jo24_banner
jo24_banner

الصراع على هوية الاقليم وانعكاس فشل جنيف على الأردن

الصراع على هوية الاقليم وانعكاس فشل جنيف على الأردن
جو 24 :

كتب الدكتور حسن البراري - جامعة ييل الاميركية


لقد حيرتني الأزمة السورية كثيرا نظرا لتشعبها ومركزيتها لديناميكيات قادمة، ولكونها عنوان صراع لقوى اقليمية أججت من الأزمة وأطالت أمدها، لذلك قررت في الأسابيع القليلة الماضية الابتعاد عن قراءة المقالات الصحفية التي تكتب في كبريات الصحف العالمية وعكفت على اعادة قراءة ثلاثة كتب كتبت باللغة الانجليزية وآخر باللغة العبرية، وهي الكتب التي أغنت معرفتي بسوريا وسياستها، ولهذه الكتب الاربعة أنا مدين.

لعل الكتاب الاهم هو الذي كتبه باتريك سيل (وهو المؤلف والصحفي البريطاني والخبير بشؤون اسرة الاسد والمؤرخ الشخصي للرئيس حافظ الاسد) ويعد كتابه "الصراع على سوريا" مرجعا لا غنى عنه لفهم تاريخ سوريا الحديث، والكتاب الثاني هو للبرفسور الأميركي مالكولم كير عن "عبدالناصر والحرب الباردة العربية، ١٩٥٨-١٩٧٠" وفيه يسلط الضوء كيف اصبحت سوريا ساحة صراع أيضا لقوى اقليمية، والكتاب الآخر كتبه المؤرخ الاسرائيلي موشيه ماعوز الذي قال له رابين انه سيجعل منه أول سفير بسوريا في حال تحقق السلام، وكتابه بعنوان: اسرائيل وسوريا، من الحرب الى صنع السلام، والكتاب يقدم رؤية اسرائيلية وإن كانت استشراقية في ادواتها لسوريا لكنه يكشف عن جوانب هامة من الارشيف الصهيوني عن سوريا، أما الكتاب الاخير فهو كتاب ايال زيسر، المؤرخ الاسرائيلي الذي يعمل بجامعة تل أبيب بعنوان "سوريا الاسد على مفترق طرق" وهو كتاب صدر عام ٢٠٠٩. وفي الكتاب يعبر المؤلف عن اعجابة بقدرة حافظ الاسد على تجاوز محاولات اسرائيل لعزل سوريا، ولكن الكتاب ايضا يعبر عن شكوكه في قدرة النظام السوري على التعامل مع القضايا الاقليمية بحصانة وبخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

النقطة الرئيسية التي لا غنى عنها لفهم الصراع الحالي ترتبط بطروحات باتريك سيل ومالكولم كير هي ان الصراع هو على سوريا، وقد أرّخ باتريك سيل لهذا الصراع عندما كانت سوريا بلدا ضعيفا يعاني من ضعف داخلي وكان مسرحا لتنافس اقليمي في خمسينيات القرن الماضي، وكأن التاريخ يعيد نفسه، فسوريا الآن الدولة الضعيفة أصبحت مسرحا لصراع اقليمي بين السعودية وايران وهو صراع أجج من الأزمة وأطال في أمدها وسبب دمارا لم تعرفه سوريا في كل تاريخها الحديث.

هذه المقدمة كانت بالنسبة لي ضرورية لتوضيح نقطة مختلفة وهي أن هناك تغييرا في انتشار القوى في الشرق الأوسط (الناتج عن التراجع النسبي في تأثير الولايات المتحدة والناتج ايضا عن انهيار موازين القوى في الخليح اثر زوال نظام صدام حسين وتحول العراق الى دولة تحكمها طائفة تبرر اقصاءها للسنة وفق مظلومية تاريخية باتت مرضا مستعصي الحل). وهذا التغير في موازين القوى أفضى إلى تعاظم دور السعودية وايران واصبح الصراع بينهما مفتوحا لدرجة غيرت من تصورات الرياض لمصدر التهديد لأمنها، فتراجع التهديد الاسرائيلي للمنطقة واصبحت إيران هي من يجب تقليم اظافرها وليس هناك افضل من سوريا كساحة لتوجيه ضربه استراتيجية لإيران. وهذا التوظيف للأزمة السورية مبرر من وجهة نظر النظام السعودي لكن هذا لا يقلل من شأن مطالب الشعب السوري في تقرير مصيرة وبخاصة بعد سنوات من الدمار والتقتيل.

