المتقاعدون بين النسيان والثناء
جاء رجل الى آخر يطلب الأجرة عن دار كان قد أجرها له فقال المستأجر يشكو: أعطيك الأجرة ولكن أصلح هذا السقف فإنه يهتز . فقال صاحب الدار: لا تخف فإنما يسبح السقف من خشية الله ، فقال المستأجر نعم .. لكني أخشى ان يدركه الخشوع فيسجد .
أستهل بهذه الحكمة التي ربما تعبر عن الواقع المؤلم الذي يعيشه المتقاعدون ، أولئك الذين ضحوا بشبابهم لخدمة هذا الوطن وقد نسيهم الوطن وتركهم يبحثون عن لقمة العيش بين اياد لا يعرفون عن ماضيها او حاضرها شيئاً اياد ربما تكون قد استعمرها الحاقدون كي يؤسسوا مدونة العبث بعقولهم وافكارهم وهم لا يدركون حقيقة وجودهم مستغلينهم لسوء اوضاعهم المعيشية والاقتصادية ، نخشى ان تمتد الى المتقاعدين اياد الحقد والبغضاء والفتن وغسيل العقول باموال التيارات والمنظمات التي تختلق لهم من باطن الارض ، نخشى ان يهتز السقف قبل أصلاحه ، ونخاف ان يسجد ، حينها لن تنفع عبارات الثناء والتمجيد ولن تنفع كل اعمدة الصحف وكتابها ان يعيدوا المسار الى اصله ، نتحدث عن بطولات المتقاعدين وقد تركوا يصارعوا تقلبات الحياة الصعبة وهم يبحثون تحت الشمس عن ظل يأويهم وقد تيبست عروقهم واسودت وجوههم من لهيب الصحراء وتضحيات البطولة . هؤلاء الذين رفعوا راية العلم وصروح الفكر والثقافة ، والذين تزينوا بالتاج الهاشمي الاردني الذين بنوا وطناً ، وصنعوا مجداً ، فالمجد بهم يفخر .. هؤلاء النشامى ، نسجوا للوطن جداراً بالدم والروح ، فكانوا أوَّلَ من أعارواَ الموتَ أغنية التباهي ، فأسسوا قانون الحضارة .. ازدانوا بتيجان الأخلاق .. وتزينوا بحلل الإبداع والتميز ، فأرتفعوا عن أوحال الشهوات ، ومزالق الشبهات .. وصموا الاذان عن ضجيج الفتن والملهيات .. فهذه تواقيع الشمس على جباههم رسمت تاج العز وسطروا امجاد وطن
ليس المطلوب منا ان نصفق للمتقاعدين ونكرمهم بعبارات الدفء وامجاد التضحيات ونحن نعي حقيقة العواصف والمؤامرات التي تحيك بالامة ، وندرك ويل العواصف القادمة من التيارات الفكرية والتنظيمية والجهادية التي تبحث عن موطأ قدم لها . المطلوب ان تعي الدولة الاردنية حقيقة خطر احتواء المتقاعدين من قبل اطراف تسعى الى الخراب والدمار ، تسعى لكي تنتقل الازمات الى هذا الوطن ازمات اقتصادية وامنية وفكرية فلا يجب ان نتركهم بضاعة بين العرض والطلب .