أين إنسانيتنا وشرفنا الأخلاقي ؟
لميس أندوني
جو 24 : لم نفق من صدمة نتائج التحقيق حول مراكز العناية بالمعوقين حتى جابهتنا قضية لا تقل عنها بشاعة، تكشف كالأولى قسوتنا، وأحياناً وحشيتنا في التعامل مع المستضعفين في ما بيننا.
لم ينتظر الأيتام تحقيقا صحافياً استقصائياً يعرض قضيتهم، بل بادروا بأنفسهم وأعلنوا على الملأ مطالبهم التي تدين زيف تمسكنا العلني بالأخلاق والدين، بينما نغض النظر عن إهمال واضطهاد الحلقات الأضعف بيننا.
عقد الأيتام مؤتمراً صحافياً، ولم يحاولوا استدرار العطف والشفقة، بل طالبوا بحقوقهم الإنسانية والمدنية بكل كرامة الإنسان الذي يعي حقوقه، ويعي أن الظلم الواقع عليه ليس من صنعه، بل من صنع مجتمع ارتضى التمييز ضد من هم أولى برحمته- لا أقول بشفقته لأننا نحن ، على الأقل في أغلبنا ،وأنا الأولى بيننا، متهمون في تقصيرنا والدوس على إنسانيتنا قبل إنسانيتهم.
هناك قصص غبن كثيرة، عن استهتارنا بحياة الأيتام،لكن هزني أن هناك تمييزاً رسمياً ضدهم، يحظى بشرعية ما لا أفهمها، تتمثل بإعطائهم رقما وطنيا يبدأ بـ 2000، تستطيع الدولة من خلاله وضعه في خانة اليتيم ، كأنها وصمة عار تطارده طوال حياته.
أي أن اليتيم مدان حتى قبل أن يقوم بأي عمل جيداً كان أم سيئاً، أو بمجرد ولادته في حال كان لقيطاً . أي أن هؤلاء عليهم أن يدفعوا ثمن ما يعتبرها المجتمع، المعتز بشرف وهمي، أخطاء وخطايا آبائهم وأمهاتهم.
التمييز بالرقم الوطني، الذي لا يعطي اليتيم أي مميزات أو حتى حقوقا أساسية، كنا قد نعتبرها تقع تحت باب "التمييز الإيجابي"، يذكرني بالوصمة القرمزية التي كان يدمغ بها جبين المنبوذات في العصور المظلمة في أوروبا والساحرات في فترة من الفترات المشينة في تاريخ نشوء الولايات المتحدة . ففي أي عصر نعيش؟
للأسف لم أتواجد في المؤتمر الصحافي، لأنني لم أعرف عنه، وهذا تقصير مني، لكن أنا مدينة للزميلة أحكام الدجاني من" العرب اليوم" التي غطت وقائعه، مباشرة على صفحة الفيس بوك الخاصة بها، تطوعاً وخارج نطاق عملها في الصحيفة، فلفتت انتباه الكثيرين وأنا منهم، لقضية تستوجب منا التوقف عندها كثيراً، لأنها بمثابة المرآة التي تكشف بشاعة ما خلف تبرجنا بمقولات الخلق والأخلاق.
مثلاً، مما كشفته التغطية المباشرةـ والحية التي قامت بها أحكام، أن ناشطي الأيتام لجأوا إلى ملتقى ثقافي ، حجز لهم القاعة مشكوراً في المركز الثقافي الملكي كجزء من نشاطاته، لبث مواجعهم إعلان مطالبهم.
صرخة الأيتام لها وجهان، لنا جميعاً، ولوزارة التنمية الاجتماعية ، ضربة ثانية في الصميم؛ لأنه إذا كانت الوزارة مهملة في الرقابة الجدية على دور رعاية المعوقين، الآن نجدها مهملة في الاهتمام بالأيتام، فما داعي وجودها والأفضل حلها ، إذ إن الإساءات، وأحياناً جرائم، ترتكب بحق المعوقين، والأيتام، وهناك أيضا تقارير مماثلة عن العجزة، تجعلها بعلمها أو غير علمها، شريكة في اضطهاد من هم رسمياً وقانونياً تحت مظلتها.
لكن اتهام الوزارة بالتقصير- وهي متهمة، وننتظر منها إجابات- لا يعفينا من التهمة الأكبر والأخطر التي تتعلق بمنظومة قيمنا المشوهة التي تبيح الإساءة لمن نعتبرهم اقل ِشأناً منا وفي تكوينهم أو في ظروف مجيئهم إلى هذه الدنيا.
الفضائح التي ظهرت على السطح، وقد تكون هذه البداية فقط، أثبتت أن هناك خللاً تربوياً في تنشئتنا يسمح و يستسهل الاعتداء اللفظي، من سخرية وإهانة ، حتى الاعتداء الجسدي، بالضرب إن لم يكن بالاغتصاب، ضد المستضعفين جسديا أو ذهنيا أو اجتماعيا.
بكلمات أخرى، بعض منا يرى في الإعاقة الذهنية والعاهة الجسدية، مبرراً مشروعاً للإساءة إلى أصحابها، ويرى في الضعفاء ممن حرمهم المجتمع أو الظروف من الحماية الأسرية أو الاقتصادية أهدافاً مشروعة للإساءة والاضطهاد.
البعض سيجد في كلماتي قسوة وتعميماً، وأجيب من الآن، أننا جميعاً، كل في موقعه أو سلوكه اليومي يتحمل مسؤولية التغيير، فنحن نطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية لكننا أيضاً نحتاج إلى إصلاح النفوس والعقول،لأن هناك مفاهيم غير إنسانية تمكنت منا لا بد من مواجهتها ، لنستطيع النظر في عيني المعوق واليتيم وكل مستضعف بيننا لأن عيونهم تفضح خطايانا.
