الوقائع المأساوية في العالم العربي : تدمير ما تم بناؤه
طاهر العدوان
جو 24 : ألح علي احد القراء بالسؤال التالي : هل الديموقراطية وشعارات الإصلاح اهم من المطالب المعيشية وارتفاع الدخل واحترام إنسانية المواطن ؟ . والصيغة الأخرى لمثل هذا السؤال : هل يمكن تحقيق النمو الاقتصادي وتحقيق الرفاهية المعيشية والاجتماعية بمعزل عن الديموقراطية السياسية ؟ .
الإجابة على هذه الأسئلة أشغلت المؤرخين والباحثين في القرن الماضي عندما كانت المواجهة قائمة بين معسكر الديموقراطية الرأسمالية الليبرالية وتمثله الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وبين المعسكر الشيوعي الاشتراكي الذي مثله الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبا الشرقية المنطوية تحت نفوذه . وبينما اعتبرت الديموقراطية في الدول الغربية سبباً للثورة الصناعية والعلمية وفي تعميم الرفاهية الاجتماعية فان الاستبداد والأنظمة الشمولية في روسيا وألمانيا هتلر وفي الصين الشيوعية ارجعت التقدم الكبير فيهامن تصنيع وتطور الاقتصادي الى تقييد الحريات السياسية والديموقراطية تحت شعار الخبز قبل الحرية .
لكن انهيار الاتحاد السوفيتي وزوال الأنظمة الفاشية في أوروبا في القرن الماضي رغم ما أنجزته من تقدم علمي واقتصادي وصناعي عزز من النظرية الليبرالية القائلة بان الحريات السياسية والديموقراطية لا غنى عنها لتشكيل البيئة الجيدة للتقدم الاقتصادي والعلمي والصناعي الذي يوفر الرفاهية المعيشية والاستقرار الدائم ويحمي المجتمعات من الانقلابات المفاجئة والمدمرة .
ويقدم العالم العربي وقائع مأساوية لامثولة نهاية انظمة ، وربما شعوب واوطان، نتيجة تجارب قامت على فصل التنمية عن الحريات السياسية في ظل حكم فردي اوشمولي .
في ليبيا القذافي ومصر مبارك وتونس بن علي وسوريا الأسد صرفت مئات المليارات ، طوال عقود ، على اقامة المدن والبنية التحتية من صحة وتعليم وطرق ومشاريع صناعية وزراعية كان يمكن ان تشكل نقطة انطلاق لبناء دول حديثة تأخذ مكانها بين الدول المتطورة ، لكن ذلك انقلب الى دمار شامل في انتفاضات الربيع العربي وحروبه ونزاعاته الداخلية بسبب غياب الحريات السياسية واستشراء الفساد وغياب المؤسسات القوية والعميقة .
لقد تم إهمال الحريات العامة للشعوب العربية ومصادرتها باسم التنمية والاستقرار والنتيجة انظمة امنية توهمت انها بما تقدمه من خدمات صحية وتعليمية ، لا تصل الى كل الفئات الشعبية ولا تحكمها مقاييس العدالة الاجتماعية ، ستدفع بالشعوب الى الاستكانة والتخلي عن حرياتها وحقوقها الانسانية المشروعة وفي مقدمتها الحريات السياسية والمشاركة في إدارة الشؤون العامة اي تطبيق الحياة الديموقراطية .
نتيجة هذا الإهمال والسنوات الطويلة من القمع لم تتعلم الشعوب السلوك الديموقراطي ولا هي اقتنعت بان حكوماتها مستعدة للتنازل عن ما اغتصبه من حريات وحقوق عامه ، فانتهجت العنف وتفشت الفوضى فائضة بالمدفون في اعماقها من الثارات وتركة الاستبداد والثقافات الصغيرة على حساب مفاهيم احترام الرأي الاخر والمواطنة والحوار . كان على الأنظمة قبل ان تعمل على بناء الأبراج والطرق والجامعات والأسواق ان تعمل على بناء مجتمعاتها على قيم وأعراف وتقاليد الديموقراطية السياسية ومفاهيم المواطنة من خلال بناء مؤسسات الدولة بالارادة الشعبية والمشاركة التي تبني الثقة بين السلطة والشعب وليس على قاعدة توزيع المغانم والمغارم على مقاييس ابناء السلطة وأعداء الوطن .
