هل "هدمنا الأصنام" فعلاً؟!
يختزل د. حمدي عبد الرحمن في مقالته "ماذا حدث للمصريين؟" بالجزيرة نت ما يحدث اليوم، في مرحلة ما بعد الثورات الديمقراطية العربية، بمصطلح "الدولة العميقة"، ويوضّح أستاذنا عبد الرحمن ذلك بالقول "وترجع سيرة هذا المصطلح إلى الخبرة التركية، حيث يشير مفهوم الدولة العميقة إلى شبكة من التحالفات المرتبطة بالمؤسسة الأمنية والعسكرية، والتي ترجع إلى تقاليد الجمعيات السرية زمن الدولة العثمانية. وعادة ما يكون الهدف الأسمى لهذه الجماعات هو المحافظة على السلطة والنظام القائم. كما تشكل هذه الجماعات "دولة داخل دولة"، بحيث تعمل دوماً من وراء ستار لضمان هيمنتها على أجهزة الدولة الأمنية والإدارية".
بإسقاط هذا المفهوم على ما حدث في مصر، ما بعد ثورة 25 يناير، يلخص عبد الرحمن ديناميكية الإطاحة بحلم الحرية، بعد أن تخلّصت "قوى الدولة العميقة" من مبارك نفسه، إذ يقول "لا شك أن ميل الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك إلى إقامة تحالف بديل بهدف توريث الحكم لابنه جمال قد أزعج مجموعات الدولة العميقة في مصر ولا سيما داخل المؤسسة العسكرية، وهو ما دفع بهم إلى الاستفادة من أجواء الثورة الشعبية للتخلص من مشروع التوريث والدفاع عن أركان النظام القائم".
"لقد استطاعت قوى الدولة العميقة في مصر توظيف حالة الانفلات الأمني والتردي الاقتصادي للتأثير على مزاج المواطن المصري العادي، من خلال تحميل المسؤولية كاملة للقوى الثورية. وليس بخاف أن ماكينة شبكات الدولة العميقة استطاعت خلال الفترة الماضية التي سبقت الانتخابات الرئاسية أن تكرس عداء قطاعات شعبية واسعة للثورة والمحرضين على استمرارها".
"بل إن المبررات التي كان يسوقها النظام السابق بات يتم ترديدها اليوم. ومن ذلك أن مصر أكبر وأعظم من أن يعبّر عنها ميدان التحرير، كما أن الثوار ليسوا إلا عابثين بأمن مصر واستقرارها ويسعون إلى خرابها".
المفارقة أنّ المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي كان قد قدّم لنا إطاراً تحليلياً في غاية الروعة لمفهوم "النظام السياسي للأصنام"، إذ ينبّه إلى أنّ القوة الحقيقية لعبادة الأصنام لا تنجم عن هذه الحجارة، التي لا تضر ولا تنفع، إنّما في شبكة التحالفات السياسية والاقتصادية والأمنية حول هذا النظام، والمستفيدة من الوضع الراهن، التي ليس من مصلحتها التغيير أو الإصلاح، لأنّ ذلك – باختصار- سيضر كثيراً بمصالحها. فـ"الصنم" هو مجرد واجهة لقوى وتحالفات ومصالح تختبئ خلفه!
الثورات الديمقراطية العربية هي في جوهرها الفكرة التي هزمت الصنم في قلوب وعقول الجماهير، فلم يعد ذلك الشيء المقدّس، كشفت زيفه وعرّت حقيقته، وتمكّنت من تدمير سياج الحماية الأكبر لـ"نظام الصنمية"، وهي ثقافة الخوف والسلبية والفردية والاستسلام. لكنّ هذه الثورات ودعوات الإصلاح ركّزت على الرأس، ولم تنتبه إلى أنّ الجزء الغاطس تحت الماء أكثر خطراً، وهو من سيتولى قيادة "الثورة المضادة" للحفاظ على مصالحه وحماية نفوذه، مستغلاً شريحة اجتماعية واسعة ارتبطت فيه أو ما تزال أسيرة لمرحلة ما قبل الثورة!
تلك الملاحظة يمكن معاينتها بصورة واضحة في مصر اليوم من ترهيب الشارع من جماعة الإخوان وشيطنتها والتخويف على مستقبل مصر والاستقرار السياسي منها، إذ عادت "قوى الدولة العميقة" الآن بقوة وراء أحمد شفيق من خلال ماكينة إعلامية هائلة؛ صحف جديدة وقنوات إعلامية وسياسيين ومثقفين كلهم عادوا إلى العمل بقوة، مع أجهزة الأمن والجيش، في محاولة لإيقاف الثورة والعودة عبر بوابة "أحمد شفيق"، بعد أن يلقوا بتركة مبارك السيئة، ويبدؤوا من جديد!"الغد"