تحقيق: مزروعاتنا غير صالحة للاستهلاك البشري.. والأردنيون يتجرعون السرطان على موائدهم
أمل غباين- "على البركة".. هذا ما قاله مزارع في الأغوار الشمالية لـJo24 خلال قيام أحد العمال الوافدين برشّ مزروعاته باستخدام مبيد حشري.
العامل الأمي قال انه يستخدم كافة المبيدات بذات الطريقة؛ فهو لا يعرف القراءة والكتابة، فيقوم بكسر المادة الكيماوية بالماء حسب خبرته وتقديره، دون العودة للارشادات المكتوبة.. وهو ما أكد عليه المزارع، فهو منذ استلامه الأرض من والده يقوم بذات الفعل ويرش المزروعات على "البركة".
المواد الكيماوية التي ترش بها المزروعات، وحسب خبراء، منها ما هو شديد السمية ولا يمكن ان تتخلص منها المزروعات، حتى مع غليها على اعلى درجات الحرارة، حيث تصبح جزءا من تركيبة تلك المزروعات.
ولدى تجول Jo24 في عدد من المزارع، تبين جليا الاستخدام العشوائي للمبيدات الحشرية، حيث يتم رشّ المزروعات دون ادنى رقابة.
وعند الاستفسار من الجهات المعنية كافة، اتضح ان غالبية المزارعين لا يستخدمون المبيدات الحشرية بالطرق السليمة والصحيحة، فيما أكد عدد من المتحدثين اصحاب الخبرة في هذا المجال ان لهذا الموضوع اثر مباشر على صحة المواطن واصابتهم بمرض السرطان.
السرطان واثر المبيدات الحشرية على الاصابة به
كشفت تقارير لمنظمة الصحة العالمية علاقة استخدام المبيدات الحشرية على صحة الانسان مؤكدة في عدة تقارير كان اخرها في عام 2012 ان الاستخدام الجائر للمبيدات يعتبر عاملا رئيسيا بعد التدخين للاصابة بالمرض الذي يفتك بملايين البشر سنويا وهذا ما اكده لـJo24 مدير مركز الحسين للسرطان، فأشار الى ان الدراسات العالمية اثبتت مدى ارتباط المبيدات الحشرية بالاصابة بالسرطان.
وبين التقرير ان تناول الانسان بشكل دوري للمزروعات التي تحتوي على نسبة عالية من الكيماويات تحفز المرض بشكل سريع واصفا تلك المزروعات بـ'لقمة السمّ'.
منصور: المزروعات الحاملة للمواد الكيماوية سبب رئيسي للاصابة بالسرطان بعد التدخين
مدير مركز الحسين للسرطان، الدكتور عاصم منصور، أكد ان استخدام المبيدات الحشرية والهرمونات دون عملية محسوبة بدقة تسبب مرض السرطان دون ادنى شك.
وأضاف لـJo24 انه لا يوجد بالاردن رقابة على سوء استخدام المبيدات، مشيرا الى انه شاهد بأم عينه عمال بسطاء لا يدركون طبيعة عملهم وخطورته على صحة الانسان، يقومون على عملية رش المزروعات بالمبيدات الحشرية.
وأضاف ان المواد الكيماوية التي تدخل في مركبات مواد الرش تبقى عالقة في المزروعات ويتناولها المواطن الاردني بشكل يومي 'ما يجعله أرضا خصبة للاصابة بالسرطان'.
وقال ان خطر تناول المزروعات التي تم رشها بشكل جائر لا يقل خطرا عن تناول السجائر، كما ان القوانين الدولية تشدد على عملية رش المزروعات، منتقدا في ذات السياق غياب الرقابة الحكومية على المزارعين.
وتابع ان النمط الغذائي للانسان واحد من أهم مسببات السرطان، مشيرا الى ارتفاع نسبة الاصابة بالاردن حيث قال ان من كل 100 الف مواطن اردني يوجد 130 منهم مصابون بالسرطان معتبرا ان هذا مؤشر خطير يجب دراسة ابعاده.