العرب اليوم
لم ينتظر الأيتام تحقيقا صحافياً استقصائياً يعرض قضيتهم، بل بادروا بأنفسهم وأعلنوا على الملأ مطالبهم التي تدين زيف تمسكنا العلني بالأخلاق والدين، بينما نغض النظر عن إهمال واضطهاد الحلقات الأضعف بيننا.
عقد الأيتام مؤتمراً صحافياً، ولم يحاولوا استدرار العطف والشفقة، بل طالبوا بحقوقهم الإنسانية والمدنية بكل كرامة الإنسان الذي يعي حقوقه، ويعي أن الظلم الواقع عليه ليس من صنعه، بل من صنع مجتمع ارتضى التمييز ضد من هم أولى برحمته- لا أقول بشفقته لأننا نحن ، على الأقل في أغلبنا ،وأنا الأولى بيننا، متهمون في تقصيرنا والدوس على إنسانيتنا قبل إنسانيتهم.
هناك قصص غبن كثيرة، عن استهتارنا بحياة الأيتام،لكن هزني أن هناك تمييزاً رسمياً ضدهم، يحظى بشرعية ما لا أفهمها، تتمثل بإعطائهم رقما وطنيا يبدأ بـ 2000، تستطيع الدولة من خلاله وضعه في خانة اليتيم ، كأنها وصمة عار تطارده طوال حياته.
أي أن اليتيم مدان حتى قبل أن يقوم بأي عمل جيداً كان أم سيئاً، أو بمجرد ولادته في حال كان لقيطاً . أي أن هؤلاء عليهم أن يدفعوا ثمن ما يعتبرها المجتمع، المعتز بشرف وهمي، أخطاء وخطايا آبائهم وأمهاتهم.
التمييز بالرقم الوطني، الذي لا يعطي اليتيم أي مميزات أو حتى حقوقا أساسية، كنا قد نعتبرها تقع تحت باب "التمييز الإيجابي"، يذكرني بالوصمة القرمزية التي كان يدمغ بها جبين المنبوذات في العصور المظلمة في أوروبا والساحرات في فترة من الفترات المشينة في تاريخ نشوء الولايات المتحدة . ففي أي عصر نعيش؟
للأسف لم أتواجد في المؤتمر الصحافي، لأنني لم أعرف عنه، وهذا تقصير مني، لكن أنا مدينة للزميلة أحكام الدجاني من" العرب اليوم" التي غطت وقائعه، مباشرة على صفحة الفيس بوك الخاصة بها، تطوعاً وخارج نطاق عملها في الصحيفة، فلفتت انتباه الكثيرين وأنا منهم، لقضية تستوجب منا التوقف عندها كثيراً، لأنها بمثابة المرآة التي تكشف بشاعة ما خلف تبرجنا بمقولات الخلق والأخلاق.
مثلاً، مما كشفته التغطية المباشرةـ والحية التي قامت بها أحكام، أن ناشطي الأيتام لجأوا إلى ملتقى ثقافي ، حجز لهم القاعة مشكوراً في المركز الثقافي الملكي كجزء من نشاطاته، لبث مواجعهم إعلان مطالبهم.
صرخة الأيتام لها وجهان، لنا جميعاً، ولوزارة التنمية الاجتماعية ، ضربة ثانية في الصميم؛ لأنه إذا كانت الوزارة مهملة في الرقابة الجدية على دور رعاية المعوقين، الآن نجدها مهملة في الاهتمام بالأيتام، فما داعي وجودها والأفضل حلها ، إذ إن الإساءات، وأحياناً جرائم، ترتكب بحق المعوقين، والأيتام، وهناك أيضا تقارير مماثلة عن العجزة، تجعلها بعلمها أو غير علمها، شريكة في اضطهاد من هم رسمياً وقانونياً تحت مظلتها.
لكن اتهام الوزارة بالتقصير- وهي متهمة، وننتظر منها إجابات- لا يعفينا من التهمة الأكبر والأخطر التي تتعلق بمنظومة قيمنا المشوهة التي تبيح الإساءة لمن نعتبرهم اقل ِشأناً منا وفي تكوينهم أو في ظروف مجيئهم إلى هذه الدنيا.
الفضائح التي ظهرت على السطح، وقد تكون هذه البداية فقط، أثبتت أن هناك خللاً تربوياً في تنشئتنا يسمح و يستسهل الاعتداء اللفظي، من سخرية وإهانة ، حتى الاعتداء الجسدي، بالضرب إن لم يكن بالاغتصاب، ضد المستضعفين جسديا أو ذهنيا أو اجتماعيا.
بكلمات أخرى، بعض منا يرى في الإعاقة الذهنية والعاهة الجسدية، مبرراً مشروعاً للإساءة إلى أصحابها، ويرى في الضعفاء ممن حرمهم المجتمع أو الظروف من الحماية الأسرية أو الاقتصادية أهدافاً مشروعة للإساءة والاضطهاد.
البعض سيجد في كلماتي قسوة وتعميماً، وأجيب من الآن، أننا جميعاً، كل في موقعه أو سلوكه اليومي يتحمل مسؤولية التغيير، فنحن نطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية لكننا أيضاً نحتاج إلى إصلاح النفوس والعقول،لأن هناك مفاهيم غير إنسانية تمكنت منا لا بد من مواجهتها ، لنستطيع النظر في عيني المعوق واليتيم وكل مستضعف بيننا لأن عيونهم تفضح خطايانا.
العرب اليوم