مجزرة الطبقة الوسطى!
محمد أبو رمان
جو 24 : من أجل تسجيل ابني في النادي الصيفي لإحدى المدارس الخاصة، ولمدة لا تزيد على الشهر، أحتاج إلى قرابة 300 دينار. وهي المدرسة نفسها التي شارك في النادي الصيفي فيها العام الماضي، بارتفاع يصل إلى 60 ديناراً. وإذا أضفنا إلى ذلك السباحة والنشاطات الأخرى، والنادي الصيفي لشقيقته، فسنتحدث عن أضعاف هذا المبلغ.
هذا مجرد مثال على ما سنواجهه خلال الفترة القادمة. فالجميع بدأ برفع أسعاره ومضاعفتها، ويبدو المشهد وكأنّ الأسر التي تريد توفير أفضل ظروف ممكنة لأبنائها، من أبناء الطبقة الوسطى، تجرّ إلى مجازر مالية لتوفير خدمات أساسية من المدارس والشركات والأطباء!
الحكومة تقرع آذاننا -صباح مساء- بخطاب خشبي يعدنا بأنّ رفع الأسعار سيطاول فقط الطبقة الغنية المقتدرة، بينما في الحقيقة من يكتوي بناره هم الطبقة العاملة، وهذه المرّة تحديداً هي الطبقة الوسطى، التي تكابد من أجل الحفاظ على نمط حياة معقول وسط هذا الغلاء والتضخم الكبير، وانفلات الأسواق والقطاع الخاص من أي التزامات حقيقية، بخاصة إذا تمّت الزيادة قريباً على بنزين "أوكتان 90"؛ إذ تقف الحكومة مكبلة اليدين، عاجزة عن تقديم أي ضمانات لكبح جماح متوالية ارتفاع الأسعار!
مع ندرة الدراسات المسحية للطبقة الوسطى لدينا، وبانتظار مسح جديد مهم يجريه مركز الدراسات الاستراتيجية (الجامعة الأردنية) حالياً، فإنّ الدراسة الرئيسة لدينا تعود إلى عامين للمجلس الاقتصادي الاجتماعي (عندما كان فاعلاً ومؤثراً) مع وزارة التخطيط.
ما كشفته تلك الدراسة هو أنّ نسبة من يقل دخلهم الشهري عن 800 دينار تبلغ قرابة 86 %، ومن يقع دخلهم ما بين
800-884 دينارا تصل إلى 5.6 %، ليصل الرقم إلى حوالي
91 % لمن يقل دخلهم الشهري عن 900 دينار. وهذا بالطبع مع التحفظ على أنّ الدراسة اعتبرت من يزيد دخله الشهري على ذلك هو من الطبقة الغنية، وهذا ما لا يحتاج إلى تفنيد، إذ يدرك أغلب المواطنين أنّ من يصل دخله الشهري اليوم ما بين
2000 - 3000 دينار هو من الطبقة الوسطى، على الأقل في انطباعات الشارع!
المعايير المستخدمة في الدراسة يمكن أن تكون صحيحة، فيما لو لم يكن المواطن، ابن الطبقة الوسطى، يتكبّد هو ثمن تعليم أبنائه ودراستهم وتأمين مستوى جيّد من الرفاهية لهم. لكن ما يحدث لدينا هو العكس تماماً مع سوء خدمات التعليم العام والنقل والخدمات المتعددة، وهي في الاقتصادات الحرّة التي يسير على خطاها اقتصادنا اليوم خدمات شبه مجّانية، وتمتاز بالجودة.
زبدة القول أنّ الارتفاع الحالي للأسعار سيضرب الطبقة الوسطى في الصميم؛ فالطبقة الفقيرة والكادحة استسلمت مبكّراً، وتقاتل من أجل لقمة الخبز والخدمات الأولية، أمّا الطبقة الوسطى فهي التي تدفع جزءاً كبيراً من دخولها على التعليم والخدمات الأخرى، والقروض، وهي من سيواجه انفلات الأسعار بدرجة رئيسة، وهو السبب الذي يدفعني إلى أن أتوقع اندماج هذه الطبقة من المهنيين والأكاديميين والموظفين، في القطاعين الخاص والعام، في الحراك والاحتجاج، والدمج بين المطالب الاقتصادية والسياسية خلال المرحلة القادمة.
