إعادة هيكلة الحكومة على الطريق
ماهر أبو طير
جو 24 : ليس سرّ لدى من يعرف أن مشروع التخفيف من أعداد موظفي الحكومة مشروع قديم تم طرحه قبل ثلاث سنوات تقريبا، وتم التراجع عنه مؤقتا بسبب مناخات الربيع العربي.
المشروع الذي يأتي تحت عنوان إعادة هيكلة الحكومة، كان قرارا مع عدة قرارات اخرى، تم تأجيل بعضها، واتخاذ بعضها.
قبل ثلاث سنوات تقريبا كان هناك قرار بالتخلص من نسبة من الموظفين، وخضع الأمر لدراسات لتطبيقه، وتم وضع عدة وصفات من بينها تخيير الموظف بين مكافأة مالية والخروج للتقاعد، وهي مكافأة ليست كبيرة، وبين وضع معايير معينة لإحالات قانونية على التقاعد، مع وقف التعيينات والهدف خفض نسبة الرواتب في الموازنة العامة.
الإجراء كان تصحيحيا لاختلالات الموازنة وحجم الرواتب فيها-هكذا قالوا-والمعروف هنا أن الإحالات على التقاعد ستؤدي الى خفض مصروفات الرواتب الى حد كبير، كما أن هذه الإحالات الاختيارية أو الإجبارية ستؤدي الى نقل مخصصات الرواتب من رواتب مدفوعة من الموازنة الى رواتب مدفوعة من الضمان.
كان هذا المشروع أحد المشاريع التي تم اعتمادها قبل ثلاث سنوات دون إعلان مع قرارات أخرى مثل: رفع سعر الكهرباء وخفض عجز الموازنة وتخفيف ما يسمى بـ»الدعم الحكومي» عن سلع كثيرة.
مناخات الربيع العربي أدت الى طي المشروع كليا، فلا قدرة آنذاك لأحد على اثارة التوترات فوق ما في المناخ العام المحلي والعربي من توترات تشتعل حتى لأتفه الأسباب احيانا.
عاد الكلام مجددا عن تشذيب الجهاز الحكومي لكونه مترهلا، والعنوان يعني بشكل واضح إعادة هيكلة الجهاز الحكومي، وتخفيف اعداد العاملين فيه، وإذا كان الأمر بمثابة بالون اختبار لردود الفعل حتى الآن، فإن ما يمكن قوله هنا إن إعادة الهيكلة قرار قديم جديد، غير ان المحاذير بشأنه كثيرة.
البحث عن مخارج نجاة لتطبيقه دون اثارة أي استفزازات شعبية أو عامة هو الذي يعرقل صدور القرار حتى الآن.
كادر الحكومة مثل كادر الشركات كلاهما يستنزف الرواتب، وكلاهما يتجه لإعادة الهيكلة، والترهل وتذكّر الرشاقة وأهميتها لا يأتي إلا من باب العجزعن تمويل الرواتب، لا لكون الرشاقة مطلوبة بحد ذاتها، والمؤسسة الحكومية التي كانت بابا للتشغيل المفيد والخيري تنوء تحت أحمالها الثقال هذه الأيام.
لا أحد يعرف إذا ما كانت إعادة هيكلة الحكومة، ولا نعني هنا الحكومة السياسية بمعنى الموجودة فعليا، لكننا نعني الحكومة كجسم مستمر بكوادره الوظيفية، لا أحد يعرف إذا ما كانت هناك اشتراطات دولية على الاقتصاد الأردني لترشيق الحكومة عبر تقليل أعداد العاملين فيها، غير أن عودة المشروع تشي بكون الأمر ليس اختياريا بقدر كونه مطلوبا ضمن حزمة إجراءات أخرى، مثل رفع سعر الكهرباء، وحتى إجراء تعديلات على قانون ضريبة الدخل وغير ذلك؟!.
تأتي الأسئلة حول النسبة المراد إخراجها من كوادر الحكومة وفي اي قطاعات، بخاصة أن الترهل الذي تم استذكاره فجأة ينطبق على قطاعات دون قطاعات، كما أن صرف الموظفين لا يمكن أن يتم بشكل قهري، والاغلب أن أي حكومة ستوفر عرضا للموظفين يقوم على مكافأة مالية شبه مغرية مع راتب تقاعدي، وهناك صيغ أخرى مطروحة، منها التخفيف التدريجي وفقا للوائح الخدمة المدنية، وتقديرات الإداء وغير ذلك.
هذا ملف ليس سهلا أبدا، لأنه يمس حياة الناس، ولأنه من ناحية مالية سينقل عبء الرواتب من الخزينة وموازنتها الى الضمان، كما ان الرواتب العادية لا تكفي الناس هذه الأيام، فما بالنا برواتب المتقاعدين، مبكرا أم متأخرا ؟!.
في ذات الوقت فإن اولوية ترشيق الحكومة يجب ان تنصب اولا على اصحاب الرواتب المتورّمة من مستشارين وعاملين في المؤسسات المستقلة، قبل ان نتحدث هنا عن الموظفين الذين يكدّون ويتعبون ويعرفون مسبقا أن أي خفض في رواتبهم سيؤدي الى خراب بيوتهم فعليا، في ظل اغلاقات القطاع الخاص والعالم العربي ايضا، في وجه الباحثين عن وظيفة.
