2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

نظرات في كتاب الاقتصاد المؤسسي والدولة المعلولة

سالم الفلاحات
جو 24 : قرأت الكتاب عندما كان مخطوطة أولية فأعجبني أيما إعجاب، ولكنّه عندما وقع بين يدي بحلته النهائية كان شيئاً آخر.
العنوان يغري الاقتصاديين لاسيما وهم يعرفون الكاتب، وللحسنة والتميز أخواتٌ في العادة فلا تكون منبتّة أو وحيدة، ولعل أهل الاختصاص ينتظرون من البعض إصداراتهم بفارغ الصبر ومنهم د. عبدالرزاق بني هاني، ولا غرابة فعندما تغيب مسحة التكلف والتطلع والتزلف، والكتابة بالانطباع، والركون إلى الذاكرة يتعاظم الانتاج ويحجز موقعه في الاهتمام الجاد.
عنوان الكتاب (الاقتصاد المؤسسي ونظرية الدولة المعلولة).
إنّ وصف الاقتصاد (بالمؤسسي) يُفهم منه بمفهوم المخالفة أن بعض الاقتصاد مرتجل وفردي وغير ممنهج برؤية واضحة؛ فهو عرضة للانكسار والزوال ولعل هذا ما سعى إلى توضيحه المؤلف في كتابه.
كما أنه وظف المعلومة المجردة من أجل ربطها بالواقع الأردني، ولم يجعلها نبتاً سطحياً تائهاً أو تنظيراً فقط، وتجد الربط واضحاً بخلفية السياسي العالم العامل المثابر الذي يجعل العلم وقفاً وضريبة وطنية لا استرزاقاً ولا يخشى فيه لومة لائم.
إذا حدثك المؤلف عن الدولة المعلولة، وضعت يدك على قلبك اشفاقاً وخوفاً مما نحن فيه وكأنما يقول: أننا قاب قوسين منها.. بل أدنى من ذلك...
وتحدث عن الحل الوحيد، وعن الإطار الزمني المطلوب لبناء مجتمع جديد، ويقول:
دعنا نتخيل مركبة قديمة مهترئة فيها بعض القطع الصالحة لكن إصلاحها بتغيير القطع المهترئة سيكون مكلفاً إلى حد اللامعقول، ينطلق من هذا لتقريب المسألة الاقتصادية فيقول: يشبه النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي إلى حد بعيد قصة الحافلة، ثم يقول: لا بد من أن نتحرر من المؤسسات الفاسدة قبل أن تقضي علينا أو تجعلنا غير جديرين بالبقاء.
ويقول: لا يمكن لنظام فرعي صالح أن يوجد مع فساد بقية الأنظمة الفرعية.
ويضيف: إنَّ تدمير المؤسسات الرديئة السائدة، وبناء مؤسسات حميدة مكانها يحتاج إلى وقت، ولا بد للمجتمع أن يقوم بثلاث ثورات بيضاء مِنْ أجل ذلك:-
ثورة اجتماعية.
وثورة تشريعية.
وثورة في مناهج التربية والتعليم والتعليم العالي.
ويُحذّر من ظاهرة خطيرة وهي ثقافة التفتيت التي تظهر في التمسك بالجهوية والعرقية والقومية والإثنية والدينية والمذهبية المفتتة، حيث يغدو المجتمع حالة عائمة من البشر الذين لا يربطهم رابط سوى المؤسسات الشكلية الرديئة، ولا علاج لذلك إلا ثورة اجتماعية تؤدي إلى صهر الناس في بوتقة عظيمة تسمى(الهوية الوطنية الجامعة).
ويتحدث عن غياب السياسات المحفزة التي تصمم في العادة كي تشجع على النشاط السياسي والإنتاج والإدخار وحب العمل الجماعي.
وإذا تحدث عن القوانين الفاسدة المتعلقة بالاقتصاد، اختار على سبيل المثال قانون اشهار الذمة المالية والمشمولين به فيقول:
إنَّ القانون سمح لهؤلاء أن يسجلوا اموالهم المنقولة في مصارف أجنبية خارج البلاد وبأسماء أبنائهم البالغين أو أقاربهم من الدرجة الأولى من غير الأبناء والبنات من أجل التهرب من متطلبات القانون.