فالشحن الطائفي اصبح ظاهرة لا يمكن اخفاؤها أمام هذا التوظيف الطائفي ومن قبل كل الاطراف. وعلينا أن لا نغفل عن حقيقة أن اثارة النعرات الطائفية كان من القضايا التي نظّر لها احد المؤرخين المعروفين بقربهم من دوائر صنع القرار بواشنطن واسرائيل، وهن اشير بالتحديد الى البرفسور فؤاد عجمي (برفسور بجامعة جون هوبكينز بواشنطن وهو اميركي من اصل لبناني وهو شيعي)، وتأثير ذلك على ديك تشيني نائب الرئيس بوش كان باديا للعيان، فقد شكل مع برنارد لويس (المؤرخ والمستشرق الأبرز عالميا) ثنائيا استطاعا من خلاله اختطاف عقل الادارة باتجاه تمكين الشعية في المنطقة حتى يكون ذلك مبررا لدويلات على اسس دينية وطائفية وهو أمر ان تحقق سيبرر لإسرائيل اصرارها على يهودية الدولة.

لذلك فإن الصراع على سوريا هو صراع على هوية الاقليم وهو أخطر بكثير مما يراه البعض بأنه صراع بين طرف "ممانع" وأخر "متشدد وظلامي" فالأمر اكثر تعقيدا وعلى دولة مثل الاردن والتي تعلي من قيمة الاستقرار ان تعلم ان نتيجة الصراع سيؤثر على الاردن وحساباته وامكانية مناوراته في قادم الايام وستؤثر بكل تأكيد على قدرته على مواجهة ضعوط تصفية القضية على حسابة وفق المنطق الهوياتي الاقليمي. فالاردن بشكله الحالي ليس كيانا احادي التكوين وهذا عامل يمكن استغلاله وبخاصة في ظل فشل النظام الاردني في ايجاد حزمة اصلاحية تحقق الوحدة الوطنية.

وبات واضحا ان الولايات المتحدة لها مصالح تحققها من خلال الضغط على النظام السوري وعلى ايران في حين ان السعودية باتت ترى ان واشنطن أدارت ظهرها للاقليم وانها في حالة فك ارتباط مع امن الاقليم بالصورة التقليدية التي رسمت ملامح العلاقة الاميركية السعودية منذ لقاء روزفلت والملك المؤسس عبدالعزيز بن سعود عام ١٩٤٥ على ظهر بارجة اميركية في السويس. وهذا الانطباع بدأ يقلق الرياض ويدفعها للتدخل على وتيرة متصاعدة وتقصي قطر عن ملف ادارة النزاع في سوريا، فالسعودية ستكون الخاسر الاكبر لو بقي نظام الاسد لأن من شأن ذلك أن يكون مؤشرا على انتصار ايران في سوريا وعلى هوية الاقليم.

لذلك لا يمكن القفز عن حقيقة ان تحديد اتجاه الصراع أو حله يتطلب توافقا اقليميا وهو امر لا يمكن ان يتحقق في ظل تعريف كل طرف للأزمة كلعبة صفرية (Zero Sum Game). على هذه الخلفية جاء انعقاد مؤتمر جنيف ٢ بعد مرور عام ونصف العام تقريبا على اتفاق جنيف ١ الذي وضع اسس الحل وهو بدء عملية سياسية انتقالية تحافظ على سوريا الدولة.

حسابات النظام السوري

منذ ان تولى جون كيري منصب وزير خارجية الولايات المتحدة والرجل يصر على ان حل الأزمة يتطلب تغييرا في موازين القوى داخل سوريا، وهي موازين كانت لصالح المعارضة التي كانت بحاجة الى دعم بسيط لكنه نوعي لتحقيق النصر. لكن، خشية أميركا من وقوع الاسلحة بأيدي المتشددين ولرغبة اسرائيل في استمرار معركة استنزاف كل خصومها ترددت أميركا في حسم الأمر، ولهذا السبب سعت أميركا الى احدث التغيير في سوريا من خلال الاتفاق مع الروس وهو الأمر الذي التقطته موسكو ووافقت لكنها عملت على صعيد مواز مع ايران لتغيير موازين القوى على ارض سوريا لصالح نظام بشار لاضعاف المعارضة السورية والاميركان معا في حال انعقاد اي مؤتمر للحل.

موسكو امنت مصالح اميركا بالسلاح الكيماوي لتحييد اسرائيل وعملت على تزويد الاسد بالسلاح وقامت ايران وحزب الله بالقتال جنبا الى جنب مع قوات الاسد ابتداء من معركة القصير، والهدف هو التحضير لجنيف لكن بموازين قوة مختلف حتى تكسر معنويات المعارضة ومن يقف خلفها من قوى اقليمية. ولم تكتف سوريا بذلك إذ غيرت عنوان المعركة، فالاسد الذي سلم سلاح ردعه الاستراتيجي لطمأنة اسرائيل اراد ايضا ان يتم التعامل معه من قبل الغرب لمحاربة الارهاب. وبدا واضحا في خطاب وليد المعلم في افتتاح مؤتمر جنيف ٢ أنه يسعى لشراكه استخبارية مع واشنطن ويريد ان يقدم معركة الاسد من اجل البقاء في سياق حرب الغرب ضد الارهاب، وبالفعل قدم وجهة نظر النظام وهو وجهة نظر احادية تركز على عدم وجود شريك وتؤكد أن نظام بشار الاسد مستعد للتعاون التام مع الغرب لتحقيق مصالحه.