حجازين: مزروعاتنا غير صالحة للاستهلاك البشري.. والاردنيون يتناولون جرعات السرطان بشكل يومي
رئيس لجنة الصحة في مجلس النواب، النائب الدكتور رائد حجازين، أكد ان الأردن لا يلتزم بالقوانين الدولية فيما يتعلق بعملية رش المزروعات، مؤكدا ان الاستخدام الجائر للمواد الكيماوية جعل من مزروعاتنا 'جرعات مسرطنة يتناولها المواطن الاردني بشكل يومي'.
وقال حجازين لـJo24 : 'لا نستطيع دفن رؤوسنا في الرمال، واتحدى الحكومة ان تنكر ان كافة خضرواتنا غير صالحة للاستهلاك البشري'.
وعاد حجازين بالذاكرة لحقبة الثمانينات، فأشار إلى ان الحكومة الألمانية قامت حينها بمنح الاردن مختبرا لقياس نسبة الكيماويات في الخضار والفواكه وتم انشاءه حينها في منطقة البقعة، واستقبل المختبر عينات من مختلف مزارع المملكة، وكانت المفاجأة ان كافة العينات رسبت بالفصح وتبيّن عدم صلاحيتها للاستهلاك البشري والحيواني.
وتابع ان عددا من المزارعين بعد نتائج فحص العينات ثاروا غاضبين وقاموا بمداهمة المختبر وتحطيم كافة محتوياته دون ان تحرك الحكومة حينها ساكنا.
الذاكرة أسعفت حجازين لاستذكار حادثة وفاة والده، الذي كان يعمل قاضيا، وكان يتمتع بصحة ممتازة الا انه قام ولفترة محدودة باستلام عملية رش المزرعات في حديقة المنزل، وبعد فترة وجيزة تردّت حالته الصحية بشكل مفاجئ ودون سابق انذار، لتكتشف عائلته اصابته بمرض السرطان.
حجازين اكد ان عائلته والاطباء ربطوا حينها اصابة والده بالسرطان بقيامه برش المبيدات، مؤكدا ان والده قد يكون كان يحمل المرض وازدادت قوته بعد استخدام المبيدات الحشرية.
وأشار إلى ان التشريعات لا تسمح لوزراة الزراعة باتخاذ اجراءات عقابية بحق المزارع الذي لا يلتزم بالاستخدام السليم لمواد الرش، مضيفا ان قانون الزراعة التي ينظر فيه مجلس النواب يحوي فصلا كاملا حول مواد الرش 'لأهمية القضية'.
وحسب حجازين فإن نسبة الإصابة بالمرض في تقرير مركز الحسين للسرطان غير دقيقة، مؤكدا ان واحدا من كل ستة مواطنين مصاب بالسرطان.
وأضاف حجازين لـJo24 ان هنالك عوامل اخرى للاصابة بالسرطان، حيث ان مفاعل ديمونة من المسببات الرئيسة للاصابة بالسرطان في مناطق الجنوب، فيما كشف ان ارتفاع نسبة الاصابة بالمرض في عجلون تعود للمفاعل النووي الاسرائيلي الذي بدأ العمل به في منطقة صفد.
وكشف حجازين ان وزارة الصحة انفقت خلال العام المنصرم 57 مليون دينار على علاج السرطان، مشيرا الى ان الكلفة كان اضعافا مضاعفة لمن يعالجوا في المستشفيات الخاصة، إضافة للمواطنين الذين توافيهم المنية قبل الحصول على العلاج لعدم قدرتهم المالية على شراء العلاج.
الروابدة: وزعنا منشورات على طلبة المدارس لتعليم ذويهم
مدير مديرية وقاية النبات في وزراة الزراعة، المهندسة فداء الروابدة، بينت ان دور الوزراة يبدأ بتسجيل المبيدات وعملية ادخالها الى المملكة ضمن اجراءات مشددة، مؤكدة ان الوزراة تحرص على ان لا تكون المادة شديدة السمية.
وتابعت انه في 2010 تم استحداث وحدة لمراقبة تدوال واستيراد المبيدات الحشرية، ويعتمد عمل الوحدة على أخذ العينات وفحصها، اضافة الى مهمتها في مراقبة الاسواق، مضيفة ان الوزراة تؤمّن المبيد الفعال للمزارع وتشرح له فترات الامان وكيفية استخدامه عبر بروشورات ارشادية.
واكدت ان الوزارة تحاول جاهدة لدفع المزارعين باستخدام المبيدات بشكل سليم لدرجة وصلت ان تقوم الوزراة بتوريع منشورات لطلبة المدارس في المناطق الزراعية حول كيفية استخدام المبيد؛ كي يقوموا بشرحها لأهاليهم الذين لا يجيد بعضهم القراءة.
"بعض المزارعين يقومون باستخدام المبيد بشكل سليم، لكن الآخرين لا يفعلون"، أكدت الروابدة، مشيرة الى ان الوزراة قامت بإلغاء ما يقارب 70 اسما تجاريا بناء المعطيات العالمية وبطلب من منظمة الصحة العالمية، خاصة تلك التي اتضح انها تسبب السرطان.
وشددت على ان التشريعات لا تسمح للوزارة بالقيام بحملات تفتيشية على المزارعين خلال عملية الرش..
الخريشة: قنبلة سرطانية موقوتة
مدير مديرية الغذاء في المؤسسة العامة للغذاء والدواء، الدكتور محمد الخريشة، قال ان دور وزارة الصحة يأتي بعد عملية الحصاد وما قبلها هو مسؤولية وزراة الزراعة لا غيرها.
وبين ان 'الغذاء والدواء' تقوم برصد المنتجات الزراعية وفحصها من الملوثات كالمعادن الثقيلة والنيترات ولعناصر التلوث الميكروبي بشكل دوري، فيما لا يعتبر فحص المواد الكيماوية ضمن اختصاصها.
وأكد الخريشة ان استخدام المبيدات الحشرية له شروطه التي في حال تم تجازورها تصبح المزروعات قنبلة سرطانية موقوتة؛ حيث يصعب التخلص من بقايا الكيماويات فيها حتى مع الغسل وعملية الطبخ وبالتالي فإن عدم الرقابة يصبح الامر كارثيا.
أبو غنيمة: ما يتم توزيعه في السوق المحلية أقل جودة من المخصص للتصدير
نقيب المهندسين الزراعيين، المهندس محمود ابو غنيمة، له رأي يكاد يكون مختلفا في هذه القضية، حيث اكد ان المزارع الاردني واع ولديه الخبرة في استخدام المبيدات الحشرية، الا انه لم ينف وجود بعض المزارعين الذين يتعاملون مع تلك المواد بطريقة جائرة.
وقال ان الاردن خلال الخمس سنوات الاخيرة نجح بتصدير المزروعات الى الدول الغربية دون ان يعود من الاف الشحنات الا ما ندر، لكنه عاد ليقول: 'لا ننكر ان المنتجات الزراعية المصدرة الى الخارج ليست بذات الجودة التي يستهلكها المواطن الاردني'.. مضيفا 'نأمل ان يعامل المواطن الاردني كما يعامل الغربي فيما يتعلق بالغذاء، فصحة الأجنبي ليست أهم من صحة المواطن الاردني، وهو الاولى ان يتناول منتاجته الزراعية ذات الجودة العالية'.
رأينا.. لا رقابة فعلية على المزارعين
خلال اعداد هذا التحقيق تبين عدم وجود رقابة فعلية على المزارعين واتضح جليا بأن معظم المنتوجات الزراعية تصل الى موائد الاردنيين وقد نالها من نالها من كيماويات مسرطنة في ظل غياب حكومي وتجاهل لارواح المواطنين وصحتهم.
نسبة الاصابة بالسرطان في الاردن تعد من اعلى النسب في الشرق الاوسط لاسباب عدة، ولا يحتاج المواطن أن تكون جرعات السرطان على مائدته بشكل مستمر والمطلوب اليوم من مجلس النواب الذي يناقش قانون الزراعة ان يضع حدا لكارثة صحية يدفع المواطن ثمنها مسبقا.
وأما الحكومة فهي مطالبة بتفعيل الدور الرقابي وعدم دفن رأسها بالرمال واتخاذ اجراءات رادعة بحق كل من يتلاعب بأرواح الناس وصحتهم؛ فقضية الاستخدام الجائر للمبيدات الحشرية جريمة لا تقل خطورة عن جرائم القتل العمد، بل انها اكثر خطرا؛ حيث يتم قتل المواطن بشكل بطيء بعد ان يمر بمعاناة مع مرض يشكل كابوسا لمن يحمله ولمن هم حوله.