2024-07-03 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

«الإنترنت» فضاء للانتفاضات العربية.. هل كان نعمة أم نقمة؟

«الإنترنت» فضاء للانتفاضات العربية.. هل كان نعمة أم نقمة؟
جو 24 : مع بدء الانتفاضات التي غيرت شكل العالم العربي قبل ثلاثة أعوام انهمرت الكتابات التي تنظر إلى «الإنترنت» وبالتحديد موقعي «فايسبوك» و «تويتر» كفضاء صانع لتلك الانتفاضات أو داعم باتجاه خلقها.
وعلى الصعيد الإبداعي أفاضت كتابات أخرى في الإشارة إلى اللغة الأدبية الجديدة التي يمكن أن تنتجها هذه الوسائط.
لكن اللافت أن تلك السنوات شهدت تحولاً عكسياً باتجاه الخروج من مأزق كتابة المدونات إلى سوق النشر التقليدي، وتحول مدونون معروفون إلى كتاب تم تكريسهم، ومع دخولهم إلى المجال العام نجحت قلة قليلة منهم في الإبقاء على السمات التي كانت تميز حضورهم الافتراضي، سواء على مستوى اللغة التلغرافية التي تتسم بالاقتصاد إلى جانب الاحتفاظ بنبرة السخرية ومزيد من الجرأة في خلق التابوهات.
لكن هل ارتد النشطاء إلى الإنترنت مجدداً بعد تعثر الثورات على الأرض؟ وبمعنى آخر هل هناك مجال لتأثير تصحيحي يمارسه الهامش الإلكتروني على المركز المتصلب بحيث استردت الإنترنت مكانتها كفضاء بديل لميادين الثورة التي فقدت فاعليتها مع ازدياد حدة الاستقطاب السياسي؟
في البداية يعود الكاتب المصري المقيم في الكويت إبراهيم فرغلي إلى المساحة التي أتاحتها الإنترنت للتعبير عن الذات، بكل ما يقتضيه ذلك من تناول للأفكار المسكوت عنها، خصوصاً في حال امتلاك هوية افتراضية، وبالتالي شاعت مناقشات صاخبة في السياسة وفي نقد السلطات القائمة، وانتقلت إلى الجنس والدين، لتنتقد بعُنف ظواهر راسخة في المجتمعات الذكورية، أو تستدعي نصوصاً ممنوعة في التراثين العربي والغربي، وسوى ذلك من قضايا.
ويتوقف الروائي المصري نائل الطوخي أمام نوع آخر من المكاسب أوجدتها «الإنترنت» لجيله من الكتاب، فظهور «المدونات» خلق حالة من الانفتاح والتواصل في الذاكرات الخاصة، الأذواق المختلفة في الفن، وطرق الكتابة المختلفة.
والميزة الرئيسية في المدونة كانت أنها لوحة للكتابة، ولكن أصحابها أتوا من خارج الوسط الكتابي التقليدي. الشعار الأساسي للمدونة: أي شخص يمكنه النشر.
وهذا الشعار هو ميزة التدوين ولعنته في الوقت ذاته، كما يرى صاحب رواية «نساء الكرنتينا» معترفاً بأن الإنترنت أفرزت بالطبع كتابة رديئة... «ولكن لا يهم، لأن أي طموح لدمقرطة الأدب لا بد أن يحتوي على قدر – كبير أحياناً – من الكتابة الرديئة. وفي المقابل كانت هناك الجرأة الشديدة وطرق مواضيع غير مطروحة قبلاً». ومن هذا الفضاء استطاع أدباء أن يخرجوا من رحم المدونات، أحمد ناجي ومحمد ربيع وأحمد الفخراني وغيرهم، وشكلوا ما يمكن أن يسميه النقاد «الكتابة الجديدة». وسيصبح من الصعب جداً في العقود المقبلة تأريخ أدب العصر الحديث من دون الإشارة إلى المدونات.
ولا يفوت صاحب رواية «أبناء الجبلاوي» رصد الآلية التي انتشرت بها أيقونات وصور شخصيات من رموز الحركات الثورية في العالم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي بحيث أتيح لكل مستخدم استخدام «أيقونة» تعبر عن هويته، وأصبح لدينا صور لـ «بوب مارلي»، مغني الريجي، و «جيفارا»، وإلى جوارهما أنتج المجتمع العربي صوراً لمحمد بوعزيزي في تونس، ثم خالد سعيد في مصر، وهذه الأيقونات عكست رفض المستخدمين للأفكار السلطوية، والميل إلى نقد أي رمز سياسي أو ثقافي أو ديني، وعدم الميل إلى احترام التراتب الطبقي أو العمري أو الكهنوتي المعروف في المجتمعات الأبوية السلطوية.
وضاعفت من تأثير هذه التقنية أمور تتعلق بخصائص الفضاء الإلكتروني القائمة على ضغطه الزمن، ليس فقط لجهة سرعة استدعاء المعلومة، وتوفير مناخ الاتصال الاجتماعي متخطياً حدود الجغرافيا والزمن، بل ولقدرته على التحفيز.
ويشير الكاتب والناشط السوري وائل سواح إلى خبرته الشخصية في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي كأداة للتحفيز، قائلاً: «في صيف 2009، سمعت ومعي كثيرون من جيلي باختراع جديد عجيب هو تويتر. كان ذلك أثناء ثورة الإيرانيين التي هزت عرش الولي الفقيه. إذ كان تويتر ومعه فايسبوك هما الوسيلة الأسرع لنقل ما يجري في الشارع الإيراني. بعد ذلك بسنة ونصف لعب فايسبوك الدور نفسه في الثورة المصرية».
وبحسب سواح: «لم تكن الغاية من وسائط التواصل الجماعي أن تحل محل الثورة، لكن أن تكون واحدة من وسائلها، فالشارع هو مكان الثورة، بيد أن ما يجري الآن هو عملية استبدالية، تم من خلالها استبدال الكومبيوتر بالـــشارع والميدان، والهاتف الذكي بالتظاهرة، واســتبدلت مجموعة فايسبوك بالحزب والتحالف والنقابة، وبالتالي تحولت وسائط التواصل الاجتماعي إلى حالة تعويضية، فصار المناضل يُرضي نفسه بنضاله الافتراضي، ويحسب أن بيان الحالة الذي يكتبه يمكن أن يغير موازين القوى، والتعليق يمكن أن يسقط نظاماً، والإعجاب (لايك) يمكن أن يقيم عدالة». والمشكلة، كما يراه سواح، تكمن في أن هذا التعويض صار يمكن أن يشكل توازناً نفسياً لمناضلي فايسبوك، بخاصة في الحالة السورية حيث اضطرت الغالبية إلى النزوح.

البراح المفتقد
عندما اندلعت الثورة المصرية في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 كانت الناشطة والصحافية نورا يونس واحدة من أبرز الأصوات التي نقلت الحالة المصرية إلى العالم بفضل عملها صحافية متخصصة في النشر الإلكتروني بما شملها من وسائط كانت أبرزها صحافة «الفيديو» التي أضاءت الكثير من النصوص التي رافقت الثورة. لكنها اليوم تبدو أقل تفاؤلاً من الحالة، وتصف ما تعيشه مصر بـ «اللحظات شديدة السواد» التي تدفع لنسأل أنفسنا بعدما خسرنا ميادين الثورة: هل ما زالت ميادين الإنترنت تسعُنا؟ وتجيب: «نعم». ولكن هل تكفي؟ الإجابة التي تنحاز إليها يونس هي: «لا».
وتتابع قائلة: «المدونات وحدها بكل رحابة الإنترنت ما كانت لتحقق شيئاً سوى الرضاء الذاتي بعد نفث الغضب. في بدايات التغيير (2004-2005) كان هناك قرابة الـ٨٠ مدونة، ثُلثها على الأكثر يتجاوز جهاز الكومبيوتر إلى الشوارع والأرصفة. كانت الميادين وقتها حلماً بعيد المنال. ولولا إمكانية الحركة على الأرض، حيث الرصد والتوثيق والكر والفر واختبار صلابتنا، لانتهى بنا الحال مثل معارضة المهجر – فاقدي الصلة».
تؤكد يونس التي صنعت فيلماً وثائقياً مطولاً عن الثورة والتدوين، أن الجيوش دائماً ما تحتكر التقنية. وحتى زمن غير بعيد كانت حيازة هاتف منزلي لاسلكي واسع النطاق تهمة، وكذلك أجهزة الجي بي أس. ولكن بدايات الإنترنت كمنتج للاستهلاك الشعبي جاءت لتضعه «خارج السيطرة».
ومنذ زمن غير بعيد أيضاً اختطفت الشرطة أحمد ماهر مؤسس «جروب» 6 أبريل على فايسبوك وعذبته لمدة 8 ساعات لتنتزع كلمة سر حسابه الشخصي على الشبكة الاجتماعية. أن يعذب شاب من أجل «باسوورد» كان أمراً يصعب تصديقه وقتها. ولكن تم أخيراً تجديد حبس «معتقلي القهوة»، الشباب المثبت في محضر التحريات حيازتهم مقاطع فيديو من ثورة يناير وصورة غيفارا، رمز اليسارية في العالم. آلة القمع الغاشمة أصبحت قاتلة هوجاء مجنونة.
ووفق ما ترى يونس فإن طول سنوات المعركة يغير الساحة. زاد عدد الثائرين، ولكن على الأرض تحول المتفرجون بفضل آلة إعلامية تكرس الخطاب الفاشي إلى «مواطنين شرفاء» يهاجمون من الخلف، وتحول فضاء «الإنترنت» إلى سوق عكاظ، يعج بالضجيج والغبار والاغتيال المعنوي ويشتت الانتباه. مع طول سنوات المعركة توحشت آلة القمع وتقلصت مساحتنا في الشارع وبقي السلاح ذاته – التظاهر على الأرصفة وداخل أسوار الجامعات. والأهم، فقدنا عنصر المفاجأة. وتنتهي يونس إلى الاعتراف: «في البدء كانت المدونات. أما بعد، فقد حان وقت اختراق فضاء جديد».

