مع كتاب الدكتور محمد ابراهيم العساف «الديمقراطية في الفكر العربي المعاصر»
جو 24 : يشكل هذا الكتاب استثناء جميلاً في الدراسات السياسية المتعلقة بالمشهد السياسي العربي المعاصر، وهو الى ذلك يمثل اقصى ما قد يبلغه الاكاديمي من كسب معرفي من خلال الاطاريح الجامعية، كما يمثل في الوقت نفسه ما قد يتأدى اليه منهج "التقميش" من توافر اسباب النظر الحر في القضايا المطروحة او من ارتهان وعي الباحثين بما كان قيل من قبل فيها او من دورانه في فلك ما قيل، وهو ارتهان استطاع الدكتور محمد العساف ان يكون بنجوة منه الى حد كبير، بحيث يمكن استيقان استقلاليته في كثير من آرائه التي خلص اليها من ركام المقولات والافكار والتحليلات التي تناولها في كتابه.
واذا نحن تجاوزنا قضية المنهج الى الموضوع نفسه وهو "الديمقراطية في الفكر العربي المعاصر" فان باستطاعتنا الجزم بنجاح الباحث في تحقيق "حالة نقدية" تثير الاعجاب ازاء اسماء لامعة ذات حضور مشهود في الواقع الاكاديمي العربي مثل عادل ضاهر وبرهان غليون ومحمد عابد الجابري وسمير امين وعلي محافظة وسعدالدين ابراهيم، وآخرين اضافة الى مفكرين اسلاميين كبار مثل سيد قطب وابي الاعلى المودودي وحسن حنفي وآخرين.
ولقد تبدى الباحث في صورة مدير حوار ممتد بين هؤلاء، جميعاً، يستوقف من يشاء منهم عند مقولة له او فكرة فيرى رأيه فيها عجلان ثم يمضي في توسم ما يقولون، وفي دفعه في مسالك بحثه حتى يصل الى الخلاصة منه.
وعلى ان هذا ايضاً ذو صلة بمنهج البحث الا انه يظهرنا على سمة واضحة فيه تحسب للمؤلف الكريم وهي تأبيّه على التسليم لأي مفكر بما يقرره (ولا سيما الايديولوجيين) واحتكامه واياه الى حقائق مما اضاء الآخرون او مما خلص اليه الباحث نفسه.
ولعل وقوف الباحث الملي امام علاقة الدين بكل من العلمانية والديمقراطية ان يكون هو مربط الفرس في كتابه الذي استغرق خمسمئة صفحة من القطع الكبير، فضلاً عن كونه ميداناً او مضماراً لطراده من حيث هو "مفكر" استطاع ان يثبت وجوده – في اطلالة واثقة – على الرغم من المواصفات الاكاديمية التي تؤمن بخروجه منها عفياً ظافراً..
هذا ما نسجله لهذا الكتاب المهم الذي قل وجود امثاله في اعمال الشباب، ونحن نأتي به على سبيل اللمح والايجاز، اما ما يؤخذ على الباحث فهو قليل ولا يقدح في انجازه الكبير. وان كنا لا نملك الا ان نصارحه بأن بعض من استشهد ببعض (ما نقلوه) عن الآخرين لا يحسبون في رجال الفكر الا بقدر من التجاوز.
على ان ما ننتهي اليه بشأن هذا الكتاب الذي يهديه الدكتور محمد العساف الى مكتبتنا الوطنية انه كتاب يعلن، وبصوت قوي جهير، ولادة مفكر عربي ذي قامة مديدة، نأمل ان يأخذ مكانه في رجال التنوير والاصلاح وان يؤتي اكله في واقعنا الثقافي جنياً.
ثم ان لنا – فيما نرجو – وقفة اخرى مع هذا الكتاب باذن الله.
واذا نحن تجاوزنا قضية المنهج الى الموضوع نفسه وهو "الديمقراطية في الفكر العربي المعاصر" فان باستطاعتنا الجزم بنجاح الباحث في تحقيق "حالة نقدية" تثير الاعجاب ازاء اسماء لامعة ذات حضور مشهود في الواقع الاكاديمي العربي مثل عادل ضاهر وبرهان غليون ومحمد عابد الجابري وسمير امين وعلي محافظة وسعدالدين ابراهيم، وآخرين اضافة الى مفكرين اسلاميين كبار مثل سيد قطب وابي الاعلى المودودي وحسن حنفي وآخرين.
ولقد تبدى الباحث في صورة مدير حوار ممتد بين هؤلاء، جميعاً، يستوقف من يشاء منهم عند مقولة له او فكرة فيرى رأيه فيها عجلان ثم يمضي في توسم ما يقولون، وفي دفعه في مسالك بحثه حتى يصل الى الخلاصة منه.
وعلى ان هذا ايضاً ذو صلة بمنهج البحث الا انه يظهرنا على سمة واضحة فيه تحسب للمؤلف الكريم وهي تأبيّه على التسليم لأي مفكر بما يقرره (ولا سيما الايديولوجيين) واحتكامه واياه الى حقائق مما اضاء الآخرون او مما خلص اليه الباحث نفسه.
ولعل وقوف الباحث الملي امام علاقة الدين بكل من العلمانية والديمقراطية ان يكون هو مربط الفرس في كتابه الذي استغرق خمسمئة صفحة من القطع الكبير، فضلاً عن كونه ميداناً او مضماراً لطراده من حيث هو "مفكر" استطاع ان يثبت وجوده – في اطلالة واثقة – على الرغم من المواصفات الاكاديمية التي تؤمن بخروجه منها عفياً ظافراً..
هذا ما نسجله لهذا الكتاب المهم الذي قل وجود امثاله في اعمال الشباب، ونحن نأتي به على سبيل اللمح والايجاز، اما ما يؤخذ على الباحث فهو قليل ولا يقدح في انجازه الكبير. وان كنا لا نملك الا ان نصارحه بأن بعض من استشهد ببعض (ما نقلوه) عن الآخرين لا يحسبون في رجال الفكر الا بقدر من التجاوز.
على ان ما ننتهي اليه بشأن هذا الكتاب الذي يهديه الدكتور محمد العساف الى مكتبتنا الوطنية انه كتاب يعلن، وبصوت قوي جهير، ولادة مفكر عربي ذي قامة مديدة، نأمل ان يأخذ مكانه في رجال التنوير والاصلاح وان يؤتي اكله في واقعنا الثقافي جنياً.
ثم ان لنا – فيما نرجو – وقفة اخرى مع هذا الكتاب باذن الله.