وإذا تحدث عن الدولة(المعلولة) فيتحدث ليحذر منها باسلوب علمي بعيد عن العاطفة، فيحدد مواصفاتها ومظاهرها لعل الحريصين على دولتهم ينتبهون لها ويَحْذرُون من الوقوع فيها إن لم نَكن من ضحاياها فيقول:-
الدولة المعلولة هي التي تعمل مؤسساتها وتسهر أجهزتها على رعاية مصلحة الفئة الحاكمة المتمثلة بالحاكم وأسرته وأقربائه وحاشيته التي كثيراً ما تتبدل وتتغير نتيجة لعدم الثقة السائدة بين الحاكم والمحكوم، وتكون نهاية دورة الاختيار فيها قد حَصَرت كل قرارات الجماعة البشرية الخاضعة لسيطرتها بيد الأقلية الحاكمة، ويُدخل مفهوماً جديداً على أصحاب المصالح المستفيدين من الأوضاع الراهنة، ويسميهم أصحاب القوة التفاوضية، ولهؤلاء مصلحة حيوية لإبقاء الأوضاع على ماهي عليه.
الكتاب في مئتين وتسع صفحات، نشرته دار وائل للنشر والتوزيع جاء في مقدمة، وتعريفات، وتسميات، وتاريخ، أخذت ربع الكتاب تقريباً، وأفرد المؤلف فصلاً كاملاً لمفهوم المؤسسات الشكلية واللاشكلية، وهنا يُفصّل الكاتب المؤسسات، خضوعاً للعرف السائد في الاقتصاد المؤسسي، إلى مؤسسات شكلية ممثلة بالدستور والقوانين الصادرة بموجبه، والأنظمة والتعليمات والقرارت، وإلى مؤسسات لا شكلية ممثلة في العادات والتقاليد والأعراف، وهي الأخطر في حياة المجتمعات، والمؤسسات من أي شكل هي مرآة للشكل الآخر، فإذا كانت المؤسسات اللاشكلية رديئة تكون المؤسسات الشكلية رديئة كنتيجةٍ حتمية للعلاقة الوظيفية بين الشكلين.
تحدث المؤلف باسهاب في فصل بعنوان آفاق مظلمة وقد تكون قلب الكتاب وفي الفصل الرابع الذي عنونه بـ ماذا بعد؟ تحدث فيه عن حكم القانون ونظرية الموكِل والموكَل وتحدث عن الدستور باعتباره العقد بينهما.
تستحق نظرية المُوكِل والوكيل وقفة حقيقية لأن الحديث فيها وعنها يغوص في جوهر العلاقة بين الرئيس والمرؤوس، وبين الراعي والرعية، وعِظَمْ المسؤولية الملقاة على كاهل كلٍ منهما. فالعلاقة التي تربط الاثنين ينبغي أن تكون مؤسسية تحتكم إلى الدستور باعتباره العقد الاجتماعي الذي يربط الحاكم والمحكوم والمجتمع والدولة، وبموجب هذا العقد لابد أن يتمكن الجسم السكاني من عزل الحاكم إذا انتهك قواعد الدستور، وتعسف في استعمال السلطة، وفي الوقت ذاته لابد أن تؤدي الرعية واجباتها في الإطار المؤسسي المرسوم، شريطة أن تكون المؤسسات الحاكمة من النوع الحميد.
في الفصل الخامس والأخير لخص المطلوب بعنوان حلٌّ وحيدٌ لا غيره، تحدث فيه عن الإطار الزمني لبناء مجتمع صالح جديد، وجعل من شروطه هندسة اجتماعية خاصة وعن ثورة بيضاء في التعليم والتعليم العالي، وفي التشريع، وتحدث أخيراً عن خدمة العلم وانعكاسها الايجابي على الاقتصاد وبناء الشخصية الجادة.
قال البروفسور دوغلاس نورث في تعليقه على الكتاب:- (أيّ شخص يعرف عن محتويات الكتاب ولا يقرؤه ويطبق ما فيه فهو خالٍ من الضمير).
وأظنه لم يتجاوز الحقيقة وأقول إنّ الكتاب من العلم الذي ينتفع به حقاً.
سيراه الاقتصادي كتاباً في الاقتصاد.
وسيراه الإصلاحي كتاباً في الإصلاح.
وسيراه عالم الاجتماع كتاباً في علم الاجتماع.
وسيراه السياسي كتاباً في السياسة.
فاحرص على دراسته.


(السبيل)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير