jo24_banner
jo24_banner

سخرية لاذعة

ماهر أبو طير
جو 24 : أثارت موجة الثلج موجة من السخرية اللاذعة، فمن أولئك الذين ينتقدون المنخفض «إليكسا» باعتباره الأنثى التي تنتقم من الرجال حصرا بحبسهم في البيوت، مرورا بالذين يسألون الحكومة حول نيتها فرض ضريبة على الثلج، وصولا إلى من يطلقون رسائل استغاثة يطالبون بالشيبس ومشتقاته.
سخرية الناس هنا لغوية، والفرق بينها وبين سخرية المصري، أن الأول يسخر لغويا وكتابة، فيما شخصيته عن قرب جادة، وليس سهلا أن تتحول ذات الشخصية الى شخصية ساخرة، فهذا صعب جدا. المصري ساخر لغويا وشخصيا، وعنده قدرة على السخرية والإضحاك وجها لوجه بطريقة تختلف عن كل العرب، ولغة الجسد المصرية والروح تتشاركان مع السخرية اللغوية.
سفير عربي تم تعيينه في عمان، تمنى له أقرانه في خارجية بلده أن ُيعينه الله على التعيين في عمان، لأن التعامل مع الأردنيين صعب، وكان أن اكتشف لاحقاً أنهم أهل طيب وكرم، على الرغم من الجدية التي ترتسم على وجوههم، وخلف الوجه المتجهم إنسان طيب جدا. هي قسوة إذن، رسمتها الصحراء والحياة الجبلية الصعبة، وتقلبات الطقس، وغياب الماء، والفقر والحروب والنكبات في دول الجوار، وكل بلد لا ماء فيه، ولا ضفاف له على نهر أو بحر تصبح طباع أهله صعبة، فوق ضنك الحياة، وموجات الهجرة التي تتواصل منذ أكثر من مائة وخمسين عاما.
غير أن السخرية تولّدت في قلوب الناس، خلال السنين الأخيرة من شدة ما يرونه، وهي سخرية تختلط بالمرارة، وإذ تقرأ ما تتم كتابته على مواقع التواصل الاجتماعي من «فيس بوك» و»تويتر» تكتشف أن هناك سخرية تفجرت من وجدانات الأردنيين دون سابق موعد.
المواطن هنا يسخر لغوياً وإلكترونياً، لكنه اجتماعياً جاد جداً، فيما المصري قادر بلغته اللينة أن يجعل مجلسه ساخراً، ومفرداته تساعده على ذلك، وهكذا هي مرارة لاذعة ومرّة المذاق لدى الأردني أكثر من كونها سخرية إضحاك كما عند المصري.
تقرأ من باب السخرية أن واشنطن بعد فضيحة التنصت على العالم، وحصة الأردن مليار مكالمة تم التجسس عليها، قررت إرسال سفن قمح من باب الإغاثة الى الأردن.
تقارير «السي اي ايه»، قالت لأوباما إن نصف مكالماتنا التي تم رصدها تحتوي على جملة واحدة، يتم تكرارها، والجملة تقول للزوج..»جيب معك خبز وانت جاي» وواشنطن اعتبرت أن هذا دليلا على اختفاء القمح، مع قرب قدوم المنخفض الجوي الأخير.
مرارة أم سخرية إذ يقول آخرون-على سيرة التنصت- إن الاستخبارات الأمريكية انهارت تحت وطأة تحليل مكالمات الأردنيين، لأن هناك خمس جمل يتم تكرارها في كل المكالمات وهذه الجمل هي: «شو في مافي»..»صافية وافية».. «شو اسمو».. «هظاك وهاظ» ثم..» ملعون أبوها من عيشة»، ولا «تنسى جرة الغاز» مع إطلالة المنخفض.
بل إن السخرية تمتد الى تحليل مكالمات كثيرين، فكل الشعب الأردني في مكالماته يفترض أن خطه مراقب مسبقاً، حتى لو كان يتحدث عن الكهرباء المقطوعة في الحي، وعادة ما يتبادل كثيرون جملة يقولها الأول للثاني..»بلاش ع التلفون بعدين بحكيلك» وهي جملة أثارت شهوة الأجهزة الأمنية في العالم لمتابعة سر هذا التحوّط الفطري.
صديق لاذع سخر من البنات وقال: البنت تضع صورة بروفايلها على «الفيس بوك» وهي مشلحـة، وصدرها مكشوف جزئيا، ثم تنشر تعليقا تقول فيه : «رب اشرح لي صدري «؟!! طيب .. مش لما تغطيه بالأول؟!!.
السخرية الممزوجة بالمرارة لا تقف عند الحكومات والسياسة وغلاء الاسعار بل تمتد اجتماعيا، واحدهم يعبر عن سخريته الاجتماعية ويقول إن طفلا قال لوالده: انظر يا أبي الى التلفاز فالساحر على الشاشة يحول الدنانير الخمسة إلى حمامة، فيرد الأب: أنت لم تر أمك وهي تحوّل كل راتبي الى فستان!.
الفرق بين السخرية والمرارة فرق كبير، فسخرية المصري تأتي من شخصية لينة ودور السخرية هنا علاجي يقوم بالتخفيف من الضغط، فيما سخرية الأردني تعبّر عن مرارة شخصية لإنسان غاضب، ومعدنه غير قابل للثني أو الانكسار أو التفاوض، وهذا يقول إن من السطحية جداً اعتبار مرارة الأردني تنفيسية علاجية، وهي تعبّر عما هو أخطر بكثير.
حكوماتنا لو تسمّعت على مكالماتنا لوجدت على سيرة العنف الاجتماعي والحوادث في البلد أن اكثر جملة يتم تكرارها فعليا جملة تقول: «بدهم جاهة ولازم نعمل عطوة».. والعطوات والجاهات شغّالة في البلد، لاعتبارات مختلفة.
هي سخرية لاذعة بحق، تلمسها على مواقع التواصل الاجتماعية، وهي تتسم بأن ذات اصحابها، لا يحولونها الى شخصية اجتماعية على طريقة المصريين، وهذا يعني أن السخرية ستبقى كلاما لا نرى آثاره على وجوهنا أبدا.
(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news