ثم ان الترشيق بسبب الترهل غير مقنع، لأن الذي لا يعمل عليكم أن تجدوا له عملا، ولأن الذي تم تعيينه يجب أن يتم تشغيله، وبدلا من هذه المعالجة لابد من تحمّل المديرين والمسؤولين لمسؤولياتهم، بخاصة اننا نعرف مثلا ان بعض العاملين في بلديات كثيرة في المملكة لا يداومون نهائيا، ويحصلون على رواتبهم، دون دوام، لأن تعيينهم جرى اساسا من باب التنفيع باعتبار ان من عيّنوهم أداروا مواقعهم وصلاحياتهم وكأنهم مديرون لتكايا خيرية.
لو ذهب أي مسؤول حكومي وتفقد بشكل مفاجئ أي بلدية في المملكة لاكتشف أن هناك من يقبض ولا يعمل، فمن يتحمل المسؤولية هنا، الذي لا يعمل وحده أم الذي تركه لا يعمل ولا يداوم!!.
مثل هؤلاء نفهم تخييرهم بين أن يشتغلوا أو يتقاعدوا، لكننا لا نفهم أن يتم ترسيم العنوان على الجميع، والناس يعرفون أن أي كلام عن مكافأة مالية مقابل الخروج، سيتبدد عند قبض المكافأة التي سيتم هدرها في ثلاثة اشهر في مشروع صغير خاسر؟!.
السياسات الاقتصادية لا ترحم، والدور الأبوي للدولة يتراجع بحدة، وتتحول الدولة من مشغل للناس الى متكل كلي على الناس، والتبرير سهل إذ يقال لك إن دولا اخرى توقفت كليا عن دفع الرواتب بسبب عجوزاتها، وإن دولا اخرى قامت بخفض نسبة من رواتب الموظفين، فيطرحون لك اليونان وغيرها من نماذج حاضرة في الذهن والبال.
إعادة هيكلة الحكومة هذا العام أو الأعوام المقبلة مشروع ليس سهلا، وهو هبوط اضطراري لا أحد يعرف نتائجه على وجه الحصر والتحديد، بخاصة أن كل شيء محتمل من الإحالة القهرية الى الإحالة الطوعية مع مكافأة الى تبني خصم شيء من الراتب وفقا لعبقريات سابقة كانت في مواقع القرار!!.
نفي الحكومات النية لإعادة هيكلة كوادرها لا يعني أن الأمر ليس صحيحا.القصة التدرج فقط في تجرّع هذا الدواء...!
(الدستور)
المشروع الذي يأتي تحت عنوان إعادة هيكلة الحكومة، كان قرارا مع عدة قرارات اخرى، تم تأجيل بعضها، واتخاذ بعضها.
قبل ثلاث سنوات تقريبا كان هناك قرار بالتخلص من نسبة من الموظفين، وخضع الأمر لدراسات لتطبيقه، وتم وضع عدة وصفات من بينها تخيير الموظف بين مكافأة مالية والخروج للتقاعد، وهي مكافأة ليست كبيرة، وبين وضع معايير معينة لإحالات قانونية على التقاعد، مع وقف التعيينات والهدف خفض نسبة الرواتب في الموازنة العامة.
الإجراء كان تصحيحيا لاختلالات الموازنة وحجم الرواتب فيها-هكذا قالوا-والمعروف هنا أن الإحالات على التقاعد ستؤدي الى خفض مصروفات الرواتب الى حد كبير، كما أن هذه الإحالات الاختيارية أو الإجبارية ستؤدي الى نقل مخصصات الرواتب من رواتب مدفوعة من الموازنة الى رواتب مدفوعة من الضمان.
كان هذا المشروع أحد المشاريع التي تم اعتمادها قبل ثلاث سنوات دون إعلان مع قرارات أخرى مثل: رفع سعر الكهرباء وخفض عجز الموازنة وتخفيف ما يسمى بـ»الدعم الحكومي» عن سلع كثيرة.
مناخات الربيع العربي أدت الى طي المشروع كليا، فلا قدرة آنذاك لأحد على اثارة التوترات فوق ما في المناخ العام المحلي والعربي من توترات تشتعل حتى لأتفه الأسباب احيانا.
عاد الكلام مجددا عن تشذيب الجهاز الحكومي لكونه مترهلا، والعنوان يعني بشكل واضح إعادة هيكلة الجهاز الحكومي، وتخفيف اعداد العاملين فيه، وإذا كان الأمر بمثابة بالون اختبار لردود الفعل حتى الآن، فإن ما يمكن قوله هنا إن إعادة الهيكلة قرار قديم جديد، غير ان المحاذير بشأنه كثيرة.
البحث عن مخارج نجاة لتطبيقه دون اثارة أي استفزازات شعبية أو عامة هو الذي يعرقل صدور القرار حتى الآن.
كادر الحكومة مثل كادر الشركات كلاهما يستنزف الرواتب، وكلاهما يتجه لإعادة الهيكلة، والترهل وتذكّر الرشاقة وأهميتها لا يأتي إلا من باب العجزعن تمويل الرواتب، لا لكون الرشاقة مطلوبة بحد ذاتها، والمؤسسة الحكومية التي كانت بابا للتشغيل المفيد والخيري تنوء تحت أحمالها الثقال هذه الأيام.
لا أحد يعرف إذا ما كانت إعادة هيكلة الحكومة، ولا نعني هنا الحكومة السياسية بمعنى الموجودة فعليا، لكننا نعني الحكومة كجسم مستمر بكوادره الوظيفية، لا أحد يعرف إذا ما كانت هناك اشتراطات دولية على الاقتصاد الأردني لترشيق الحكومة عبر تقليل أعداد العاملين فيها، غير أن عودة المشروع تشي بكون الأمر ليس اختياريا بقدر كونه مطلوبا ضمن حزمة إجراءات أخرى، مثل رفع سعر الكهرباء، وحتى إجراء تعديلات على قانون ضريبة الدخل وغير ذلك؟!.
تأتي الأسئلة حول النسبة المراد إخراجها من كوادر الحكومة وفي اي قطاعات، بخاصة أن الترهل الذي تم استذكاره فجأة ينطبق على قطاعات دون قطاعات، كما أن صرف الموظفين لا يمكن أن يتم بشكل قهري، والاغلب أن أي حكومة ستوفر عرضا للموظفين يقوم على مكافأة مالية شبه مغرية مع راتب تقاعدي، وهناك صيغ أخرى مطروحة، منها التخفيف التدريجي وفقا للوائح الخدمة المدنية، وتقديرات الإداء وغير ذلك.
هذا ملف ليس سهلا أبدا، لأنه يمس حياة الناس، ولأنه من ناحية مالية سينقل عبء الرواتب من الخزينة وموازنتها الى الضمان، كما ان الرواتب العادية لا تكفي الناس هذه الأيام، فما بالنا برواتب المتقاعدين، مبكرا أم متأخرا ؟!.
في ذات الوقت فإن اولوية ترشيق الحكومة يجب ان تنصب اولا على اصحاب الرواتب المتورّمة من مستشارين وعاملين في المؤسسات المستقلة، قبل ان نتحدث هنا عن الموظفين الذين يكدّون ويتعبون ويعرفون مسبقا أن أي خفض في رواتبهم سيؤدي الى خراب بيوتهم فعليا، في ظل اغلاقات القطاع الخاص والعالم العربي ايضا، في وجه الباحثين عن وظيفة.
ثم ان الترشيق بسبب الترهل غير مقنع، لأن الذي لا يعمل عليكم أن تجدوا له عملا، ولأن الذي تم تعيينه يجب أن يتم تشغيله، وبدلا من هذه المعالجة لابد من تحمّل المديرين والمسؤولين لمسؤولياتهم، بخاصة اننا نعرف مثلا ان بعض العاملين في بلديات كثيرة في المملكة لا يداومون نهائيا، ويحصلون على رواتبهم، دون دوام، لأن تعيينهم جرى اساسا من باب التنفيع باعتبار ان من عيّنوهم أداروا مواقعهم وصلاحياتهم وكأنهم مديرون لتكايا خيرية.
لو ذهب أي مسؤول حكومي وتفقد بشكل مفاجئ أي بلدية في المملكة لاكتشف أن هناك من يقبض ولا يعمل، فمن يتحمل المسؤولية هنا، الذي لا يعمل وحده أم الذي تركه لا يعمل ولا يداوم!!.
مثل هؤلاء نفهم تخييرهم بين أن يشتغلوا أو يتقاعدوا، لكننا لا نفهم أن يتم ترسيم العنوان على الجميع، والناس يعرفون أن أي كلام عن مكافأة مالية مقابل الخروج، سيتبدد عند قبض المكافأة التي سيتم هدرها في ثلاثة اشهر في مشروع صغير خاسر؟!.
السياسات الاقتصادية لا ترحم، والدور الأبوي للدولة يتراجع بحدة، وتتحول الدولة من مشغل للناس الى متكل كلي على الناس، والتبرير سهل إذ يقال لك إن دولا اخرى توقفت كليا عن دفع الرواتب بسبب عجوزاتها، وإن دولا اخرى قامت بخفض نسبة من رواتب الموظفين، فيطرحون لك اليونان وغيرها من نماذج حاضرة في الذهن والبال.
إعادة هيكلة الحكومة هذا العام أو الأعوام المقبلة مشروع ليس سهلا، وهو هبوط اضطراري لا أحد يعرف نتائجه على وجه الحصر والتحديد، بخاصة أن كل شيء محتمل من الإحالة القهرية الى الإحالة الطوعية مع مكافأة الى تبني خصم شيء من الراتب وفقا لعبقريات سابقة كانت في مواقع القرار!!.
نفي الحكومات النية لإعادة هيكلة كوادرها لا يعني أن الأمر ليس صحيحا.القصة التدرج فقط في تجرّع هذا الدواء...!
(الدستور)