السيطرة على المجال العام
تطرح الأكاديمية المصرية المقيمة في باريس دينا الخواجة سؤالاً مهماً يخص الحالة المصرية: هل تم بسط يد الأمن على الحيز العام في مصر؟ وتجيب بأنه بالنظر إلى عشرات الإجراءات التي تكبل الحراك، لا يمكن أحداً أن ينازع في تقلص الحيز العام الذي كان انفتاحه وحراكه أحد العلامات المميزة لسياق ما بعد 25 يناير ٢٠١١.
وبحسب الخواجة التي كانت ضمن المجموعة المؤسسة لمبادرة «الإصلاح العربي»، فإن للحيز العام دوراً ثانياً لا يقل أهمية وهو توفير مجال للمداولة. وهنا -تقول الخواجة- نجد أيضاً أن الميادين والإعلام والمنابر السياسية المتاحة نظرياً للمداولة تراجعت عن لعب هذا الدور وركزت على التوحد والمساندة أكثر من دعم مبدأ التعددية مقارنة بالفترة التي سبقت 3 تموز (يوليو) ٢٠١٣.
وتعتقد الخواجة أن وضع ستار على المجال الافتراضي على الطريقة الصينية ما زال مستبعداً في السياق المصري، كما أنه أتي بأشكال تمرد غير مســـبوقة في أوائل أيـــام ثورة يناير ٢٠١١. وتعيد دينا الخواجة طرح سؤال مهم: هل فايسبوك منفذ؟ هل هو باب خلفي وفضاء بديل؟ أم أن مجرد وجـــوده كهامش يجبر القائمين على الأمور على تهـــذيب ميولهم لسحق التعبيرات المعارضة سحقاً تاماً. أياً كان، تقول الخواجة، فإن معارك الضبط على الإنترنت بدأت بعدما تم تأميم الميادين، ولكن ذلك لا يزال مجرد إجراء يتم على استحياء نظراً إلى محدودية فاعليته على المديين المتوسط والطويل في بلد يُصنف الثاني في استخدام الإنترنت عالمياً.
من جانبه، يتوقف الأكاديمي والديبلوماسي المصري ياسر علوي أمام تقنية للمشاركة يتيحها فايسبوك، فمن خلاله عُبئت شرائح واسعة لم يسبق لها التعاطي مع السياسة. غير أن المجموعات التي تتشكل على فايسبوك تلتقى على موضوع واحد، ولذا، فإن تناولها له يكون عادة خارج أي سياق أو رؤية شاملة، على نحو ما يفترض أن تفعله التنظيمات السياسية الرامية إلى تغيير المجتمع. وهناك نقطة ضعف ثانية يرصدها علوي تتمثل في أن الانتقال من التعبئة للتغيير، هي قضية «تنظيم وتحرك» بامتياز، وهما أمران لا أظن أن بالإمكان إتمامهما إلا في الواقع العيني.
ويرى الناقد أيمن بكر، الأستاذ في جامعة الكويت أن «الإنترنت» كانت الأداة التي أشعلت شرارة الثورة في مصر وتونس، لكنها الآن من عوامل إخماد هاتين الثورتين، معتبراً أن عدداً كبيراً من الناشطين الذين انطلقوا من فايسبوك وتويتر لم يتمكنوا من إيجاد مساحة فعل سياسي على الأرض فعادوا إلى فضاء الإنترنت في ما يشبه الهزيمة، على رغم أن المرحلة تحتاج إلى وجودهم في الشارع.
ويوضح بكر أن فشل هؤلاء الناشطين في اقتحام العمل السياسي أوجد لديهم مبرراً نفسياً لإبقاء الثورة في مربعها الأول، خصوصاً مع انفصال عدد كبير من نشطاء الثورة عن نبض الشارع وفقدانهم الظهير الشعبي، كما يفسر ذلك انفعالهم الزائد وفقدانهم القدرة على قبول النقد.
ويحدد بكر نموذج محمد البرادعي، أول من بشر بالتغيير في مصر، متأملاً المصير الذي انتهى، وهو الانهزام على أرض الواقع. فما مارسه البرادعي من تعال أخلاقي على واقع الثقافة المصرية أدى بحسب بكر إلى خروج مكاني نحو الغرب الذي تمثل مجتمعاته النموذج الأعلى له، كما أدى إلى تراجع مواز نحو فضاء الإنترنت ليمارس فيه أفكاره الأقرب إلى المثالية والمنفصلة بصورة مزعجة عن واقع فقراء مصر الذين طال صبرهم. وبالمثل عاد «الإخوان» ليشعلوا فضاء فايسبوك وتويتر بغضبهم العصابي بعد انهزامهم وفشلهم في التلاعب بثقافة المصريين، كما يؤكد بكر.
(الحياة)
تابعو الأردن 24 على google news