بالطبع، هذا لا يعني الخيار الضد، أي أن ننتظر انهيار الاقتصاد الوطني، لكنه دليل آخر على دعوانا الدائمة بأنّ استمرار إدارة السياسات العامة بالطريقة التقليدية لم يعد اليوم ممكناً، فالطريق نحو الخصخصة تقتضي توسيع قاعدة المشاركة في قرارات الدولة المصيرية. وقد كان كثير من المراقبين يطالبون منذ أعوام بأن يكون هنالك مؤتمر وطني للمؤسسات والخبراء المعنيين بالشأن الاقتصادي للاتفاق على إعادة هيكلة السياسات الاقتصادية وحزمة الأمان الاجتماعي المطلوبة."الغد"
m.aburumman@alghad.jo
هذا مجرد مثال على ما سنواجهه خلال الفترة القادمة. فالجميع بدأ برفع أسعاره ومضاعفتها، ويبدو المشهد وكأنّ الأسر التي تريد توفير أفضل ظروف ممكنة لأبنائها، من أبناء الطبقة الوسطى، تجرّ إلى مجازر مالية لتوفير خدمات أساسية من المدارس والشركات والأطباء!
الحكومة تقرع آذاننا -صباح مساء- بخطاب خشبي يعدنا بأنّ رفع الأسعار سيطاول فقط الطبقة الغنية المقتدرة، بينما في الحقيقة من يكتوي بناره هم الطبقة العاملة، وهذه المرّة تحديداً هي الطبقة الوسطى، التي تكابد من أجل الحفاظ على نمط حياة معقول وسط هذا الغلاء والتضخم الكبير، وانفلات الأسواق والقطاع الخاص من أي التزامات حقيقية، بخاصة إذا تمّت الزيادة قريباً على بنزين "أوكتان 90"؛ إذ تقف الحكومة مكبلة اليدين، عاجزة عن تقديم أي ضمانات لكبح جماح متوالية ارتفاع الأسعار!
مع ندرة الدراسات المسحية للطبقة الوسطى لدينا، وبانتظار مسح جديد مهم يجريه مركز الدراسات الاستراتيجية (الجامعة الأردنية) حالياً، فإنّ الدراسة الرئيسة لدينا تعود إلى عامين للمجلس الاقتصادي الاجتماعي (عندما كان فاعلاً ومؤثراً) مع وزارة التخطيط.
ما كشفته تلك الدراسة هو أنّ نسبة من يقل دخلهم الشهري عن 800 دينار تبلغ قرابة 86 %، ومن يقع دخلهم ما بين
800-884 دينارا تصل إلى 5.6 %، ليصل الرقم إلى حوالي
91 % لمن يقل دخلهم الشهري عن 900 دينار. وهذا بالطبع مع التحفظ على أنّ الدراسة اعتبرت من يزيد دخله الشهري على ذلك هو من الطبقة الغنية، وهذا ما لا يحتاج إلى تفنيد، إذ يدرك أغلب المواطنين أنّ من يصل دخله الشهري اليوم ما بين
2000 - 3000 دينار هو من الطبقة الوسطى، على الأقل في انطباعات الشارع!
المعايير المستخدمة في الدراسة يمكن أن تكون صحيحة، فيما لو لم يكن المواطن، ابن الطبقة الوسطى، يتكبّد هو ثمن تعليم أبنائه ودراستهم وتأمين مستوى جيّد من الرفاهية لهم. لكن ما يحدث لدينا هو العكس تماماً مع سوء خدمات التعليم العام والنقل والخدمات المتعددة، وهي في الاقتصادات الحرّة التي يسير على خطاها اقتصادنا اليوم خدمات شبه مجّانية، وتمتاز بالجودة.
زبدة القول أنّ الارتفاع الحالي للأسعار سيضرب الطبقة الوسطى في الصميم؛ فالطبقة الفقيرة والكادحة استسلمت مبكّراً، وتقاتل من أجل لقمة الخبز والخدمات الأولية، أمّا الطبقة الوسطى فهي التي تدفع جزءاً كبيراً من دخولها على التعليم والخدمات الأخرى، والقروض، وهي من سيواجه انفلات الأسعار بدرجة رئيسة، وهو السبب الذي يدفعني إلى أن أتوقع اندماج هذه الطبقة من المهنيين والأكاديميين والموظفين، في القطاعين الخاص والعام، في الحراك والاحتجاج، والدمج بين المطالب الاقتصادية والسياسية خلال المرحلة القادمة.
بالطبع، هذا لا يعني الخيار الضد، أي أن ننتظر انهيار الاقتصاد الوطني، لكنه دليل آخر على دعوانا الدائمة بأنّ استمرار إدارة السياسات العامة بالطريقة التقليدية لم يعد اليوم ممكناً، فالطريق نحو الخصخصة تقتضي توسيع قاعدة المشاركة في قرارات الدولة المصيرية. وقد كان كثير من المراقبين يطالبون منذ أعوام بأن يكون هنالك مؤتمر وطني للمؤسسات والخبراء المعنيين بالشأن الاقتصادي للاتفاق على إعادة هيكلة السياسات الاقتصادية وحزمة الأمان الاجتماعي المطلوبة."الغد"
m.aburumman@alghad.jo