ولات حين مناص!
شاركت في ورشة عصف فكري مهمة خلال الأيام الماضية، في عاصمة عربية، ضمّت نخبة من الخبراء والمثقفين من دول محورية، في تخصصات مختلفة، من الدراسات الاستراتيجية إلى الدولية إلى الحركات الإسلامية والتنمية.
ولأنّ الورشة تخضع لقواعد السريّة في المعلومات، فإنّني سأضعكم أمام جملة من المفاتيح الأساسية التي خلص إليها الخبراء لفهم اليوم التالي في المنطقة، وأعتقد أنّها تستحق فعلاً التأمل والقراءة المعمّقة.
- النتيجة الأساسية أنّ المرحلة الراهنة عربياً هي لحظة تاريخية من لحظات التحول الكبرى التي تمر بها المنطقة، مثل الذي حدث مع انهيار الدولة العثمانية وما بعد الحرب العالمية الثانية؛ فثمة نظام جديد يتشكّل، بمعنى قواعد جديدة للعبة الدولية والإقليمية في المنطقة، على أنقاض النظام الذي ساد منذ الحرب العالمية الثانية.
- الصعود الإسلامي ليس مطلقاً، فهو مرتبط بجملة من التحديات والمتغيرات، أبرزها داخلياً سؤال العلاقة مع قوى الدولة العميقة (Deep State)؛ فيما إذا كانت ستتصالح الحركات الإسلامية مع الجهاز البيروقراطي والأمني، أم تدخل في مواجهة معه، ما يترتب عليه سيناريوهات متعددة. ومن المتغيرات التحدي الاقتصادي، الذي يشكّل عنواناً مهماً من عناوين شعبية الحركات الإسلامية، وحضورها في الشارع.
- بالرغم من وصول حركات إسلامية إلى الحكم في كل من المغرب وتونس، فإنّ تأثيرها لا يتوقع أن يكون رئيساً على منطقة الشرق الأوسط، إذ إنّ المحك الرئيس لمستقبل المنطقة يرتبط اليوم بما سيحدث في مصر خلال المرحلة القادمة، وبتداعيات الثورة السورية.
- سورية هي الرهان الكبير والزلزال المدوّي. وفي الوقت الذي يجمع فيه الخبراء على أنّ النظام السوري لا يمكن أن ينجو، إلاّ أنّ السؤال: متى وكيف سيسقط؟ إذ سترسم الإجابة عن هذين السؤالين معالم صورة المنطقة في المرحلة القادمة.
- التداعيات الرئيسة –إلى الآن- للثورة السورية تتمثّل في صعود النزعة الطائفية والإثنية، وإعادة تشكيل الاصطفافات على أساسها. وفيما إذا -لا قدر الله- انتهت الأمور إلى فوضى داخلية، فإنّ هذه الفوضى سرعان ما تعبر إلى كل من العراق ولبنان، وتهدد الأردن ودول الخليج.
- من تداعيات الثورة السورية، أيضاً، تفكك محور الممانعة، بعد انفكاك جماعة الإخوان المسلمين و"حماس" عن هذا المحور، وبروز "العامل الشيعي" جلياً في سياسة إيران الخارجية، تجاه حزب الله والحكم السوري والشيعة في الخليج العربي.
- في المقابل، يبرز اليوم الدور التركي بصورة مكثفة، ويحاول أن يملأ الفراغ الاستراتيجي لدى "العرب السنة"، إلاّ أنّ هنالك حساسية شديدة من الدول الملكية العربية تجاه الأتراك، بالرغم من أنّ التحالف معهم سيمنح العرب رافعة إقليمية في سياق حالة التفكك والانهيار الحالية.
- رغم أنّ الأولويات الملحة على الحركات الإسلامية تتمثل اليوم في تثبيت أقدامها في السلطة، ولن تكون السياسة الخارجية على رأس أولوياتها، بل هي تحاول أن ترسل برقيات تطمين للغرب في اللحظة الراهنة؛ إلاّ أنّ ذلك لم يخفف من المخاوف الإسرائيلية من هذه الحركات، إذ يدرك الصهاينة أنّ هذه الرسائل بمثابة تكتيكات مرحلية، وأنّ هنالك صداما بنيويا بين المشروعين الإسلامي والصهيوني.
- أخيراً؛ لن تكون الممالك العربية خارج عواصف التغيير، أيّاً كانت صيغة ذلك. إذ كان الرئيس مبارك يعتقد أن مصر مختلفة، ثم اليمن، وأخيراً سورية، إلاّ أنّ التغيير طاولهم جميعاً، وسيصل إلى الممالك العربية بعد انتهاء الوجبة الثانية (سورية، اليمن، ليبيا)، وهو ما يدفع بهذه الدول إلى سرعة ترتيب بيوتها الداخلية، وأن تستبق التحولات بمبادرات اختيارية، كما فعل ملك المغرب، لا أن تنتظر الطوفان، ولات حين مناص!"الغد"