النسور و"الكرباج".. دراما تخدش الحياء العام
كتب تامر خرمه - في حقب الاقطاع المَرَضيّة، بدأ الانقسام الطبقي يتشكّل بصورة بدائيّة تستفزّ بصيلات الخجل في الوجدان الإنساني كلّما قفزت إلى الذاكرة.. تلك المرحلة كانت تدعى بالطفرة القذرة.. أو بما يسمّى بمرحلة "الكرباج".
من حسن الحظّ.. أن تلك العدوى التي اجتاحت تجمّعات البشر اصطدمت بالطبيعة وقوانينها، فانحسرت تماما، وبدأ الناس بالتماثل للشفاء منذ ثورة (سبارتاكوس).
وبما أنّ اللغة هي وعاء التفكير، فقد قاد التطوّر الإنسانيّ إلى انقراض المصطلحات البدائيّة وولادة مفاهيم أكثر حداثة وتقدّماً لتعبّر عن الوعي الجمعي للبشر، ومن الكلمات البائدة التي كانت تعبّر عن نمط التفكير في تلك العصور المرضيّة كلمة "الكرباج".
ولكن.. هل يمكن للمفاهيم المنقرضة الاستيقاظ يوماً ما؟ وهل من المعقول أن نسمع في العام 2014 – بعد الميلاد وليس قبله- إحدى تلك المفردات التي من شأنها أن تخدش الحياء والضمير؟!
صدّق أو لا تصدّق أنّ مسؤولاً رفيعاً في إحدى الدول العربيّة، وتحديداً في الأردن الذي سكنه العموريّون قبل أكثر من 1450 سنة.. تخيّل أن المسؤول المذكور الذي يشغل حاليّا منصب رئيس الوزراء، قد عبّر بعد كلّ هذا التاريخ عن نمط تفكير يعود للحقبة المرضيّة، مستخدماً مفردة "كرباج" في مخاطبة الرأي العام الأردني !!
تصريحات رئيس الوزراء عبدالله النسور في محافظة الزرقاء –كعادة مختلف التصريحات الرسميّة- شكّلت صدمة للرأي العام، ولكن الصدمة هذه المرّة فاقت كلّ تصوّر، إثر فداحة المفردة التي عبّر بها الرئيس -غير المنتخب والمجرّد من الولاية العامّة- عن نمط تفكيره ونظرته للشعب.
صحيح أن النائب السابق - المنقلب على ذاته طمعاً في اللقب - لم يورد تلك المفردة المعيبة في سياق التهدد، وإنّما استخدمها في سياق آخر يتأرجح في حدود التلميح، ولكن مجرّد استخدام مثل تلك الكلمات البائدة يكشف فداحة تعجز المفردات الحديثة عن وصفها.
وبمجرّد أن يربط رئيس الوزراء بين مفهوم "الكرباج" والواقع المرير الذي تعانيه الفئات الشعبيّة المهمّشة، والذي أفضى إلى انتشار البسطات في مختلف مناطق المملكة، ومنها مدينة الزرقاء، فإن هذا يعرّي وجه السلطة ويكشف حقيقة نظرتها إلى الناس، ولأن "الرئيس" هو محض أداة لا حول لها إلاّ فيما يتعلّق بترجمة قرارات وتوجيهات المركز الأمني السياسي الحاكم، فقد عبّر تصريحه عن حقيقة النظرة الفوقيّة البشعة، في أكثر صورها بدائيّة وتخلّفاً.
ولكن نسي عبدالله النسور أنّ أكثر الزعماء استبداداً وعنجهيّة خلعتهم شعوبهم بعد أن ندت منهم مفردات أقلّ وطأة من تلك المفردة التي استخدمها ليعبّر ليس فقط عن نظرة السلطة الفوقيّة تجاه شعوبها، وإنّما أيضاً عن نمط تفكيره والذهنيّة التي يستند إليها في إدارة شؤون الناس،.
ترى إلى أين يريد رئيس الوزراء أن يذهب بهذا البلد ؟ وما هو دافعه من وراء المساس بكرامة الناس وتثويرهم ؟!
إذا كنت أيّها القادم من مجلس يفترض أن يمثّل الشعب، إلّى سدّة الدوّار الرابع دون انتخاب، ترى وجود جيوب الفقر مشكلة تؤرّقك، فالأجدى أن تعمل على كبح جماح الفساد واسترداد أموال الدولة المنهوبة كما وعدت –إن كنت قادراً على ذلك- والتصدّي لظاهرة الفقر التي طالت الغالبيّة الساحقة من أبناء شعبنا، ولا يجوز لك ولا لغيرك أن يخاطب الناس بمفردات بائدة تتضمّن مثل تلك المفردة القبيحة، التي سبق وأن صفعت وجه روما قبل آلاف السنين، وفجّرت ثورات ألقت بعصر الإقطاع إلى مزبلة التاريخ.