ماذا يريد ساسة القارّة العجوز من الملك؟
جو 24 : تامر خرمه - الإعلان عن اختيار الأردن عضوا غير دائم في مجلس الأمن، تزامن مع زيارة الملك إلى قبلة الاتحاد الأوروبي، بروكسل، ولكن هل حقّا يمكن للمقاربة الأوروبيّة أن تحلّ مكان نظيرتها الأميركية، فيما يتعلّق بدور الأردن الجيوسياسي، في ظلّ انشغال العم سام بأولوياته في الشرق الأقصى ؟
وهل تختلف المقاربتان في جوهرهما ؟ أم أن حلول الأردن مكان "الشقيقة الكبرى" السعودية، التي اعتذرت عن العضوية المؤقّتة في مجلس إعلان الحروب، يحدّد سلفا نتيجة المحاولات الأوروبية الرامية لمنافسة الروس في المنطقة.
بعد أن فازت موسكو بأوكرانيا وانتزعتها من اتّحاد القارّة العجوز، بادر الأوروبيّون إلى تسريع إيقاع مغازلة دول الجوار الجنوبيّة، في محاولة لتجاوز حالة اليوروقراط (البيروقراطية الأوروبيّة)، إلى مشهد يمكن فيه لهذا الاتّحاد أن يكون مرئيّا على المستوى السياسي.. خاصّة مع اقتراب الروس من إبرام اتّفاقهم مع واشنطن حول الملفّ السوري، وحاجة الغرب الملحّة لتسوية الصراع في الشرق الأوسط، على حساب القضيّة الفلسطينيّة والأردن على حدّ سواء.
بافيل بودا، مسؤول ملف الأردن في مجلس المفوضين لتوسعة وسياسة الجوار بالـ(E.E.A.S)، يعتبر أن السياسة الأوروبية تجاه أوكرانيا لم تكن قوية ولكنها "صحيحة"، نظرا لأنهم لا يمارسون الضغوط على "شركائهم"، على عكس الروس الذين يمارسون "الابتزاز"، على حدّ وصفه.
"نحن لا نمارس الضغوط ولكننا نطرح الشراكة"، يقول بودا مضيفا: "نطمح للتغيير في الأردن، فنحن ندعم التطوير عوضا عن الثورة.. المسألة تحتاج إلى وقت.. هذا هو طموحنا عندما يتعلّق الأمر بالسياسة، فالسياسة ليست فن تحقيق الممكن كما نقل كيسنجر عن بسمارك، بل هي فن تحقيق المستحيل كما أعلن رئيس التشيك السابق، البلد التي أنتمي لها".
إذا الاتحاد الأوروبي لا يرغب في ممارسة أيّة ضغوط سياسيّة على الأردن لحمله على ترجمة الرؤية الغربيّة للديمقراطيّة، هذا على الأقل ما يقوله بودا، الذي بدا واضحا خلال اللقاء معه في بروكسل أنه مقتنع للغاية بـ "الإصلاحات السياسية" التي أجرتها السلطات الأردنيّة مؤخّرا، حيث ثمّن أداء الأردن الرسمي بشكل لا يخلو من المبالغة.
ما الذي يريده الأروبيون من الأردن إذا.. يجيب بودا على هذا السؤال بكلمتين تختصران كلّ شيء: "الأمن والاستقرار".
كان من الواضح أن السلطات الأردنيّة تعزف على أوتار "الأمن والأمان" لإقناع الغرب أكثر مما تعزف على هذه الأوتار لإقناع الشارع الأردني بالسياسات الرسميّة.. ولكن أمن "اسرائيل" هو الذي نتحدّث عنه هنا !!
المشهد الآن كالتالي: "احفظوا أمن اسرائيل عبر تدعيم ركائز الاستقرار في بلدكم.. ولن نستعجل على التزامكم بالمعاهدات الدوليّة.. بل إن المزيد من الدعم المالي في طريقه إليكم".. هذا ما يقوله الأوروبيّون لصنّاع القرار الأردني.
ولكن هل هذا فقط ما يريده ساسة القارّة العجوز.. بالطبع لا.. وهنا يعلن بودا بكلّ صراحة: "نحن مستعدّون لتقديم كلّ أشكال الدعم المالي للأرن لتمكينه من استضافة اللاجئين السوريّين، ولنسأل أنفسنا هنا في أوروبا، هل ترحّب أيّة دولة في الاتحاد باللاجئين على أراضيها كما يفعل الأردن" ؟!
