كيف تصبح صنماً ؟
إن مبتكر هذه اللعبة كان سابقا برؤيته وبصيرته عصره وزمانه , كان يرى ويقرأ المستقبل , ولذلك ابتكر هذه اللعبة ليزرع في نفوس الاجيال منذ الصغر محاربة الاصنام البشرية مستقبلا ,كان يريد إعدادنا لمستقبل يكون فيه الوطن بحاجة للتخلص من السعادين التي تعيث فيه فساداً , هذه اللعبة كنا نمارسها ويمارسها معظم أبناء البادية والأرياف والقرى ,كنا نمارسها دون خوف وغير آبهين بمخاطرها التي غالبا ما كنا نصاب بها من جروح بليغة وخاصة في الرأس وكانت امهاتنا وجداتنا تعالج الاصابات (الفشخات) بغسل الجرح ورش بعض الرماد على مكانه وربطه بقطعة قماش , اما اذا كان الجرح بليغا وغائرا في الرأس فهنا يتدخل الرجال ويستل احدهم شبريته ويقوم بحث حزامه الجلدي ومن ثم يمزج الجلد المبشور مع حثال القهوة (بقايا القهوة) ويضع هذا المزيج في الجرح ومن ثم يضمده بقطعة قماش ... وفي اليوم التالي يعود المصاب او المصابون الى ساحة المعركة.
تسمى هذه اللعبة لعبة الشارات وتتكون من فريقين يحدد عدد اعضاء كل فريق بالاتفاق فيما بينهما وبموافقة الحكم وينصب احد الفريقين حجرا شريطة ان يكون مخروطي الشكل وارتفاعه لا يقل عن شبرين ويسمى الصنم والبعض يسميه القرد ومن خلفه وعلى مسافة لا تقل عن خطوتين وبخط مستقيم تنصب مجموعة من الحجارة عددها فردي (7,5,3) شكلها يجب ان يكون مستطيلا او دائريا تسمى السعادين ,يجمع الفريقان مجموعة من الحجارة يحدد عددها باتفاق الفريقين يتناسب عددها مع عدد السعادين لرميها على الصنم وسعادينه من على مسافة تحدد من قبل الفريقين (20,30,40) خطوة ويرسم خط يسمى خط الرماية , والفريق الذي يصيب الصنم وسعادينه ويسقطها ارضا بأقل عدد من الحجارة يكون هو الفائز شريطة ان يرمى الصنم ويسقط اولا , وإذا ما اخطأ احد الرماة اصابة الصنم واسقط احد السعادين اولا فإن الفريق يخسر الجولة , وغالبا ما كان رعاة الغنم يشاركونا اللعب وكانوا هم الفائزين بعدد الجولات.
كبرنا وكبرت معنا اصنامنا وكثرت السعادين , وما كنا نعتقد انها لعبة للصغار ادركنا الان انها لعبة الكبار , فقلما تجد دائرة أو مؤسسة أو وزارة تخلو من صنم وخلفه مجموعة من السعادين ولكن لا احد يرجمها ولا احد يسقطها , بل تجد السواد الاعظم ينشد رضاها ويتملق لها لكي لا ترجمه هي , فإذا ما انحنيت لها وتغنيت بعبقريتها الزائفة وانجازاتها الوهمية فلن ترتقي لمراتب السعادين ولن يكون لك اي أمل ان تصبح صنما في يوم ما , فلكي تصبح منهم عليك ان ترى وتغمض عينيك...وان تسمع وتطأطي رأسك طاعة , عليك ان تتعلم اشياء وتحفظها عن ظهر قلب (حاضر سيدي...امرك سيدي...انا من ايدك هذه لايدك هذه... ما يهمني إلا رضاك يا سيدي.... وتتخلى عن اشياء عملا بالغاية تبرر الوسيلة....الخ) ,ومن سخرية القدر ان كل شعوب الارض تنهض وتبني مستقبلها وتتطور مع تطور التاريخ والانسانية إلا شعوب الجغرافيا العربية فإنها تسير عكس شعوب العالم وتعود الى زمن ما قبل الاسلام...زمن عبادة الاصنام والتضرع اليها وتقديسها.
لقد اصبحت وعلى مساحة الجغرافيا والإدارة الاردنية شبكة سعادين وأصنام فاشلة علميا واداريا تقودنا الى مستقبل مظلم ومجهول ,أغرقونا بمديونية لا قبل لنا على تسديدها الا بتدخل صندوق النقد الدولي وبشروط صهيونية يهودية اسرائيلية ؟, كم هذا الوطن بحاجة الى ابنائه الرعاة ليخلصوه من براثن اصنام وسعادين العصر الذين قتلوا احلامنا بالعيش بكرامة وكبرياء في ربوع هذه الأرض المباركة , لقد افسدوا طموحنا في بناء الوطن النموذج وطن الشفافية وطن العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص ...وطن الحرية وسيادة القانون...وطن الديمقراطية والمحبة الاجتماعية....فكل هؤلاء وأموالهم أقل قيمة من حسرة ودمعة طفل حرموه من شراء لعبة معروضة في مولاتهم .