jo24_banner
jo24_banner

مؤامرة تنخرط الشعوب في تنفيذها

طاهر العدوان
جو 24 : زيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين الى القاهرة نهاية الأسبوع الفائت لا تقل أهمية عن الانفراج الكبير الذي حدث في الملف النووي الايراني وسط الحديث المستمر عن خارطة طريق بين الغرب وإيران تعيد العلاقات بينهما وتضع قواعد للتفاهم على تقاسم النفوذ في العراق وسوريا ولبنان. كلا الحدثين مؤشر على المتغيرات الاستراتيجية التي يجري ترتيبها بين الدول صاحبة النفوذ وهي روسيا وأمريكا وإيران وتظل اسرائيل غير بعيدة عن هذه الترتيبات، اما من يجلس بعيدا عن الطاولة حتى الآن فهي تركيا.
لا تستطيع مصر ان تستبدل النفوذ الأمريكي بالروسي فواشنطن تقدم مساعدة مالية واقتصادية وعسكرية ثابتة تصل الى أكثر من مليار ونصف دولار سنويا، روسيا لا تعرف هذا السخاء فهي تبحث عن دور يقوم على حاجة الاخرين لها في النزاعات وبمكاسب تعود عليها بالمليارات كما تفعل مع ايران ( المحاصرة اقتصاديا) ومع سوريا التي يدفع الايرانيون فواتير سلاحها. كما ان ما تسعى اليه مصر من التقارب مع موسكو هو توجيه رسالة غاضبة لحليفها الأمريكي، لهذا حرص وزير الخارجية المصري على التأكيد بان علاقات بلاده الجديدة مع روسيا لن تكون على حساب علاقاتها مع الآخرين ( وهو يقصد بالطبع أمريكا )، والوزير نبيل فهمي كان من صانعي سياسة الطلاق مع الاتحاد السوفيتي القديم عندما وجه السادات اليها الضربة القاضية في عام ١٩٧٢ تحت شعار « دول وش فقر « ويقصد ان الروس وجه فقر «اما دول فوش نعمه «ويقصد ان الأمريكان وجه نعمة.
كما ان مصر ستعوض النقص المالي في العلاقة مع روسيا بوتين بالمساعدات المالية السخية التي تقدمها دول الخليج لها. وهنا تظهر شدة التعقيدات المحيطة بالمتغيرات التي يجري ترتيبها في المنطقة، فالمصالح الروسية تلتقي مع دول الخليج ( باستثناء قطر ) في دعم النظام المصري بينما هي في حالة مواجهة مسلحة وصراع سياسي في سوريا وفي الملف الايراني.
لعبة استخدام الاوراق هي الان على أشدها في المنطقة، فالتدخل العسكري في سوريا من قبل موسكو وطهران اصبح أداة سياسية فعالة في مواجهة النفوذ الأمريكي من جهة، ولمواجهة موجات الربيع العربي التي أثارت المخاوف في العاصمتين لانها تحمل مكوناً رئيسيا من الاسلام السني العدو المشترك لهما.
التطمينات الأخيرة التي أطلقها كيري الى دول الخليج تكشف معالم المتغيرات التي تسير اليها السياسة الامريكية في الشرق الاوسط، كيري قال « اوباما مستعد لحوار بشأن اتفاق دفاعي للدفاع عن حلفائنا في المنطقة وان أمريكا ستدافع عنهم كما فعلت بالماضي ضد اي هجوم خارجي « اي ان المعادلة الامريكية الجديدة هي معاهدات دفاع مع دول الخليج مقابل ما سيتم الاتفاق عليه مع طهران في الملف النووي، وهي معادلة تمثل الوجه الآخر لاتفاق كيري-لافروف حول سوريا الذي يشكل القاعدة لمؤتمر جنيف ٢ المزمع عقده بحضور ايران والذي سيعيد رسم الخرائط الديموغرافية والمذهبية في الشرق الاوسط.
بالخلاصة، في البداية أشاع الربيع العربي الانطباع بان الشعوب العربية امتلكت مصيرها لبناء أنظمتها على قواعد الديموقراطية غير ان الحال انتهى بها الى ان تصبح ورقة على طاولة أمريكا وروسيا وإيران وإسرائيل يتهافتون على رسم وتقاسم مصالحهم في (سايكس بيكو) جديدة هي الاسوأ لان الشعوب نفسها وليس المؤامرات الخارجية فقط من ينخرط في تنفيذ المؤامرة والجاهل عدو نفسه.
(الرأي)
تابعو الأردن 24 على google news