التنمية الاقتصادية والرفاهية الناجمة عنها مهمة وأساسية ، لكن الإنسان لا يحيا فقط بالخبز ، انما بالخبز المجبول بالحريات العامة وحقوق الإنسان وبالكرامة قبل كل شيء.
(الرأي)
الإجابة على هذه الأسئلة أشغلت المؤرخين والباحثين في القرن الماضي عندما كانت المواجهة قائمة بين معسكر الديموقراطية الرأسمالية الليبرالية وتمثله الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وبين المعسكر الشيوعي الاشتراكي الذي مثله الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبا الشرقية المنطوية تحت نفوذه . وبينما اعتبرت الديموقراطية في الدول الغربية سبباً للثورة الصناعية والعلمية وفي تعميم الرفاهية الاجتماعية فان الاستبداد والأنظمة الشمولية في روسيا وألمانيا هتلر وفي الصين الشيوعية ارجعت التقدم الكبير فيهامن تصنيع وتطور الاقتصادي الى تقييد الحريات السياسية والديموقراطية تحت شعار الخبز قبل الحرية .
لكن انهيار الاتحاد السوفيتي وزوال الأنظمة الفاشية في أوروبا في القرن الماضي رغم ما أنجزته من تقدم علمي واقتصادي وصناعي عزز من النظرية الليبرالية القائلة بان الحريات السياسية والديموقراطية لا غنى عنها لتشكيل البيئة الجيدة للتقدم الاقتصادي والعلمي والصناعي الذي يوفر الرفاهية المعيشية والاستقرار الدائم ويحمي المجتمعات من الانقلابات المفاجئة والمدمرة .
ويقدم العالم العربي وقائع مأساوية لامثولة نهاية انظمة ، وربما شعوب واوطان، نتيجة تجارب قامت على فصل التنمية عن الحريات السياسية في ظل حكم فردي اوشمولي .
في ليبيا القذافي ومصر مبارك وتونس بن علي وسوريا الأسد صرفت مئات المليارات ، طوال عقود ، على اقامة المدن والبنية التحتية من صحة وتعليم وطرق ومشاريع صناعية وزراعية كان يمكن ان تشكل نقطة انطلاق لبناء دول حديثة تأخذ مكانها بين الدول المتطورة ، لكن ذلك انقلب الى دمار شامل في انتفاضات الربيع العربي وحروبه ونزاعاته الداخلية بسبب غياب الحريات السياسية واستشراء الفساد وغياب المؤسسات القوية والعميقة .
لقد تم إهمال الحريات العامة للشعوب العربية ومصادرتها باسم التنمية والاستقرار والنتيجة انظمة امنية توهمت انها بما تقدمه من خدمات صحية وتعليمية ، لا تصل الى كل الفئات الشعبية ولا تحكمها مقاييس العدالة الاجتماعية ، ستدفع بالشعوب الى الاستكانة والتخلي عن حرياتها وحقوقها الانسانية المشروعة وفي مقدمتها الحريات السياسية والمشاركة في إدارة الشؤون العامة اي تطبيق الحياة الديموقراطية .
نتيجة هذا الإهمال والسنوات الطويلة من القمع لم تتعلم الشعوب السلوك الديموقراطي ولا هي اقتنعت بان حكوماتها مستعدة للتنازل عن ما اغتصبه من حريات وحقوق عامه ، فانتهجت العنف وتفشت الفوضى فائضة بالمدفون في اعماقها من الثارات وتركة الاستبداد والثقافات الصغيرة على حساب مفاهيم احترام الرأي الاخر والمواطنة والحوار . كان على الأنظمة قبل ان تعمل على بناء الأبراج والطرق والجامعات والأسواق ان تعمل على بناء مجتمعاتها على قيم وأعراف وتقاليد الديموقراطية السياسية ومفاهيم المواطنة من خلال بناء مؤسسات الدولة بالارادة الشعبية والمشاركة التي تبني الثقة بين السلطة والشعب وليس على قاعدة توزيع المغانم والمغارم على مقاييس ابناء السلطة وأعداء الوطن .
التنمية الاقتصادية والرفاهية الناجمة عنها مهمة وأساسية ، لكن الإنسان لا يحيا فقط بالخبز ، انما بالخبز المجبول بالحريات العامة وحقوق الإنسان وبالكرامة قبل كل شيء.
(الرأي)