مع من نقف مع بندقية تقاتل ام مع سلطة تساوم
د. هاني العدوان
جو 24 :
السؤال الذي لا يجوز ان نهرب منه بعد اليوم
مع من نقف
مع مقاومة تدفع دمها دفاعا عن الأرض والكرامة
و أم مع سلطة منزوعة الإرادة، استهلكت ما تبقى من حلم التحرير وتحولت مع السنوات إلى كيان إداري يخضع لإملاءات الإحتلال ويعيش على هامش إرادته
هذا السؤال ليس مساجلة تاريخية بل سؤال مصير يبدأ من الضفة ولاينتهي عند حدود الاردن فقط
سؤال وعي يمتحن شجاعة العقل العربي عامة والأردني بشكل خاص
حين خرجت حركة فتح من قلب المخيمات
خرجت من جوع الناس ودموع الأمهات وأكوام الخيام التي كان البرد يمزق جلدها
كانت مشروعا ثوريا تتقدمها أسماء مناضلين عظام أمثال كمال عدوان، كمال ناصر، ابو يوسف النجار، خليل الوزير، ابو اياد، سعد صايل وابو الهول وغيرهم من الرجال الذين دفعوا أعمارهم لكي تبقى البندقية مرفوعة ولكي لا يتحول الفلسطيني الى متسول على بوابات العالم
لكن اغتيالات متتابعة وتصفية حسابات وضغوط دولية أنهكت الجسد الثوري
وحين دخلت منظمة التحرير نفق أوسلو خرجت منه بكل شيء الا الروح
ولدت السلطة الفلسطينية سنة 1994 لكنها لم تولد كدولة بل كسلطة بلا سيادة وبلا إرادة، محكومة ببروتوكولات أمنية واقتصادية تقيد أصغر حركة فيها
إتفاق باريس الإقتصادي ربط الإقتصاد الفلسطيني بقرارات تل أبيب وحدد نسبة الضرائب والجمارك وترك مفاتيح المعابر في يد الإحتلال
إتفاق أوسلو الأمني جرد السلطة من الحق في امتلاك قوات قتال حقيقية وحول أجهزتها الأمنية إلى مؤسسة وظيفية تدار بالتنسيق الكامل مع جهاز الشاباك
وهكذا بدل أن تكون السلطة نواة لقيام دولة أصبحت نواة جهاز ضبط داخلي مهمته الأساسية منع المقاومة من التشكل وإبقاء الضفة تحت "الهدوء الأمني"
لم يتوقف الأمر عند حدود السياسة
فالممارسات على الأرض كشفت الدور الحقيقي لهذه السلطة من مطاردة المقاومين في نابلس وجنين وطولكرم واعتقال عناصر القسام والجهاد وتسليم أسماء مطاردين للاحتلال، منع جنازات الشهداء، قمع المسيرات الشعبية
وفي الوقت الذي كان فيه الفلسطينيون يطردون من بيوتهم في القدس والشيخ جراح ويقصفون ليلا في غزة كان مسؤولو السلطة يضيفون خمسة نجوم جديدة الى حياة الخمس نجوم
هويات اردنية، جوازات اردنية، ارقام وطنية، بيوت في عبدون ودابوق، اراض في مختلف مناطق الاردن، استثمارات في تركيا والقاهرة، حسابات بالملايين في بنوك أوروبا والخليج
اي نضال هذا
كيف لمن يملك الثراء ويملك وطنين وثلاثة جوازات أن يقنع شعبه انه يقاتل لإستعادة وطن ثالث
وكيف لمن يتهامسون مع السماسرة السياسيين ان يجرؤوا على الحديث عن التحرير
عندما طرحت مشاريع "الوطن البديل" و"كونفدرالية الضفة" و"ضم الاغوار" كانت السلطة صامتة صمتا يشبه الرضا او على الأقل الخوف من الغضب الاسرائيلي
لم تظهر موقفا بحجم الخطر، لم تتخذ خطوة واحدة تتناسب مع حجم المشروع الذي كان يستهدف الأردن قبل فلسطين، لان قيادتها كانت تعلم أن بقاءها مرهون برضا الإحتلال وأن اي خروج عن النص يضعها خارج اللعبة كلها