حسابات المعارضة السورية

المشكلة الرئيسة هي انها تعاني من شرذمة وانقسامات لها اسبابها الموضوعية وآخرى متعلقة بتعدد الممولين لها واختلاف اجنداتهم، وكان الانقسام بين المعارضة احد الامور التي راهن عليها النظام السوري عندما قبل المشاركة بمؤتمر جنيف، فكان يعتقد الاسد ان المعارضة السورية لن تتفق ولن تحضر وبالتالي لن يعقد المؤتمر. لكن شرذمة المعارضة ايضا هو نقطة قوة لها بحيث انها لن تتمكن من قبول اي حل لا يضمن انتقال سياسي والا لخسرت تأييدها وادعائها تمثيل الشعب السوري ولانكشف الغطاء عنها بانها ليس لها تأثير على ارض الواقع.

بالنسبة للمعارضة السورية فاستراتيجيتها واضحة تعتمد ضرورة تنفيذ بنود جنيف ١ والعمل على تشكيل هيئة حكم انتقالية تدير شؤون البلاد. لكن على الارجح ان لا ينجح مؤتمر جنيف ٢ في ايجاد حل للأزمة السورية، والراهن ان مسار الازمة ستحدده طبيعة الاحداث على الأرض، اما المؤتمر فقد انتهى بحوار طرشان غير متفقين على مرجعيات الحل وظهر ان الولايات المتحدة وروسيا لهما تفسيرات متناقضة لاتفاق جنيف ١.

الحسابات الأردنية

قدم الأردن الرسمي خطابا مهزوزا وفشل في التركيز على ما يملك من اوراق ليكون لاعبا مهما في الازمة، وهو ما اتضح عندما قلل وليد المعلم من شأن الأردن على اعتبار ان الأردن لاعب لا يملك من أمره شيئا وانه ضعيف وليس صاحب قرار. بمعنى آخر، فإن النظام السوري سيتجاوز الأردن على اعتبار ان هناك لاعبين في الازمة أهم بكثير من الأردن. مشكلة الخطاب الأردني انه لم يكن لديه قضية واحدة وتعزز الانطباع بأن الاردن مهتم فقط بالحصول على مساعدات مالية، وهو انطباع آخذ في التعزيز دوليا مما سينعكس سلبا على صورة الأردن وعلى دبلوماسيته التي يقودها ناصر جودة بشكل غير مدروس.

لا يبدو ان صناع القرار بالأردن يدركون حجم وقوة بلدهم ولا يدركون ان الصراع هو على سوريا وليس مع سوريا. وهنا مرة أخرى يعجز صناع القرار تحديد مصالح الأردن في سوريا اذ لا يجوز ان يبقى ما يحرك الدبلوماسية الأردنية هو البحث عن مساعدات دون الالتفات الى احد. صحيح ان الحذر مطلوب لكن ان تبقى السياسة الخارجية تعمل وفق مبدأ ردة الفعل بدلا من امتلاك زمام المبادرة فهذا ضعف ليس له علاقة بامكانات البلد وانما بامكانات القائمين على رسم السياسة الخارجية.

اتمنى ان يجري في الأردن نقاش عام عن ما هي مصالح الأردن في الحالات التالية: أولا، في حالة انتصار النظام السوري، وهو سيناريو يجب ان يدب الرعب في أوصال الرسميين الأردنيين الذين لم يتمكنوا من التعامل مع سفير النظام السوري بعمان فما بالك مع نظام منتصر يرى أن الأردن كان في الخندق المقابل. ثانيا، في حال انتصار المعارضة ونجاحها في بناء دولة مستقرة. ثالثا، في حال نجاح المعارضة في اسقاط النظام وتحول سوريا الى منطقة صراع بين المنتصرين على غرار ما حدث في افغانستان بعد هزيمة الاتحاد السوفييتي وانسحابه. رابعا، في حالة تقسيم سوريا. الحالة الأخيرة ستكون خطرة على الاردن لأنها ستبرر يهودية الدولة على اعتبار ان لكل طائفة او دين في المنطقة دولة فلماذا لا تكون اسرائيل كذلك. بكلمة لا بد من تحديد مصالح الاردن في اقليم متغير وكيف يمكن تحقيق هذه المصالح، لا توجد شفافية في مواقف الاردن وللأسف فان الدبلوماسية الاردنية التي يقودها ناصر جودة ليست محل ثقة غالبية الشعب الاردني.

بقي أن أقول أن فشل المؤتمر يعني أن السعودية ستضاعف من جهدها لهزيمة ايران في سوريا وهو أمر يتطلب تعاونا اردنيا ستدفع لتحقيقه السعودية والا لعانى الاردن ماليا، فهل نحن مستعدون لهكذا احتمال؟!

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير