بلديات…(٢)
محمد المعايطة
جو 24 :
الضربات التي تمّ توجيهها للبلديات بعد عام ١٩٩٤ وهو العام الذي تم فيه توقيع اتفاقية وادي عربة متعددة وخطيرة، بعض الناس يعتقد بان هذا الكلام كبير وكأنني أتحدث عن مؤامرة، لكن معروف عالمياً بقدر تطور وتقدم وقوة الإدارة المحلية في اي بلد في العالم ينعكس على تطور الدولة وتقدمها سواء في التنمية والخدمات والبنية التحتية أو رفد الحياة العامة والسياسية والاجتماعية والإدارية والثقافية بقيادات قادرة على احداث التغيير، لكن ما تعرض له الأردن بعد هذه الاتفاقية شيء يخالط الخيال خاصة ان هذه الفترة تزامنت مع مرض المغفور له الملك حسين في عام ١٩٩٣ وأصبح الملك المرحوم غير متابع لتفاصيل الداخل ونتج عن ذلك منافسة شديدة بين المؤسسات ، ويبدو ان هذه الفترة تم استغلالها لتتشكل مجموعة لها ارتباط خارجي هدفها إضعاف الدولة وتخريب المؤسسات الوطنية بطريقة ناعمة وبطيئة على طريقة الجاسوس الروسي ( باسم اصغر عضو في هذه المجموعة وزملاؤه وأدواته ما زالوا يعملون لتاريخ هذه اللحظة ) ومن هذه المؤسسات البلديات ، والتراجع في مؤسسات الدولة والمجتمع بدأ بعد الاتفاقية بصور شتى استقواء أشخاص ومؤسسات، جرأة في استغلال الوظيفة ،جرأة في التجاوز على سيادة الدستور والقانون، فساد عيني وفساد مخفي ، جرأة في تزوير إرادة الناس ، تفريخ مؤسسات بشعارات محترمة وتفريغها من مضمونها، تعزيز ثقافة الوجاهة والألقاب وضرب ثقافة العمل والإنتاج، تهشيم وتشويه اي عمل جماعي قوي ومنظم ومؤثر حتى لو كان بقيادة شخص من داخل مؤسسات الدولة ( المرحوم عبدالهادي المجالي مثلاً ) نقابة المعلمين، النقابات المهنية، الأحزاب الكرتونية، وقد شاهدنا قبل يومين الفيديو المسجل لكبار الموظفين الذين تدعي المؤسسات بأنهم رجال دولة وهم يتباهون كيف يتوسطون لتجار المخدرات ، هذا الفيديو في الدول المحترمة كفيل بشطبهم وإيداعهم السجن، اصبحنا في زمن التفاهة كل المجالات.
الضربة الثانية للبلديات جاءت من مجالس الخدمات المشتركة والتي جاءت بموجب قانون رقم ١٩ لسنة ١٩٨٥ وكانت تقدم خدمات جليلة وكبيرة للبلديات، وأذكر عندما كنت نائب رئيس لمجلس خدمات الكرك بصفتي رئيس لبلدية أدر منذ عام ١٩٨٩ ولنهاية عام ١٩٩٣ كان رئيس المجلس رئيس بلدية الكرك الدكتور عبدالله الضمور وكانت المهمة الرئيسية للمجلس الإشراف على مكب النفايات وهو نفس المكب المستخدم في الوقت الحالي، لا بل ان مجلس الخدمات في تلك الفترة هو من قام بإنشاء هذا المكب ، وكان للمجلس مهمات أخرى في تلك الفترة المساهمة في الإشراف على مسلخ البلدية وصيانة وحدات الإنارة وفتح الطرق ورفع الأنقاض، ومنذ عام ١٩٩٥ انحصر عمله داخل مكب النفايات، منذ تأسيس المجالس كان يرأس المجالس رؤساء بلديات مراكز المحافظات وعضوية المجالس لرؤساء البلديات داخل المحافظات، قام أحد الوزراء وهو محترم بالمناسبة ويعتبر احد افضل وزراء البلديات بتعديل القانون ليصبح رؤساء المجالس معينين من قبل الوزير، وفي نهاية عام ١٩٩٥ جاء وزير جديد لا يعرف من فلسفة العمل البلدي الا تعيين عمال النظافة ،اذكر عدد الموظفين في مجلس خدمات الكرك لا يتجاوز ثمانية موظفين وكانوا يقومون بكافة المهام المذكورة سابقاً وها هو الدكتور عبدالله الضمور حي يرزق ويعرف الرقم بدقة، هل يعرف المواطنين بانه منذ عام ١٩٩٥ تم تعيين لا يقل عن ألفي موظف في مجلس خدمات الكرك لغاية الان، وكل ثلاثة أعوام يقوم الوزير بتحويل هؤلاء الموظفين الى البلديات من خلال اللجان لأن رؤساء البلديات المنتخبين يرفضون قبولهم وهذا احد الأسباب المخفية لحل البلديات وتشكيل اللجان، ومعظم الوزراء قاموا بهذا العمل بحجج مختلفة ، لكن السبب الأساسي للحل كان تنظيف مجالس الخدمات من الموظفين وتوظيف ناس من محاسيبهم وجماعتهم، مجموع ما تم تحويله من موظفي مجالس الخدمات المشتركة إلى البلديات خلال هذه السنوات يتجاوز ٨٠٠٠ موظف .، هذا العدد الضخم من الموظفين أكّل موازنة البلديات ورفع نسبة الأجور والرواتب بشكل غير مسبوق ، وكل وزير يأتي يتهم رؤساء البلديات بالتعيينات العشوائية.
هذه المجالس كانت عون للبلديات لكن بعد ان استولت عليها وزارة البلديات اصبحت كارثة كبيرة على البلديات والوطن ووجه قبيح للفساد المخفي .
معكم بإذنه تعالى إلى الإدراج الثالث عن البلديات.








