الشيخ إمام الغائب الحاضر في التحرير

«لما الشعب يقوم وينادي، يا إحنا ياهُما في الدنيا دي، حزر فزر شغل مخك شوف مين فينا حيغلب مين».. كلمات لحنها وغناها إمام عيسى، الشهير بـ«الشيخ إمام»، منذ سنوات ولم يكن يعلم أنها ستكون وقودًا يشعل ميدان التحرير في ليالي يناير الباردة بعد خمسة عشر عامًا من رحيله وبعد أن كانت أغانيه في الستينيات والسبعينيات جريمة يعاقب عليها من يضبط متلبسًا بسماعها.

ضمت مسيرة حياة الشيخ إمام، بداية من ميلاده عام 1918 في محافظة الجيزة المصرية بقرية «أبو النمرس» وحتى وفاته في  السابع من يونيو عام 1995، أحداثا تراجيدية بداية من فقده لبصره بسبب الجهل بالطب والعادات الخاطئة، مرورًا بطرده من الجمعية الشرعية بالأزهر الذي حرمه من أن يحقق أمنية والده في أن يكون شيخًا أزهريًّا، وأيضًا طرده من المنزل ووفاة والدته دون أن يكون موجودًا، ولكن تلك الأحداث التراجيدية كانت سببًا في تحول حلمه من شيخ أزهري إلى مُنشدٍ يتغنّى بأحلام الفقراء ويشد عزيمتهم الثورية في كل مكان وزمان.

كان الشيخ درويش الحريري أول من استمع إلى «إمام» وأعجب به وتولى تعليمه الموسيقى، واصطحبه في جلسات الإنشاد والطرب، فذاع صيته وتعرف إلى كبار المطربين والمقرئين، أمثال زكريا أحمد والشيخ محمود صبح، وفي منتصف الثلاثينيات كان يستعين الشيخ زكريا أحمد بـ«إمام» في حفظ الألحان الجديدة واكتشاف نقاط الضعف بها، حيث كان زكريا أحمد «ملولا» لا يحب الحفظ، فاستمر معه «إمام» طويلا، وكان يحفظ ألحانه لأم كلثوم قبل أن تغنيها، وكان «إمام» يفاخر بهذا، بعدها ابتعد عن قراءة القرآن والإنشاد الديني وتحول لمغن وملحن.

شكل «إمام» مع الشاعر أحمد فؤاد نجم، ثنائيًا رائعًا، التف حوله المثقفون، ولكن جاءت نكسة يونيو لتحدث شرخًا في حياتهما ليتحولا من الغناء المعتاد إلى السخرية من الواقع الذي فرضته الهزيمة، وانحازا إلى نقد الهزيمة، مختارين «مر الكلام»، مما جعلهما يدفعان ثمنا غاليا، حيث قضى «إمام» و«نجم» الفترة من النكسة حتى حرب أكتوبر، يتنقلان من سجن إلى آخر، ليكون «إمام» أول سجين للغناء في العالم، حتى أفرج عنهما بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.

وفى منتصف التسعينيات آثر الشيخ إمام العزلة والاعتكاف وكان قد جاوز السبعين حتى أسدل الستار على حياته الصاخبة وتوفي في هدوء في «شهر النكسة»في يونيو عام 1995."المصري اليوم"