وعلى الجهة الأخرى من الميدان، هناك رجال لا يحملون جوازات سفر ولا يملكون حسابات ولا يعرفون طريق الفنادق مقاومو غزة الذين يخرجون من الأنفاق ومن تحت الانقاض
رجال يقاتلون بلا راتب وبلا حصانات، بلا امتيازات، ومع ذلك يحمون الارض ويمنعون التهجير وينتزعون حق الشعب في البقاء ومقاومو جنين ونابلس وطولكرم الذين يواجهون الجيش الإسرائيلي بأيديهم وبنادقهم القديمة، شباب يدفنون أبناءهم صباحا ويعودون للكمائن مساء
يعرفون أن معركتهم ليست معركة ضفة فقط بل معركة الأردن أيضا والعرب جميعا، فكل متر يصمد غرب النهر هو درع لأمن الأردن شرق النهر وخط دفاع أول عن الأمة كلها
إن المقاومة اليوم هي الجدار الأخير الذي يصد مشروع التوسع الصهيوني
وهي السور الذي يمنع فكرة التهجير من العبور
وهي الكف التي ترفع وجه الامة كي لا يصفع
وهي الخط الفاصل بين أن نبقى احرار او نصبح شهودا على اقتلاع شعب كامل
أما السلطة فهي كما أثبت الواقع جهاز إداري لا يملك من مشروع التحرير إلا الكلام وخطابات في المؤتمرات بينما تنام تحتها شبكة مصالح صارخة لا تخجل من حقيقتها
أمام هذا المشهد يصبح السؤال واضحاً وفاضحاً
هل نقف مع سلطة نسيت الثورة أم مع مقاومة لا تملك إلا الشرف والبندقية
هل نقف مع من يطارد المقاوم أم مع من يحمي الأردن من بوابة فلسطين
هل نقف مع من يقيس السياسة بالمصالح الشخصية
أم مع من يقيسها بعدد الشهداء
إن الوقوف مع المقاومة يجب أن يكون خيارا سياسيا وخيارا اخلاقيا وخيارا انسانيا وخيارا وطنيا لا يحتمل المساومة
إن الذين يقاومون الإحتلال اليوم هم امتداد معركة الكرامة
هم الذين يمنعون الخرائط الصهيونية من المرور
وهم الذين يدفعون نيابة عنا جميعا ثمن البقاء
إن الوقوف مع المقاومة هو وقوف مع آخر من يحملون عبء الشرف على أكتافهم
أما السلطة التي تحولت عبر السنوات الى ظل باهت لمنظمة كانت ذات يوم تحمل اسم التحرير فقد حسمت خيارها حين استبدلت البندقية بالإمتيازات
وحين صار المقاتل خصما والاحتلال شريكا
وحين صار المناضلون ملفا امنيا والعدو شريكا اقتصاديا
وحين صار المواطن يُقمع، والشهيد يُحاصر، والمقاوم يتم تسليمه
إن الطريق صار واضحا لمن يريد أن يرى
ان الأوطان لا تنجو بالكلام ولا بالأرقام الوطنية ولا بالبيوت الفارهة
الأوطان تنجو بالرجال الذين يدافعون عنها لا بالذين يدافعون عن امتيازاتهم
واليوم بينما تعيد المقاومة تعريف معنى الرجولة ومعنى الوطن ومعنى الكرامة
تتراجع السلطة الى الخلف باختيارها لا بإجبارها
وتترك الميدان لمن ولدوا فيه ومن عرفوا منذ اللحظة الأولى أن الأرض لا تسترد إلا بمن يموت من أجلها لا بمن يتفاوض على حدودها
وهكذا يظل الجواب واحداً مهما حاول البعض تعقيده او تغطيته بالبهتان
نقف مع من يقف مع الأرض
نقف مع من يقف مع الدم
نقف مع من يقف مع الشرف
نقف مع من يقف بيننا وبين الخرائط الصهيونية التي لن تتوقف إلا حين تجد من يوقفها بالقوة
نقف مع الذين يقاتلون لا مع الذين يوقعون
نقف مع المقاومة لأنها آخر ما تبقى من معنى لهذه الامة