استقبال اللاجئين وحفظ الأمن والاستقرار هو أقرب ما سيصل إليه الأوروبيّون في مناقشة الوضع الداخلي الأردني، وفي ذات الوقت ستستمرّ المؤسّسات المالية الدوليّة في فرض شروطها وإملاءاتها على الأردن.. تلك الإملاءات التي أنهكت المواطن الأردني الرازح تحت وطأة الظروف الاقتصاديّة الخانقة.
مقاربة عجيبة.. تحمل تناقضها في داخلها.. الغرب يطمح للحفاظ على "الأمن والاستقرار" في الأردن، في الوقت الذي يدفع فيه الناس إلى الخروج للشارع عبر الضغوط الماليّة التي يفرضها على الأردن الرسمي.
والمخرج الضيّق الذي يطرحه الساسة في بروكسل يتمثّل بالمساعدات الماليّة التي يعلنون اعتزامهم على منحها بسخاء لمساعدة الأردن، وفي هذا الصدد يقول بودا: "لقد تغيّرت سياساتنا تجاه منطقتكم بعد الربيع العربي، ولكن هذه كانت مصادفة، فقد كنّا نعتزم تغيير هذه السياسة ودعمكم في كلّ الأحوال".
مزاعم بودا حول هذه "المصادفة" تنفيها توتلييس أوتا، الناطقة الرسميّة باسم تحالف الاشتراكيّين والديمقراطيّين في البرلمان الأوروبي، حيث تعلن صراحة أن الربيع العربي هو السبب الرئيس في تغيير السياسات الأوروبيّة الخارجيّة المتعلّقة بالمنطقة العربيّة.
في النهاية تغيّرت هذه السياسات.. ولكن حقّا ما الذي تغيّر ؟! تدفّق الأموال والتمويل السخيّ هو كلّ ما في الأمر، فالقارّة العجوز لا تحاول فرض إرادتها على صنّاع القرار في الأردن، ولكن (...) !!
المشكلة أن الاتحاد الأوروبي لا يملك فرض قراراته حتّى على الدول الأعضاء فيما يتعلّق بمزاعم الديمقراطيّة وحقوق الإنسان، ويمكن لهنغاريا أن تكون خير دليل على هذه اليوروقراطيّة غير المجدية، أمّا بالنسبة للأردن يحاولون لعب دور الأوصياء، ولكن خلف قناع الشريك.. وفي النهاية فإنّهم يتحدثون ذات اللغة التي يتحدّث بها النظام الأردني، وهي لغة "الأمن والأمان".
وهل تختلف المقاربتان في جوهرهما ؟ أم أن حلول الأردن مكان "الشقيقة الكبرى" السعودية، التي اعتذرت عن العضوية المؤقّتة في مجلس إعلان الحروب، يحدّد سلفا نتيجة المحاولات الأوروبية الرامية لمنافسة الروس في المنطقة.
بعد أن فازت موسكو بأوكرانيا وانتزعتها من اتّحاد القارّة العجوز، بادر الأوروبيّون إلى تسريع إيقاع مغازلة دول الجوار الجنوبيّة، في محاولة لتجاوز حالة اليوروقراط (البيروقراطية الأوروبيّة)، إلى مشهد يمكن فيه لهذا الاتّحاد أن يكون مرئيّا على المستوى السياسي.. خاصّة مع اقتراب الروس من إبرام اتّفاقهم مع واشنطن حول الملفّ السوري، وحاجة الغرب الملحّة لتسوية الصراع في الشرق الأوسط، على حساب القضيّة الفلسطينيّة والأردن على حدّ سواء.
بافيل بودا، مسؤول ملف الأردن في مجلس المفوضين لتوسعة وسياسة الجوار بالـ(E.E.A.S)، يعتبر أن السياسة الأوروبية تجاه أوكرانيا لم تكن قوية ولكنها "صحيحة"، نظرا لأنهم لا يمارسون الضغوط على "شركائهم"، على عكس الروس الذين يمارسون "الابتزاز"، على حدّ وصفه.
"نحن لا نمارس الضغوط ولكننا نطرح الشراكة"، يقول بودا مضيفا: "نطمح للتغيير في الأردن، فنحن ندعم التطوير عوضا عن الثورة.. المسألة تحتاج إلى وقت.. هذا هو طموحنا عندما يتعلّق الأمر بالسياسة، فالسياسة ليست فن تحقيق الممكن كما نقل كيسنجر عن بسمارك، بل هي فن تحقيق المستحيل كما أعلن رئيس التشيك السابق، البلد التي أنتمي لها".
إذا الاتحاد الأوروبي لا يرغب في ممارسة أيّة ضغوط سياسيّة على الأردن لحمله على ترجمة الرؤية الغربيّة للديمقراطيّة، هذا على الأقل ما يقوله بودا، الذي بدا واضحا خلال اللقاء معه في بروكسل أنه مقتنع للغاية بـ "الإصلاحات السياسية" التي أجرتها السلطات الأردنيّة مؤخّرا، حيث ثمّن أداء الأردن الرسمي بشكل لا يخلو من المبالغة.
ما الذي يريده الأروبيون من الأردن إذا.. يجيب بودا على هذا السؤال بكلمتين تختصران كلّ شيء: "الأمن والاستقرار".
كان من الواضح أن السلطات الأردنيّة تعزف على أوتار "الأمن والأمان" لإقناع الغرب أكثر مما تعزف على هذه الأوتار لإقناع الشارع الأردني بالسياسات الرسميّة.. ولكن أمن "اسرائيل" هو الذي نتحدّث عنه هنا !!
المشهد الآن كالتالي: "احفظوا أمن اسرائيل عبر تدعيم ركائز الاستقرار في بلدكم.. ولن نستعجل على التزامكم بالمعاهدات الدوليّة.. بل إن المزيد من الدعم المالي في طريقه إليكم".. هذا ما يقوله الأوروبيّون لصنّاع القرار الأردني.
ولكن هل هذا فقط ما يريده ساسة القارّة العجوز.. بالطبع لا.. وهنا يعلن بودا بكلّ صراحة: "نحن مستعدّون لتقديم كلّ أشكال الدعم المالي للأرن لتمكينه من استضافة اللاجئين السوريّين، ولنسأل أنفسنا هنا في أوروبا، هل ترحّب أيّة دولة في الاتحاد باللاجئين على أراضيها كما يفعل الأردن" ؟!
استقبال اللاجئين وحفظ الأمن والاستقرار هو أقرب ما سيصل إليه الأوروبيّون في مناقشة الوضع الداخلي الأردني، وفي ذات الوقت ستستمرّ المؤسّسات المالية الدوليّة في فرض شروطها وإملاءاتها على الأردن.. تلك الإملاءات التي أنهكت المواطن الأردني الرازح تحت وطأة الظروف الاقتصاديّة الخانقة.
مقاربة عجيبة.. تحمل تناقضها في داخلها.. الغرب يطمح للحفاظ على "الأمن والاستقرار" في الأردن، في الوقت الذي يدفع فيه الناس إلى الخروج للشارع عبر الضغوط الماليّة التي يفرضها على الأردن الرسمي.
والمخرج الضيّق الذي يطرحه الساسة في بروكسل يتمثّل بالمساعدات الماليّة التي يعلنون اعتزامهم على منحها بسخاء لمساعدة الأردن، وفي هذا الصدد يقول بودا: "لقد تغيّرت سياساتنا تجاه منطقتكم بعد الربيع العربي، ولكن هذه كانت مصادفة، فقد كنّا نعتزم تغيير هذه السياسة ودعمكم في كلّ الأحوال".
مزاعم بودا حول هذه "المصادفة" تنفيها توتلييس أوتا، الناطقة الرسميّة باسم تحالف الاشتراكيّين والديمقراطيّين في البرلمان الأوروبي، حيث تعلن صراحة أن الربيع العربي هو السبب الرئيس في تغيير السياسات الأوروبيّة الخارجيّة المتعلّقة بالمنطقة العربيّة.
في النهاية تغيّرت هذه السياسات.. ولكن حقّا ما الذي تغيّر ؟! تدفّق الأموال والتمويل السخيّ هو كلّ ما في الأمر، فالقارّة العجوز لا تحاول فرض إرادتها على صنّاع القرار في الأردن، ولكن (...) !!
المشكلة أن الاتحاد الأوروبي لا يملك فرض قراراته حتّى على الدول الأعضاء فيما يتعلّق بمزاعم الديمقراطيّة وحقوق الإنسان، ويمكن لهنغاريا أن تكون خير دليل على هذه اليوروقراطيّة غير المجدية، أمّا بالنسبة للأردن يحاولون لعب دور الأوصياء، ولكن خلف قناع الشريك.. وفي النهاية فإنّهم يتحدثون ذات اللغة التي يتحدّث بها النظام الأردني، وهي لغة "الأمن والأمان".