها تلك الشخصية بخصوصي.
*عدد القضايا المحركة ضدي خلال الأعوام الماضية تجاوز 10 قضايا، اثنتان منها أمام أمن الدولة، وواحدة منها من قبل الحكومة (الحكومة وليس الحق العام)، وواحدة من قبل جهاز الأمن العام، وواحدة من قبل مدير الأمن العام الأسبق، وأخرى من قبل وزراء عاملين في وقتها، ونواب حاليين وسابقين، ومعظم تلك القضايا بإيعاز واضح من جهات ما. سقط بعض تلك القضايا بالعفو الملكي الذي صدر في عام 2011، فيما استمرت إحدى القضيتين المنظورتين أمام أمن الدولة (وهي التي تم توقيفي بناء عليها في 1/حزيران/2011) استمرت شغالة وجاهزة للتفعيل حتى نهايات 2012 عندما اضطروا لإعطائي حسن سلوك للانتخابات. تعرضت للتوقيف لأسباب صحفية عدة مرات، واحدة فقط تم الإعلان عنها، كما سجلت ضدي انتهاكات صحفية عديدة من بينها رفض التعاون وعدم كشف المعلومات وما شابه.
*يعرف الزملاء في الوسط الصحفي الأردني أنني أتعرض لمضايقات من مختلف الأنواع، من بينها محاولة منع مقالاتي، ومن بينها أوامر بمنعي من الظهور على الفضائيات، وغير ذلك الكثير.
*بالعودة إلى الوراء، وفي يوم 25 آذار من عام 2011 وأثناء أحداث دوار الداخلية كان هناك مجموعة خاصة مهمتها استغلال الفوضى والتخلص مني ومن 3 أشخاص آخرين من نشطاء الحراك، ولحسن الحظ فإن الفوضى نفسها هي التي ساعدت في أن نخرج بسلام. هذه المعلومة وصلتني خلال الهجوم على الدوار، ومن مصدرين مختلفين. من فكر في ذلك في العام 2011 عاد للتفكير بنفس الطريقة اليوم بعد أن أصبح في موقف أقوى.
*في ساحة النخيل في شهر تموز 2011 وفور أن بدأت الفوضى حذرني ضابط أمني وطلب مني أن أخرج فوراً، متجاوزاً وظيفته ومهدداً نفسه بالكشف، لأكتشف لاحقاً أن وحدة خاصة دخلت الميدان لضرب الصحفيين وأنا تحديداً من بينهم.
*في نهايات 2012 وبعد نشري معلومات عن تصرفات معيبة ونقاط سوداء في سجل خدمة أحد ضباط الأمن العام تعرضت لتهديدات من مختلف الأصناف. الضابط المعني هو الذي أشرف على ضرب شباب الحراك المعتقلين على الدوار الرابع في بدايات 2012، وبعد ذلك في عدة محطات شهدت صداماً.
*موقعي السابق خبر جو تعرض لكل أشكال الحصار، وتم الضغط على مختلف الجهات المعلنة فيه للتوقف عن الإعلان. إلى أن اضطررت لبيعه بمبلغ زهيد لم يكف حتى لسداد الالتزامات المتراكمة على الموقع. الحصار على "خبر جو" كان مالياً، وفنياً، حيث تعرّض لشهور طويلة إلى هجمات إلكترونية لا تجعله يختفي، ولكنها تجعل الدخول إليه صعباً ومملاً، فبدأ عدد زوار الموقع بالتناقض.
حاول المعنيون طيلة هذه الفترة شراء صمتي. وهناك العشرات من الكتاب والصحفيين والأصدقاء ممن تم التواصل معهم لاستشارتهم في هذا الأمر، ووصلت المبالغ إلى 200 ألف دينار. بعضهم اختصر الطريق وقال لمحدثيه أن "علاء الفزاع سيفضح محاولتكم وينشرها كمانشيت على موقعه". وقد أبلغني كل هؤلاء فيما بعد بماهية ما سمعوه. وفي نفس الوقت كانت المحاولات تجري على الصعيد الآخر: التهديد والضغوط والحصار.
ما يجري الآن في الأردن هو أن قوى الفساد تستغل تراجع الحراك الشعبي والضغط في الشارع لاستعادة مواقعها التي خسرتها في الأعوام الثلاثة الماضية. وهي في سبيل ذلك تقوم بهجوم مضاد، يشملني ويشمل غيري من النشطاء والصحفيين والإعلاميين والمعارضين، في سياق عام بالغ السوء. ويضاف إلى ذلك عوامل تخصني أنا شخصياً ضمن السياق العام، من بينها سجلي الحافل، ومن بينها ملفات حساسة عادت لتطفو على الواجهة من جديد.
مرة أخرى، لم يكن من السهل على شخص مثلي أن يقرر ترك بلاده التي يبذل من أجلها الغالي والنفيس. أكتفي بترداد ما قال الشاعر:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها، ولكن أخلاق (الرجال) تضيق
9/11/2013
علاء الفزاع
السويد